Culture Magazine Thursday  06/06/2013 G Issue 409
فضاءات
الخميس 27 ,رجب 1434   العدد  409
 
انتخابات أدبية
قاسم حول
-

 

جرت في بغداد وفي فندق الشيراتون على شارع أبي نؤاس الشهير وعلى ضفاف نهر دجلة الحزين انتخابات اتحاد الأدباء العراقيين.

حزن نهر دجلة يأتي ليس فقط من شحة المياه التي تتحكم تركيا في مسارها بعيدا عن اتفاقيات المياه الدولية، لكنه يأتي من غياب سهرات الليالي الثقافية والاجتماعية التي عرف بها هذا النهر وحيث ساد بدلها الخوف المزروع على ضفاف النهر في صوبي الرصافة والكرخ.

في خضم هذا الحزن الذي يبكي السائر ليلا قريبا من تمثال أبي نؤاس وتمثالي شهريار وشهرزاد حيث يقفون بلا شعر نؤاسي وبدون حكايات ألف ليلة وليلة، في خضم هذا الحزن جرت انتخابات اتحاد الأدباء العراقيين.

فمن هم المتصارعون في حلبة المعارك في ظرف صعب ومعقد يمر به الوطن العراقي؟!

ارتبط كثير من الأدباء والكتاب العراقيين بالحركة اليسارية منذ منتصف القرن الماضي، وصارت الساحة في فترات معينة شبه محسومة لصالح اليسار العراقي. لكن هذه الفئة اليسارية كبرت في حساب العمر والزمن وبدأت تمشي على عكازات وصعب عليها ملاحقة التطور والتقنية والحداثة والحداثوية وما بعد الحداثة والحداثوية! فظهر جيل شاب متمرد يرغب الخروج من السائد والمألوف في الفكر، في الصيغ الأدبية، وفي صيغ التنظيم في الاتحادات والنقابات، فتبحث هذه الفئة الشابة عن مرجعيات ثانية غير متعكزة، مرجعيات تماثل فكرها وحلمها لتخرج عن المألوف والسائد في الحياة الثقافية العراقية.

إلى جانب هذا الصراع بين جيلين، جيل عكازي قديم وجيل ينهض بالتمرد، يبرز إلى الساحة الثقافية بالضرورة المرحلية والسياسية تيار ثقافي ديني المرجع يريد أن يأخذ مكانه في الحياة الثقافية العراقية وهو يرفض صيغ هيمنة المرجعية القديمة.

في الماضي القريب وبعد سنوات ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري كانت الفئة الثقافية الدينية متقوقعة في رحاب الدين المحض ولكن بمرور الوقت وبعد أن وجدت هذه الفئة نفسها معزولة عن الواقع الثقافي العراقي، تبلور في صفوفها تيار جديد حطم جدار القوقعة لينفتح على الثقافة العراقية بشتى ألوانها متخذا من فكرة الموزائيك نهجا لموقفه هذا.

القيمة العددية لتيار اليسار لا تزال غالبة في حساب ورقة الانتخاب. لذلك فإن فوز قائمة العكازات بات شبه مضمون، فقرر التيار الديني المنفتح مقاطعة الانتخابات خوفا من هزيمة قد تضعه في خانة الإحراج فأراه وقد أصبح ميالا لتأسيس مرجعية ثقافية خاصة به، فيما رأى بعض منه عدم اللجوء للمقاطعة وإثبات الوجود حتى ولو كان ذلك بنسبة محدودة داخل المرجعية المركزية للأدباء والكتاب العراقيين.

نجاح المرجعية التقليدية العكازية المتوقع يأتي جانب منه في الحرية المسائية لنادي الاتحاد حيث يجد العديد من الأدباء فرصة الهرب ليلا من المفخخات والخوف الملموس في الشوارع والمقاهي والمنتديات، وهذه الحرية في السهر ليلا لا يريدون أن يحرموا منها لو شاء الواقع أن يساعد في نجاح التيار الديني المتزمت وحتى التيار الديني المعتدل.

السهر ليلا في نادي اتحاد الأدباء العراقيين وفرص الاعتراك والخدر والبكاء وحرية الحزن والصياح، أحياناً يقولون إنها أصبحت حاجة، حاجة للهروب من الواقع الدامي نحو ملتجئ بعيد مغلق مسيج تفرش نسمة الحرية النسبية أجنحتها عليه. ولذلك بات نجاح قائمة اليسار ضرورة تتعلق بالحرية، حرية الأديب والكاتب حتى الموت!

كل هذا يدور فيما تصدر البيانات من هذا الطرف أو ذاك ويتم تجميع التواقيع ونشرها على الساحة الثقافية العراقية، ولكن لم يتحدث أحد من المتصارعين عن القيمة الأدبية وعن المنهج الثقافي وعن الإرث الثقافي وعن المرجعية القادرة على فرش أجواء الحرية، حرية التعبير المسؤولة، والمسافة بين الحرية المطلقة والحرية المقننة، ولم يتحدث أحد ولم يطلق النظريات أحد عن فرص النشر وفرص القراءة وفرص التلقي، وكأن الأمر يتعلق بالهيمنة على مقر اتحاد أدباء سيبقى فيه «المقصف» مفتوحاً آخر الليل أم سيكون مغلقاً مدى الحياة!

إن الثقافة في العراق بقيت شمولية ومؤسساتية حتى بعد سقوط النظام الشمولي السابق. وهذا شأن خطر وهو خطأ إستراتيجي، إذ لا يزال النظام الشمولي يلقي بظله وظلاله على الواقع الجديد. فبقيت نسبة كبيرة من الصيغ الثقافية والأدبية مرهونة بمؤسسات الدولة ومنها وزارة الثقافة العراقية التي كان يتوجب عليها تحرير الثقافة من المؤسسات وتحرير المؤسسات من الثقافة، لتصبح المؤسسة الثقافية مساهمة في بناء القاعدة المادية للإبداع والإنتاج الثقافي وليست منتجة له. ويكمن الخلل في غياب قانون معاصر للثقافة في العراق.

مع كل ما يقال عن الواقع الصعب في العراق، والذي ألمسه الآن بنفسي وبعد غياب ما يقرب من أربعين عاما عن الوطن فإني أرى أن حاجز الخوف قد تهدم تماما. فالكاتب والأديب قد طرد الشرطي القابع في جمجمته، وبات يتحدث ويصرخ بدون خوف وحتى يموت، ولكن في الهواء الطلق، لا في ما يطلق عليه بيوت الأشباح!

تهشم وتكسر حاجز الخوف هذا ينبغي أن يقود الثقافة نحو مرافئ آمنة. ومن هنا كان ينبغي للأدباء وقبل إعلان الانتخابات بزمن يكفي، لعقد مؤتمر للحوار الثقافي يقود إلى انتخابات ديمقراطية تلعب الثقافة ومستواها وتاريخها في العراق الدور الأساس في اختيار شكل التنظيم لا أن تكون رهينة الصراعات الإيديولوجية والمذهبية في أن يشكل المقصف في نادي الاتحاد رمزا لنجاح العكازة أو المشي بقدمين سليمتين برأس سليم أو بدونه!

-

سينمائي وكاتب مقيم في هولندا , حاليا في العراق - k.h.sununu@gmail.com - بغداد
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7591 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة