Culture Magazine Thursday  06/06/2013 G Issue 409
فضاءات
الخميس 27 ,رجب 1434   العدد  409
 
العناد.. واليأس.. والقنوط هزموا المثقف
د.زهير محمد جميل كتبي
-

 

بلغ المفكر والمتنور العربي السعودي الكبير والمشهور الأستاذ عبدالله القصيمي، والذي توفي منذ سنين. مكانة متقدمة في الأدب والثقافة والفكر العالمي، يصنف ويعد ممن هم في الطبقة الأولى من مفكري العالم، كما أنه بلغ درجة عالية من.. (النضج الثقافي والفكري والديني والسياسي).. فنظراً إلى حساسية اسم هذا الرجل الكبير في الماضي، حيث إن مناقشة فكره وثقافته أو أن مجرد ذكر اسمه يعتبر في الماضي من العيب والعار بل هو من.. ((المحرمات)).. واليوم أصبح القصيمي -وبعد وفاته بالذات- موضوعاً شائعاً ومباحاً وليس عاراً. وربما في -تقديري- أن هذه إشارة متينة إلى تحرر فكري وصحافي في الصحافة، وبالتالي دليلا على مدى صلابة اسم القصيمي رغم رحيله. ورغم انه حمل السلم بالعرض.

أحمل للأستاذ المفكر الكبير عبدالله القصيمي مشاعر التقدير و الاحترام والمودة الصادقة التي أكنها له من إيماني الوثيق بأن القصيمي هو أفضل رجل متنور ومثقف ومفكر عربي حاورته واختلفت معه دون أن يحقرني أو يصغرني أو يهاجمني أو يتهمني. وحاورته وهو ليس مسؤولاً عن التحليل الذي أجريته معه وخاصة حول حادثة الافك. كان الرجل كريما جداً معي في حواراتي معه وخاصة أنه منحني الكثير من وقته فهو كان دائماً يرحب بي وبأفكاري الإسلامية. على الرغم من اختلافنا في وجهات النظر إزاء عدد من القضايا والمبادئ الإسلامية. رغم انه اتهمني بأنني.. [مجادل عنيف]..،.

لقد أخذ القصيمي موقعاً طليعياً على الساحة العالمية وليس العربية كما ذكرت جريدة عكاظ. قدم القصيمي مبررات عقائدية عديدة بادعاءات إيديولوجية فظيعة بهدف بلوغ أهداف عقائدية جديدة متسمة بأسئلة مادية أكثر منها روحية. ومع استثناءات طفيفة انتقل بأفكاره إلى عقول من حاورهم وبموقف بارد نسبياً.

أزعم أن شخصية عبدالله القصيمي ستكون.. ( كوثيقة فكرية ).. انتهكت حرمة الثقة في العقيدة الإسلامية. كنت قد سمعت منه وربما سمع غيري، ما سأقول، وربما يعرف وينشر لأول مرة وهو أن جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- قد أرسل للأستاذ عبدالله القصيمي وفداً رفيع المستوى من بعض العلماء في فترة الستينيات الميلادية برئاسة فضيلة الشيخ عبدالله خياط -رحمه الله- لمحاولة إعادته إلى رشده واستتابته ليعود إلى عقيدته الإسلامية. وقد فشل ذلك الوفد في تحقيق هدفه وهدف مرسله، لأن تلك المرحلة كانت تشكل له قمة التحدي خاصة بعد تعرضه للإبعاد من دولة لأخرى. وكنت أتمنى على مراكز البحوث السياسية إعداد دراسات قوية عن القصيمي لمحاولة البحث في مثل هذه الجزئيات المهمة بل هي محطات لها تأثيرها في حياته.

قابلت عبدالله القصيمي ثلاث مرات في حياتي كلها، وحواراته عندما فتح معي حديث حادثة الإفك، وكان من بين الحضور ممن أعرفهم -حينذاك- الأستاذ/ لطفي الخولي كان رد فعلي الأول هو أن أرد عليه فوراً وأضغط عليه حتى يتنازل في النهاية عن وجهة نظره، ومهما كنت واثقاً من نفسي وقدرتي، ولكن أعترف بشجاعة أني فشلت فشلا ذريعاً في محاولة إقناعه أو تغير أفكاره، وأيضا كان رد فعلي الثاني قناعتي أنه لمن الجنون محاولة النزول معه في مثل هذه الميادين الشاقة. كما وجدته رجلاً ذا خبرة كبيرة وعالية في التعامل مع المثقفين والمفكرين. أدركت أن مثل القصيمي رجل لا يجدي معه العنف في الحوار ولا يحب التملق وكلما حاورته زاد تمسكاً بموقفه وأفكاره وجدته لا يستسلم بسهولة، بعدها أدركت بأني غير قادر على ضمان تجاوبه مع كل قضية تطرح أمامه ومعه. غضب ذات مرة مني حين قلت له:

((علينا أن ندع الحقائق، وأعني الحقائق الدينية وحدها مهما كانت تفرض نفسها على الواقع فرد علي حقائقي غير حقائقك التي تعرفها وتحفظها عن ظهر قلب وبدون وعي))..

لا بد أن أقول: إن أول زيارة لي للقصيمي كانت برفقة الأديب والشاعر الكبير الأستاذ / إبراهيم فوده -رحمه الله- وذلك بحي المنيل ثم زرته مرتين بعدها لوحدي وأذكر انه في الزيارة الأخيرة لي له حملني سلاماً لمعالي الأستاذ /حسين عرب والأستاذ /حسين سرحان -رحمه الله- يومها أشاد بقوة أدب وشعر وثقافة حسين عرب، وكذلك مدح شاعرية السرحان وقوة استخدامه للرمزية في قصائده.

وأريد أن أقول: إن سبب كتابتي لهذا المقال هو قراءتي لسؤال صحافي يقول ذلك السؤال وجاء كالتالي: لماذا تحول عبدالله القصيمي كل هذا التحول من قمة التعصب إلى أقصى التمرد الفكري ؟. ولعدم إعجابي أو قناعتي بما كتب وغيره أريد أن اذكر الحوار التالي الذي دار بيني وبين القصيمي حول هذا السؤال وجاء الحوار كالتالي:

ذات مرة وفي مدينة القاهرة وبحي المنيل بالتحديد وفي شقة المفكر السعودي الكبير الأستاذ/ عبدالله القصيمي صاحب كتاب العرب ظاهرة صوتية والكون يحاكم الآلة. وعبر النقاشات الطويلة مع القصيمي سألته السؤال التالي:

أستاذ / عبدالله أنت مفكر ومنظر ومتنور حقيقي، وصاحب ثقافة عالية حقيقية لم أجدها في إنسان قبلك ونصك لم أقرأ مثله حتى الآن بل، لم أجده في نص ملاحدة الغرب. فلماذا كل هذا الكفر بالله والإلحاد؟. ولماذا لم توجه كل هذه الطاقة بعودتكم إلى جادة الطريق والعودة لاعتناق الإسلام وخدمته في كل قضاياه؟. فأنت قادر على فعل الكثير من أجل الإسلام قال لي سأجيبك على سؤالك الذي سمعته من الكثير غيرك. بسؤال صغير ومختصر فقال لي:

من أخرج إبليس من الجنة ؟.

قلت: العناد.

قال: هو أنك كذلك.

قلت: هل وصل بك الحال لهذه الدرجة من العناد.

قال: (( بل أكثر مما تصور. ثم حكى لي الكثير من القصص والأفكار التي لم اسمع بها من قبل حتى وصل بنا الحديث إلى حادثة الإفك فطلبت إيقاف الحديث )).

أريد أن أقول وبصوت مسموع إن الحالة التي وصل إليها القصيمي كانت بسبب .. [العناد].. و.. [اليأس].. و.. [القنوط].. التي سيطرت على حياته وعقله وفكره. واستدل على ذلك انه لو غير من سيطرة وعنفوان وتأثير هذه المسببات لكان بإمكانه أن يتراجع عن كفره وإلحاده وأخطائه في أيامه الأخيرة ويعلن توبته الصريحة. قال تعالى: ((إنك لا تهدي من أحببت)).

ويا أمان الخائفين.

-

- أديب وكاتب سعودي - البريد: Zkutbi@hotmail.com - تويتر: Drzkutbi @ - الموقع: www.z-kutbi.com - مكة المكرمة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة