Culture Magazine Thursday  06/06/2013 G Issue 409
ذاكرة
الخميس 27 ,رجب 1434   العدد  409
 
وكل فتى بجده معجب
د . بدر بن عبدالله العكاش
-

 

ارتسمت صورتك في ذهني فتوقّدت المشاعر وتدفقت الأحاسيس وأخذت الذكريات تتتابع. تذكرتك فتذكرت بيت «الملز» الذي كان يقصده القريب والبعيد من زائر بل وساكن ، هذا المنزل الذي احتضنت جدرانه الجميع ، ولو نطقت زوايا المنزل لتحدثت وأفاضت . من كان يحتضن ليست الجدران ولكنه قلبك الكبير يا كبير «الشبالا».

وُلد جدي ، محمد العبد الرحمن العبد الله الشبيلي ، في عنيزة وعاش فيها ما قدر الله له فيها أن يعيش ثم ارتحل منها صغيراً إلى الزبير. عاش هناك فترة من الزمن ثم عاد شاباً بعد أن أصاب شيئاً من المال والعلم . التحق بوزارة الخارجية ثم انتقل بعد ذلك إلى الديوان الملكي وبالتحديد إلى الشعبة السياسية ، فتدرج فيها وظيفياً حتى أصبح رئيساً للشعبة السياسية.

إن سيرته العطرة ومواقفه النبيلة كفيلة أن تتحدث عنه ، فما أجمل أن يتولى التاريخ هذه المهمة. مات والداه وهو في سن مبكرة وتركا له ثلاث أخوات هو أصغرهم سناً ، كان لهن الأب والأخ وبلغ حبه وبره بهن درجة عظيمة حتى أصبح مضرب المثل في ذلك.

لعل من أبرز ما يميّز شخصيته هو الكرم ، فقد أشرع أبواب منزله للجميع ، بل وأسكن بعض أقاربه معه في منزله . وقد بلغ به الكرم ورحابة الصدر أنه اقتطع جزءاً لا يستهان به من منزله و خصصه للضيوف والزوار وأسماه « بيت الرجال». ولم يقتصر هذا الأمر على منزله في الرياض ، بل وحتى عندما كان يتواجد في الطائف كان منزله يعج بالضيوف والزوار وكان الطابق الأول من المنزل موقوفاً على الضيوف .

امتدت يده بالمساعدة لكل من احتاج إليها ، والأمثلة والمواقف في ذلك كثيرة ولكن من أبرزها ما كان يصنعه عندما كان يزور عنيزة . ففي أثناء زياراته لعنيزة كان إذا جن الليل وأطبقت ظلمته ينطلق مع أحد الأطفال من أبناء عمه إلى المحتاجين من أقاربه فيعطيه ظرفاً به مال ويطلب منه أن يطرق الباب ويسلم الظرف بسرعة لكي لا يعرفه صاحب البيت . أما هو فيقف في هذه الأثناء بعيداً يراقب ولسان حاله يقول {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}. ثم ينطلق إلى بيت آخر وآخر.

استدعيت من ذاكرتي «لقاء الجمعة» الذي كان يتوافد فيه إلى منزله لفيف من الأقارب والأحباب لسنوات طويلة حتى أصبح هذا اللقاء عرفاً بين الأقارب والأباعد. لا زلت أتذكر هذا اليوم جيداً ، لا زلت أتذكر كيف كنا نلعب ونلهو وحبك واهتمامك يلفنا . لا زلت أتذكر تلك الوفود التي كانت تتوالى للسلام عليك . كنت أرى بعيني مدى حبهم وتقديرهم لك ، ذلك لأنك زرعت الحب في قلوبهم فحصدت التقدير والاحترام :

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

لا يذهب العرف بين الله والناس

كان - رحمه الله - محباً لصلة الرحم حريصاً عليها . كان يهب لتقديم المساعدة ، قبل أن يطلب منه ذلك، من مال أو شفاعة سواء كان المحتاج للمساعدة من الأقارب أو من غيرهم . و مما يذكر له - رحمه الله - فيُشكر، أنه لم يكن يمن على أحد قدم له مساعدة ما حتى وإن تنكّر له هذا الشخص ، وكأني به يتمثل قول لقمان الحكيم في إحدى وصاياه لابنه : اثنتين لا تذكرهما أبداً : إساءة الناس إليك وإحسانك إليهم.

ومن المواقف اللطيفة التي تشهد على سماحة نفسه أنه كان لديه جهاز مذياع تراثي غالي الثمن ، فزاره أحد الأقارب وأبدى إعجابه بالجهاز، فما كان منه إلاّ أن أهداه إياه.

أما معي فالمواقف كثيرة والذكريات جميلة، لا زلت أتذكر ذلك الموقف عندما أمسكت يدي الصغيرة وضممتها وأنت تقول }وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ{، ثم بسطتها وأنت تكمل الآية الكريمة: }وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ{. كان موقفاً تربوياً جميلاً, لا زال عالقاً في ذاكرتي حتى اليوم.

أما في عمله فقد كان مثالاً للتفاني والإخلاص والأمانة وكان موضع تقدير من الجميع.

هذا غيض من فيض محمد العبد الرحمن الشبيلي ، أردت من هذه الأسطر القليلة أن ألقي الضوء على هذه الشخصية الفريدة التي تستحق الكثير . هذه القامة التي تجاهلها من كان حرياً به أن يخصص من وقته وجهده للكتابة عنها وتبيّن مناقبها . كتبت هذه المقالة بعين الحفيد المحب وأنا أتحدث عن محمد الشبيلي الجد ، وعندما تحدثت عن مناقبه خلعت رداء القرابة وكتبت بعين الإنصاف والتجرد.

وأخيرا أقول : رحمك الله يا جدي رحمة واسعة وأدخلك فسيح جناته وجمعنا بك في مستقر رحمته. ستظل في قلوب أبنائك وأحفادك ومحبيك .

-

Albadr15ru@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة