Culture Magazine Thursday  11/04/2013 G Issue 402
أوراق
الخميس 01 ,جمادى الآخر 1434   العدد  402
 
الليالي والكتب
قاسم حول

 

كتاب ليس كبقية المؤلفات، لمؤلف مرهف، عايشته فترة من الزمن المسرحي ثم حكم علينا الدهر أن نفترق، هو الدهر السياسي اللعين الذي رمى العراقيين في المنافي. فكرة الكتاب غريبة وجميلة جداً، فمؤلف الكتاب الفنان والكاتب صباح المندلاوي. عايش الشاعر الجواهري فترة طويلة من الزمن وفي بيت واحد وبشكل خاص فترة مكوث الجواهري في الشام. فالمندلاوي هو زوج ابنتة الجواهري الدكتورة خيال الجواهري. والجواهري في وصيته اعتبر صباح المندلاوي ابنه الثامن. وكنت زرتهم في موقع سكنهم في الأيام الأخيرة لحياة الجواهري في دمشق لأرى الجواهري بعد أن سافرنا سوية إلى جبل بيره مكرون في شمال العراق في أول السبعينات ضمن وفد للاحتفال بالذكرى المئوية لميلاد الشاعر الكوردي بيره مرد والتي قادتني كلمتي إلى المعتقل وما فيه! فيما الجواهري اختتم كلمته بالقول «وكم فينا من شهيد يمشي على رجليه» بعد ذلك التقيت الجواهري كثيرا في براغ في مقهى «يوربا كافارنا» في أيام الثلج وسامح الله الذين حالوا دون أن نعمل عنه وثائقيا في الثلج والعشق وما أشبه!

كبر الجواهري وأخذ منه العمر حصته وصار صعبا عليه أن يقرأ فابتدع الكاتب المبدع صباح مندلاوي طريقة أن لا يحرم الجواهري من متعة الأدب والقراءة، فاختار له كتباَ متنوعة العناوين والمضامين، فقرأ له في أماسي السهرات في البيت سبعة وثلاثين كتاباً تتنوع بين الأدب والفقه والسياسة والتاريخ. اختيارات جميلة وكان في كل جلسة يفتح المندلاوي آلة التسجيل ويدون تعقيبات وتعليقات الشاعر الجواهري. يصحح اللغة ويصحح التاريخ ويندهش للجمال وينتقد الإطالة والتفاصيل. كأن الجواهري يريد لكل الكتب أن تكتب شعراً متناغم الموسيقى والحلم.

هذه هي فكرة كتاب «الليالي والكتب» كنت في البداية أظن أنني سوف أقرأ كتابا عادياً عن تعقيبات الشاعر الجواهري على ما يقرأه عليه الكاتب والفنان «صباح المندلاوي» لكن التوغل في قراءة الكتاب الذي يقع في 280 صفحة مع ملحق صور عن مراحل حياة الجواهري، يجعل القاري يتمتع بكتب مع تعقيب نقدي شفاف وذكريات متقدة ومعلومات نادرة يكشفها لنا الكتاب بكتابة فيها الكثير من الوعي والصياغة والبناء كخبير في كتابة المسرحية وبنائها. فلقد إنعكست قدرة الكاتب والفنان صباح المندلاوي على طريقة صياغة تعقيبات وتعليقات وتصحيحات الشاعر الجواهري ليس فقط على الكتب التي كان يتلوها عليه المندلاوي ليلاً بل على الأحداث، فهو أي الجواهري كان يصحح مسارات الأحداث ويقيم قدرات المؤلفين ويصحح، وهو الخبير، لغتهم.

نحن نتنقل بين آلام فيرتر لجوته وبين كليلة ودمنه وبين أسرار مقتل العائلة المالكة في العراق للملازم فالح حنظل وبين مذكرات كازانتزاكيس. أما طريقة الإنتقالات في الكتاب مابين تعقيب الشاعر الجواهري وإستطراد الكاتب ودعم الرأي بالوثيقة فهي طريقة نادرة وكانت تحتاج إلى مزاج يصعب الحصول عليه عند الكتاب والباحثين والمدققين. وهنا تكمن أهمية التأليف وأهمية الكتاب والكاتب.

تمتزج التعقيبات بين الموقف الفكري والفني الجمالي للجواهري ليس كمعقب بل كناقد، وهنا نكتشف القدرة النقدية التقييمية للجواهري الشاعر الذي عرف كشاعر عملاق من عمالقة الشعر الكلاسيكي. فمن خلال التعقيبات نجد النقد والتقييم سواء في شكل الصياغة للمؤلف أو في مصداقية الحدث وبشكل خاص الأحداث العراقية والعربية التي عايشها. فكتاب الليالي والكتب يكشف لنا هذا الجانب لدى الجواهري. فالجواهري عرف خلال حياته عندما يقرأ كتابا ولديه وجهة نظر معلوماتية أو صياغية فإنها يقولها في الجلسات الخاصة مع أصدقائه وأحيانا مع المؤلف، لكن هنا في الليالي والكتب تشعر بالمسؤولية الثقافية في عملية التقييم والنقد، فيأتي الكتاب في مجمله كتاباً مهماً إذ تكتشف حقائق تاريخية لم يكن المتابع يعرفها لولا تعقيبات الجواهري سيما بالنسبة للكتب التي كتبها أصدقاؤه الذين عاصروه. ربما لم يكن الجواهري قد قرأ تلك الكتب حينها. هنا مثلا في سماعه لمقاطع من كتاب الباحث الإجتماعي الدكتور علي الوردي في مؤلفاته «لمحات من تاريخ العراق الحديث» وقد أكد الجواهري ما ورد من معلومات عن عزاوي الذي كان يجلس في مدخل المقهى على كرسي من جريد النخل على منوال ما يجلس أصحاب الملاهي، وقد وضع أمامه على طاولة صغيرة صحن من النحاس لجمع النقود وكانت أجرة الدخول قران وهو ما يعادل أربعة قروش أو عشرين فلساً كانت ذا قوة شرائية كبيرة. وفي مجال المسرح يومذاك، ترد الإشارة إلى رجل اسمه جعفر القزويني «جعفر لقلق زاده» من أهالي الكاظمية وقد ذاع صيته لما يقدمه من سكيتشات في الملاهي خلال الحرب العالمية الأولى وما بعدها، علق: هذا مشهور ومثلما يرد في الكتاب «عاش في غير زمانه. كانت سكيتشاته ناقدة، وهذا سر إبداعه .. إلى آخره» يتضح من خلال الكتاب إن كتبا هامة ذات قيمة اجتماعية وتاريخية أو ذات اتجاهات فكرية ونقدية لم يكن الجواهري متابعا لها بحكم طبيعة إنهماكه في الشعر وما تركه عليه الشعر من الشهرة والعلاقات الواسعة مع الحاكمين والمحكومين!.

كتاب الليالي والكتب هو تجربة فريدة في استدعاء الذاكرة واستدعاء الموقف واستدعاء التأمل واستدعاء الحقائق لشخصية شعرية من شخصيات العصر التي لا تتكرر.

صباح المندلاوي حقاً تمكن من إنجاز مؤلف هام في الثقافة العراقية والعربية.

sununu@ziggo.nl هولندا
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7591 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة