Culture Magazine Saturday  14/09/2013 G Issue 411
عدد خاص
السبت 8 ,ذو القعدة 1434   العدد  411
 
شيخ الفكر والكياسة والتواضع
د. جاسر عبدالله الحربش

 

فرحت جداً، بل وداخلني زهو كبير حين طلب مني أحد الإخوة المشاركة بما تختزنه الذاكرة عن الشيخ جميل الحجيلان ضمن مشروع تبنته جريدة (الجزيرة) لتكريم هذا المواطن ذي الأداء المتميز في كل موقع تسلم المسؤوليات فيه. تقديري لمقام هذا الرجل جعلني أكتب مداخلة معه في زاوية إلى الأمام بتاريخ 28-6-2010م في جريدة الجزيرة، إثر قراءتي لمقال فكري عميق نشره أبو عماد في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 5-6-2010م بعنوان: عندما يضعف الخوف الولاء للوطن.

مداخلتي تلك في جريدة الجزيرة بدأتها بهذه السطور: إذا بدأت في قراءة موضوع من فكر الشيخ جميل الحجيلان فعليك أن تتوقع توقد الشاب وحكمة الشيخ وكياسة الدبلوماسي مقدمة إليك مجتمعة في باقة من التواضع النبيل والوطنية الصادقة.

هذه هي مواصفات الشيخ جميل الحجيلان التي تبلورت عندي كقناعة عبر اللقاءات والأحاديث معه إضافة إلى ما سبق وقرأته وسمعته عنه في وسائل الإعلام.

أول لقاء شخصي لي مع أبي عماد كان في دعوة كريمة من الصديق المتميز أبي عبدالرحمن صالح السماعيل في بيته العامر قبل بضع سنوات.

ذهبت إلى تلك الدعوة، وقد عاهدت نفسي على أن أكون مستمعاً جيداً وأن أتحلى بالرزانة والكياسة في حضرة رجل تقلب في كل المسؤوليات، وجالس الحكام وكبار الشخصيات العالمية وأدار دفة الأمور في الصحة والإعلام وتمرس في العمل الدبلوماسي في أعرق العواصم العالمية وتقلد الأمانة العامة في سفينة مجلس التعاون فوق أمواج الخليج المليئة بكل أنواع الحيتان المحلية والأجنبية.

كنت أقول لنفسي، وأنا في طريقي إلى بيت الصديق أبي عبدالرحمن: يا هذا كُنْ مستعداً للقاء رجل يصعب سبر أغواره والعثور على مفتاح شخصيته واستدراجه إلى الاسترسال في الحديث بعد كل ما عركته به الحياة وما ذاقه من حلوها ومرها. مرت الجلسة في منزل الصديق أبي عبدالرحمن كنسمة عليلة، وبغير ما توقعت لها من التحوّط ووزن الكلام بميزان الحذر والتردد. لم يكن أبو عماد أقل بسطاً من الآخرين في الجلسة، بل كان أكثرهم بساطة وعفوية وبشاشة، فقلت في نفسي بعد ذلك اللقاء هذا رجل يصعب أن يمسح من الذاكرة.

لطف المعشر وسمو الخلق والتواضع الجم ليست سوى بعض ما يمتلكه الرجل لأنها مدعمة بعمق فكري وصقلته التجارب والقراءات المنفتحة على فكر العالم، وتملك لناصية اللغة العربية الراقية وقدرة الاختيار الفائقة على توظيف الكلمة المناسبة في الجملة المعبرة داخل الموضوع الشيق.

في مقاله الذي نشره أبو عماد في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 15-6-2010م تحدث عن سفير دولة عربية كبرى كذب في مقابلة مع قناة سي إن إن بشكل مفضوح تملقاً ونفاقاً لحكومته، فعلق كبير الصحفيين الأمريكيين بعد المقابلة قائلاً أنه لم يقابل في حياته إنساناً أكثر كذباً من ذلك السفير.

يقول أبو عماد معلقاً: سعادة السفير العربي كذب مضطراً وخوفاً لأنه كان يدافع عن نظام الحكم على حساب الولاء للوطن، فجاء دفاعه صوتاً لسيده وإنكاراً لذاته وقبولاً صامتاً بالمعاناة بدءاً بمعاناته كمسؤول يعرف الحقيقة وانتهاء بإنكاره معاناة الوطن.

أبو عماد -حفظه الله- قال ذلك قبل بداية ما تشهده المنطقة العربية من خضات وثورات على أوضاع النفاق والفساد فيها، وكأنه كان يتنبأ بحدوث شيء ما من خلال ذلك السفير على حساب وطنه.

حفظك الله يا أبا عماد ومتعك بالصحة والبهاء وطول العمر، وأكثر الله للوطن من أمثالك الأبناء الأوفياء.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5608 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة