Culture Magazine Saturday  14/09/2013 G Issue 411
عدد خاص
السبت 8 ,ذو القعدة 1434   العدد  411
 
من الأرشيف الثقافي
بين الشعر والبيت السعيد
محمد حسن عواد

 

الأستاذ جميل الحجيلان وزير الإعلام، عمل الكثير العسير وعمل العميق المستطاع من أجل (الفكر) ومن أجل (الفن) ومن أجل الوطنية في هذه المملكة.

لم يعمل ما يعمله الموظف الرسمي فحسب ولكنه عمل ما يعمله الأديب الواعي.. الحر.. المزود بشجاعة الوجدان، أو الشجاعة الأدبية.

عمل ما يعمله المفكر الذي تهمه مسائل الفكر في بلده. كجانب من جوانب الحضارة يدفع الدعوى التي تحاك حولنا بأننا (رجعيون) ومتخلفون، ومدموغون بدمغة الخذلان فالسقوط.. لقد صنع الحجيلان ما يجعل هذه الدعوى معرضة للتفتيت فالسقوط.. إنه أخذ بيد الجنس العطوف، فرفع رؤوس الفتيات المتعلمات اللاتي يردن خلق الوثبة الفكرية النسائية التي لا تنصف هذا الجنس وحده، ولكنها تنصف الوطن الهضيم كله.. الوطن المتقول عليه في هذه الناحية.. حتى لقد خلد اسمه في سجل وثبة المرأة كعامل شريف من رواد العاملين لها. وحتى جعل تلك الفتيات في حيرة بين واجباتهن في العمل الصامت، وبين النهج بفضله وقدرته وتخليده في آثارهن المذاعة والمنشورة، كتعبير واعتراف وشكر، فإنهن مؤمنات بأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله. ولقد علمت أنهن مصرّات على أن يصنعن - يوماً ما - ما يبرز تقديرهن لعقلية الحجيلان وثقافته التقدمية، وإنسانيته، ووطنيته، وأن تقدير المرأة المثقفة للأعمال الوطنية المتفوقة ولمؤسسيها الممتازين لأقوى وأخلد من تقدير الرجل في كثير من الأحيان والظروف.

لقد أنشأ (البيت السعيد) وبعبارة لا إسراف فيها: لقد خدم البيت السعودي عن طريق تأسيس برنامج إذاعي يحمل هذا الاسم وإني لأذكر - معتزاً - أنني شهدت اليوم الذي ولد فيه البرنامج أمامي وبحضوري ومشاركتي، فقد دعاني الأستاذ الوزير - فيمن دعا - للمشاورة في اختيار الاسم المناسب لهذا البرنامج، وما هي إلا دقائق قصار الأمد جال فيها المستشارون جولات فكرية حتى فاجأنا الوزير بكلمة (البيت السعيد) فكانت محل إعجاب ورضا من الجميع كاسم مختار للبرنامج النسوي الذي يخدم العائلة والمجتمع، و(يستهدف إشاعة البهجة والمعرفة في ربوع الأسرة الكريمة ويعالج قضاياها بأسلوب ينشد الأمل والسعادة والهناء). وإلى جانب (البيت السعيد) برنامج (المرأة).

وإلى جانب هذين معاقدات ناجحة لإنشاء أول محطة تلفزيونية في المملكة.. وبناء أعلى عمارة تحوي ألوف الموظفين والأجهزة الحية لتأمين البث ومراقبته وتنظيمه وفتح مكاتب هنا وهناك.

وليس هذا وحده مما يشع به عرفان المسؤولية الكبرى في هذه الوزارة الحديثة الحساسة، من شخص الحجيلان. ولكن هناك شيئاً فوق المسؤولية.. إنه (الاعتراف) بالأدب، وبالشعر خاصة من فنون الأدب. والشعر شيء قد حاد عنه ذوو المسؤوليات وحاد عنه حتى بعض أهله القادرين على حمايته من (العناكب) التي تنسج حوله..

فقد عقد الأستاذ الوزير، في منتصف الأسبوع الماضي، جلسة خاصة للشعراء تداول فيها معهم (بعض) ما ينبغي أن يجعل الشعر في مقدمة المواد التي تكترث لها الإذاعة - أيما اكتراث - لأنه يعرف مسبقا أن الشعر (رادار) الحياة والنفس ينبض مشاعر وأفكاراً تؤثر في الاشياء فتخلق فيها قابلية واستعداداً للاستجابة إلى مطالبه ويعين مواقع الخير بأمواجه المتحركة في النفس الشاعرة بدون أن ينتظر من تلك المواقع أن تعينه على اكتشافها، ويعكس موجاته - بالإيحاء - على كل شيء من غير أن يأبه لعائق ما يعوقه في عكسها من ظلام، أو غير ظلام.. إنه العين التي تشق حجب الظلام فترى ما قد لا يراه غيرها في النور.. هذا هو الشعر في حقيقة أمره سواء لبس أثواباً من الكلام المقفى الموزون، أو الكلام المقفى غير الموزون، أو الموزون بلا قواف، أو الذي لا وزن له ولا قافية فيه.. بل ربما لبس الشعر أردية من غير الكلام، لا تسديها الحروف ولا تلحمها الكلمات.

هذا هو الشعر في حقيقة أمره

هذا هو الشعر الذي يكبره المثقفون المستنيرون. ومن بينهم جميل الحجيلان.. الذي فطن قبل غيره من هؤلاء المسؤولين لوجوب إعزاز الشعر هنا فالتزم أن يلفت إليه أنظار العالم عن طريق وزارته القوية، فكانت هاتيك الجلسة التاريخية التي دعا إليها عدداً كبيراً من الشعراء على اختلاف مشاربهم في فهم الشعر، وتفاوت درجات إدراكهم لحقيقة الشعر.. وهذا شيء ليس بالكثير على رجل مثقف مسؤول عن وزارة تتصل بالعالم كله، ولن يعذرها أحد في تجاهل الشعر ولا في تجاهل الكفايات الوطنية الأصيلة.

رحمه الله

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة