Culture Magazine Saturday  28/09/2013 G Issue 413
فضاءات
السبت 22 ,ذو القعدة 1434   العدد  413
 
سلاح الردع الثقافي!
فيصل أكرم

 

يقول موقع (ميدل إيست أونلاين) في عنوان عريض: (البحرين تحارب فتنة حزب الله بمنع كتب لدور نشر تابعة له). وفي العنوان الفرعي: (وزارة الإعلام تتحرّك لمنع تداول كتب طائفية في معرض الكتاب تستهدف وحدة الشعب البحريني).. من هذين العنوانين يتضح مضمون الخبر المطوّل كاملاً، المنشور بتاريخ 12 سبتمبر 2013 وهو ما يعيدني إلى مضمونيْ مقالتين سبق أن كتبتهما هنا - في الجزيرة الثقافية - حول الغاية نفسها؛ ففي مقالة بعنوان (منع الكتب..؟!) منشورة بتاريخ 17 يناير 2013 تحدَّثت عن نشأة الرقابة على المصنفات الفكرية ومنع الكتب والمنشورات في العالم، والأهداف التي حققتها ولا تزال تحققها حين تستخدمها الدول من أجل حماية نفسها والمحافظة على كياناتها في مواجهة أعدائها الحقيقيين، وهم بالطبع خارج حدودها ويحاولون بشتَّى الوسائل التسلَّل إلى عمقها لتفكيكها وإعادة تركيبها باحتلال يبدأ ثقافيًّا ويستفحل اقتصاديًا، وضربتُ أمثلة واضحة لكل ذلك في تلك المقالة.. أما المقالة الثانية حول هذا الموضوع فكان عنوانها (عن التأليف وتبعات النشر) وهي منشورة بتاريخ 11 أبريل 2013 وتحدَّثت فيها بشيء من السخرية عن كثير من أصدقائنا الأدباء - من دون ذكر أسماء - وهم يلهثون خلف دور النشر العربيَّة لتصدر لهم أعمالهم دون أن يعرفوا أساسات تلك الدور والجهات والأحزاب والتيارات التي أنشأتها والأهداف التي تعمل على تحقيقها، وهي في الأغلب أهداف توثيقية وأرشيفية تتقاطع مع أهداف ترويجية واستطلاعية وبحثية واستقطابية يطول الحديث عنها..

نعم، لكل دار من دور النشر العربيَّة التجاريَّة ذائعة الصيت والحضور في كلِّ المعارض حزبٌ أسسها وتيارٌ يدعمها وطائفةٌ يعتمد زعماؤها على تحقيق غايات إستراتيجية ثقافيًا، ترسَّخ لمبادئهم الفكرية وأدبياتهم من خلالها.. والمسألة لها نطاقات تتجاوز كثيرًا حسابات الربح والخسارة (المادِّية - المحدودة جدًا) من طباعة الكتب وبيعها، كما يحسب بعض الطيبين الذين يدخلون إلى عالم التأليف والنشر بنوايا صافية..!

هنا يتوجب على أجهزة (الرقابة) في الوزارات المعنية بالثقافة والإعلام أن تكون فعّالة بشكل إيجابيّ، وأن تكون ذات نظرة ثاقبة جملة لا تفصيلاً، حين يتطلب الواقعُ منعًا ما.. وقد أعطت البحرين نموذجًا شريفًا لاستخدام هذا (السلاح) في وجه أعدائها الحقيقيين، ومنعتهم من التغلغل داخل حدودها في هذه المرحلة الحاسمة من الصراع الدائر بين كل الأطراف، واستخدمت حقها المشروع في التصدي لدخول ما يُهدِّد استقرارها بصورة واضحة عبَّر بوابة معرض الأيام الثقافية المقام مؤخرًا في المنامة.. وقد أحسنت وزارة الإعلام البحرينية في ذلك التصرّف المتوجّب عليها في معركة قائمة بالفعل. وليس كما تفعل بعض الأجهزة الرقابية في بعض الدول، بالتدقيق والتمحيص والتأويل (والتلكُّك!) في منجزات أبنائها من الأدباء والمبدعين، والتدخل السافر بالحذف والقص والشطب لعبارات محددة من كتاباتهم فتشوّهها أيما تشويه!

خلاصة القول: إن جهازَ الرقابة على الكتب سلاحُ ردعٍ ثقافيّ كلاسيكيّ ويتطوّر مع مستحدثات العصر، وهو لا يختلف كثيرًا عن أسلحة الردع عند الجيوش ووزارات الدفاع، غير أنَّه لا يزال في معظم الدول العربيَّة الحريصة على بقائه دون تطوير يدار بعقلية بدائية ساذجة تجعل منه مصدر إزعاج لكثير من المبدعين في أوطانهم، فيدفعهم إلى البحث عن ناشرين لكتبهم خارج الحدود، ليقع الغافلون منهم في شباك الأعداء الحقيقيين (!) ومن أجل ذلك أنادي دائمًا أن يكون لمثل هذه الأجهزة الرقابية التي يديرها موظفون عاديون بالعادة ارتباطٌ بمراكز بحوث حيادية موثوقة، تكون بمثابة (رادارات) تزودها بتقارير منتظمة عن كل ما يدور في العالم ثقافيًا، وما يطرأ على الواقع الثقافيّ إقليميًّا ودوليًّا من متغيِّرات تتطلب تدخلاً رقابيًّا يُستخدم فيه سلاح الردع المتمثل في منع دور نشر بأكملها، حين تكون تابعة لمنظمات دوليَّة عدوانية تُهدِّد أمنها القوميّ؛ وليس تكريس العمل وتكديسه على حذف بضعة سطور من كتاب لمبدع محليّ يتجاوز المألوف..!

ffnff69@hotmail.com - الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة