Culture Magazine Saturday  28/09/2013 G Issue 413
فضاءات
السبت 22 ,ذو القعدة 1434   العدد  413
 
سطوة المصطلح (2)
د. عادل العلي

 

هل يجوز استخدام المصطلح بشكل مطلق؟ كأن نسمي شخصاً ما يمينياً وآخر يسارياً مثلاً؟

للإجابة على هذا السؤال نسلط بداية الضوء على المعنى: انبثق مفهوم اليسار واليمين في القرن الثامن عشر عشية الثورة الفرنسية، حيث أدى تمرد النبلاء الذين انضموا إلى حركة العامة (الشعب) ضد السلطات المطلقة لـ(لويس السادس عشر) إلى انقسام حاد في المجلس الاستشاري الذي دعا لإصدار دستور جديد يقضي بتقليص سلطات القيصر، وإنشاء مؤسسات تمنح العامة حقوقاً عديدة. وقد وقف من يدعو للتغيير إلى يسار القيصر ومن يدعو للحفاظ على الوضع القائم (المحافظين) إلى يمينه.

للوهلة الأولى بدا وكأن اليمينيين واليساريين هم أشخاص وقفوا إلى جانب التغيير أو ضده. ولكن بالتمعن أكثر في الواقعة التاريخية نجد أن اليسار احتوى الكثير من العامة وقسم من النبلاء والبرجوازيين ورجال الدين، أما اليمين فاحتوى الكثير من رجال الدين والنبلاء وقسم من العامة أيضاً.

لذلك يصبح مفهوم يمين ويسار يخص الفعل وليس الشخص. فلا يجوز أن يوصف شخص أو مجموعة أشخاص على شكل جمعية أو نقابة أو اتحاد أو حزب أو منظمة بأنه يميني أو يساري، أنما يوصف الفعل المنجز بأنه يساري حتى لو كان صادراً من رجل دين، ويوصف يمينياً حتى لو كان صادراً من رئيس حزب تقدمي واشتراكي إن شئت. لأن ذلك يتحدد من خلال علاقة الفعل المراد وصفه بالتغيير.

يستخدم المعنى المطلق عادة لتشويه المصطلح سواء علم المستخدم ذلك أم لا، ولكن لا يقتصر الأمر على المطلق والنسبي، إنما توجد وسائل عديدة للتشويه مثل الخلط، التسطيح (الإفراغ من المعنى)، الإخراج عن السياق، الاتهام وغيرها. ما هو المقصود بهذه المفاهيم؟

1- الخلط: قال أحد المحاورين الفلسطينيين من منظمة فتح في تقييمه لعشرين عاماً من الفشل في المفاوضات العبثية مع الصهاينة ورداً على محاوره الذي يرفض الاستمرار بذلك: (بداية كلنا وطنيون وكلنا متمسكون بالثوابت وكلنا مناضلون - واللي بدي أقوله إن أحنا لازم نسمع بعض).

في هذا الخلط الواضح وضع المتحدث نفسه ضمن الوطنيين، أي من ينشدون التغيير، وهذه مسألة افتراضية لا يثبتها إلا الفعل وليس القول. كما أن المتحدث هو من الذين فرطوا بالثوابت فكيف يجوز له الادّعاء بالتمسك بها؟ أو أن يخلط الجميع في بوتقة واحدة ليقول كلنا متمسكون بالثوابت. وإذا كنت تريد أن يسمعك الآخرون بإصغاء، استعرض الأفعال والإنجازات التي أنجزتها أنت وأمثالك ضد الأجرام الصهيوني المستمر منذ سبعين عاماً وللحفاظ على ما تسميه ثوابت.

2- التسطيح أو الإفراغ من المعنى: ذكرنا سابقاً أن المصطلح نتيجة صراع، وأنه يصبح أداة لهذا الصراع، وعندما يفرّغ من محتواه يصبح هادماً للتفكير السليم ومشوشاً له.

حينما يتساءل (مفكر عربي) ماذا فعل (العرب) خلال سبعين عاماً من الصراع مع الصهيونية؟ يلغي بهذه الطريقة أي إنجاز ولو كان بسيطاً للعرب من جهة ويستخدم مصطلح (عرب) بسوء نيّة في هذا التساؤل من جهة أخرى. فكلمة عرب تشمل اليمين واليسار والعميل والمتصهين والقذر والنظيف والمسحوق والمتسلّط. عن أي عرب تتحدث أيها (المفكر) كما تقدمك بعض الفضائيات؟ وكأنك وحدك من يفكر أما الآخرون فممنوعون من التفكير.

3- الإخراج عن السياق: يقول صاحبنا المفكر: الحكومات العربية كلها دكتاتورية سواء كانت يمينية أم يسارية.

هذا المفكر الميمون أخرج المصطلح من علاقته التاريخية بالتغيير ونسبه للشخص وليس للفعل وبهذا الشكل يكون قد أجهز على المعنى وطمس الصراع الاجتماعي وقام بغسيل مخ للشباب ليجعله تائهاً لا يدري أين الصواب فيلجأ إلى التطرف والعنف.

4- الاتهام: لا يخفى على القارئ استخدام مقولة الخطر السوفييتي المزعوم من قبل الأطلسي والصهيونية العالمية، الذي أعاق عملية التغيير في العالم أجمع، بل أودى بالتجربة الاشتراكية الأولى. ويا للعجب، تجهد العقول الاقتصادية في العالم لإخراج الرأسمالية من أزمتها الحالية بتطبيق القوانين الاشتراكية التي أسقطتها بنفسها.

- الدمام

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة