Saturday 12/04/2014 Issue 434 السبت 12 ,جمادى الثانية 1435 العدد

هندسة

-1-

نزهة:

يبدو لي المثلثُ كمن يخرج في نزهة دائمة يستلقي فيها ثلاثةٌ على العشب ويتطلّعون إلى السماء. عند رأس المثلث يلتقي رأسان تاركيـْن أقدامَهما تتدلـّى على رأس الثالث تارًة وعلى أقدامه تارةً أخرى بحجـّة أنه يشكـّل القاعدةَ التي يتكئان عليها! المشهدُ مؤلمٌ فعلًا ولكنـّه يصدق على كثير من العلاقات مهما كانت، إذ يكون الثالثُ «القاعدة» نقطةَ احتياط أيضًا، مثل خط للرجعة إن لم تنجح المسألة مع الأساسييْن، فالثالثُ يفي بالغرض لأحدهما على الأقل فتتحول القاعدةُ إلى الرأس ويتحول الرأس إلى قاعدة! مخيفٌ هذا التحوّل ومفجع...

-2-

طبل.. ربما!

تتدحرجُ بجلبة بانتفاخها مثل طبل الفرق الموسيقية في الجيش دون أن تعرفَ لنفسها بدايةً أو نهايةً فلا أبعادَ حقيقيةً لها، تمضي في طريقها غير مؤذية لأنها ليس لها زوايا من أي نوع، وبالتحديد ليس لها زوايا حادةٌ، لذا قد يظنها المرء جبانةً لأنها بلا نصال لكنها تعرف متى تطـْبق على من يعتدي عليها، تذكّر... حلقةُ حبل المشنقة مدوّرٌة، والأصفادُ مدوّرةٌ، والطوقُ الذي يوضع في رقاب العبيد والكلاب مدوّر، إذن ليست بريئةً تمامًا هذه الدائرة كما يوحي شكلها المنتفخ!

-3-

مساحة:

الحادةُ منها تشبه فكًا مستعدًا لالتهام ما أمامه، مثل فكّ سمك القرش المفترس في سلسلة أفلام الرعب تلك، وعينها ضيقٌة وأنا أخاف من العيون الضيقة أشعر أنها تضمرُ الشرَ بطريقة ما، وللمصادفة فإنها تشبه كثيرًا علامتيْ «أصغر وأكبر» التي قيل لي إن اتجاهَها يتحدّد بحسب الرقم الأكبر، هل الرياضياتُ جشعةٌ أيضًا؟ كان ذلك خروجًا عن النص لأن هاتين العلامتين ليستا من الهندسة!!

إن نظرتَ إلى القائمة بدت لك مستقيمةً بشكل مفرط مرضيّ أحيانًا، ترتدي قميصًا وتغلق كل أزراره حدَّ الاختناق وتمشط شعرها بتسريحة مملة، تصلح لتعديل الظهر في جلسة صحية أو لإعطاء شكل جميل للساقين مثل لاعبات الجمباز أو راقصات الباليه.. وحدها المنفرجةُ تشبه زوايا الغفران وإن كانت أحيانًا تبدو متساهلةً كثيرًا بما يزيد استغلالها!

-4-

أوديب:

هل تعرف الشعاع في الرياضيات؟ كانوا دومًا يخبرونا بأن له نقطةَ بداية ولا يـُعرف له نهايةٌ، أظنني كنتُ مثل الشعاع تنطلقُ نقطةُ البدء من عندي ولا تجد لها طرفًا يلقفها في مسيرها ولربما ضاعت في الفضاء! قد تكون القطعة المستقيمة أكثر حظًا من الشعاع لأنها تجد من يصحبها في رحلتها وتعرف أن لها نظيرًا ينتظرها على الطرف الآخر. حسنٌ أنا أكره الهندسة جدًا جدًا وها قد فلسفتها بحيث يكون لها مشاعر.. المرةُ المقبلةُ حين تشرح درسَ الهندسة لطفل في سنواته المدرسية الأولى ستفكّر بما قلتـُه وستجد أن القطعةَ المستقيمةَ مبتسمةٌ في سعادة أو خبث، والشعاعَ تائهٌ مفقوءُ العين مثل أوديب في رحلة تيـْهه الكبير، ليس عليك بالضرورة أن تذكر أوديب فيهلع الطفل، يمكنك الاكتفاء بابتسامة القطعة المستقيمة!!

-5-

هندسة قديمة

لست بارعةً في علم الهندسة، ولكني أعلم أن مجموعة نقاط متجاورة تشكل خطًا مستقيمًا، ليس على سبيل التشابه أو التبعية بالضرورة بل على سبيل الانسجام، وحين تخرج نقطةٌ عن هذا المسار فهي إما ثورٌة عظيمة أو انتحارٌ بلا طائل.

لو فكرنا قليلًا لوجدنا أن ذلك لا يصدق على ثورات الشعوب فحسب، بل على كل العلاقات الإنسانية. لا يمكن أن تستوي أي علاقة دون حضور الانسجام وإن كان ذاك في حدّه الأدنى، وهولا يعني التشابهَ أو التبعية حتمًا.. وربما كان مرحلةً أوليةً فقط ثم يكون الخروج عن المسار الذي قد يكون ثورة عظيمة تحدث نقلةً نوعيةً ولا يشترط في النقلة أن تكون إيجابيةً دومًا، ربما تتورّط الهندسة ها هنا بالحظ!!

-6-

هندسة فراغية!!

يسمّي الفيل الذي يتوسّط غلافَ المجلة نفسه سعيدًا، يبتسم ويرفع خرطومه كي يدلّل على سعادته لكن هل يحتاج السعيد دليلًا ولمن يقدمه؟ لنفسه أو للآخرين؟ هل نسأل الهندسةَ مع الأخذ بعين الاعتبار بأنّها من الوزن الثقيل!!!

بثينة الإبراهيم - القاهرة