Culture Magazine Monday  22/10/2007 G Issue 219
نصوص
الأثنين 11 ,شوال 1428   العدد  219
 
مطالعات
سمير النحيلي في مجموعة قصصية جديدة
(خمرة الرافدين) قصص تفصح عن مغزى الطامعين في بغدادعبدالحفيظ الشمري

 

 

يزاوج القاص السوري سمير النحيلي في تجربته الإبداعية بين لغتي الشعر والسرد؛ ليظهر هذا الاندماج محققاً لشرطية الجمالي وفرضية الإبداعي في نصوص مجموعته الجديدة (خمرة الرافدين)، فكأننا نقرأ نصاً شعرياً حينما نسير في مسارب القصص على نحو قصة (سامحني حبيبي)؛ فالرؤية العامة للنص قصصية ظهر فيها الحوار مبنياً على تفاعلات ذاتية، وإرهاصات زمانية، وعقد لا يبدو للقارئ حلها ما دامت ذات إشكالات عاطفية، فيما جاءت اللغة تأصيلية لفكرة العاطفة التي استحوذت على فضاء النص.

القاص سمير النحيلي يستميل المفاجأة ولحظة الكشف المباغتة في ثنايا عرضه للأحداث، كما يعمد إلى تكثيف عنصر دلالات الإشارة التي ترد على نحو مقتضب، حيث يصوغ في قصة (خمرة الرافدين) التي حملت عنوان المجموعة لغة الإشارة والإيماء المطلوب لكي يختصر قضية كثيرة الصور.. لنراه وقد أبان بطريقة مناسبة أسس قضية الطمع في بعض البلاد العربية من قبل الدول الكبرى على نحو طمع الغزاة في بغداد.

القصة جاءت مركَّزة في المعنى، ومكثفة في الصور والدلالات؛ حيث لم يعد واضحاً للقارئ سوى صورة أو صورتين لمعاناة البطل الأخرق، وشخصية (ديك) الذي عمد القاص إلى رسم أدواره بطريقة كاريكاتورية مناسبة حققت الغرض من سرد هذه الحكاية التي تداعت أحداثها - ولا تزال - بشكل مثير.

تميل قصص المجموعة إلى نحو التقشف والتكثيف؛ حيث تصبح القصة ومضة عابرة قد لا تستطيع الإمساك بها، إلا أن هذا القصر في رسم الصور أفضى إلى رسم نهايات سريعة ومباغتة على نحو قصص (حقوق الدجاج) و(الشاهد) و(ليتك تبقى)؛ ففي الفضاء العام للقصص الثلاث رؤية مختزلة لأحلام وأحزان ومخاوف، بل هو نقد لاذع لمآل بعض الحقائق التي أضحت في مهب الريح؛ إذ لم تعد حقائق، إنما اقتربت لفكر الأوهام الجديدة.. تلك التي تحاول أن تبني جدرانها في الذات الإنسانية هذه الأيام، لنرى (سمير النحيلي) وقد عمد إلى النقد غير المباشر على نحو قصة (الشاهد)؛ حيث كشف البطل مأساة الأمة منذ ثلاثة عقود سقطت فيها أرواح كثيرة، وفقدت الكثير من الأوطان، وزاد بؤس الإنسان أكثر من ذي قبل، ولم يعد ممكناً الأمل في ظل وجود هذا اليأس الذي نرزح تحته مما يزيد على ثلاثة عقود.. إلا أن القاص حصر هموم الراوي في هذه الأعوام؛ لأنها الأكثر والأصعب في حياتنا، والأقسى في ذكرياتنا.

في قصص النحيلي رؤية سوداوية، إلا أنها ساخرة تثير في الذات نشوة النقد اللازم لكل ما هو خطأ فادح، بل تأتي السخرية في السرد مغلفةً بلغة جميلة تعكس حرصه على وصول النص إلى المتلقي بأقصر السبل، في وقت يستميل فيه النحيلي الذاكرة لكي تحلّ ضيفاً على السرد؛ لأن الحكاية التي ترتد من الذاكرة دائماً ما تكون معتقة بما يكفي، ولا سيما إن كانت هذه الحكاية ذات بناء محكم على نحو قصة (لحظة شهادة) التي حوت في أعطافها بُعداً مناسباً.. فالذاكرة هي التي يعمد الراوي إليها ليمتاح منها تفاصيل حكاية الألم كاملة غير منقوصة.

أمر آخر يثيره القاص في ثنايا قصصه، هو ذاك البعد العفوي الذي يسكن الشخوص حينما يتناولون بعض القضايا الإنسانية المعبرة.. فتارة نراهم قد أصبحوا متفائلين بحل الكثير من قضايا الإنسان المعاصر، وأخرى نراهم قد داوموا حالة اليأس العصية لتتناهبهم في هذا الاتجاه إرهاصات الزمن المتقلب، لكنهم يحاولون ما وسعتهم المحاولة أن يكونوا على الحياد من الحزن الذي قد لا يأتي بجديد، إلا أن إمارات العفوية تبدو مرسومة بإتقان في قصة (المنافسة) التي اشتملت على مشهد مكاني واحد تمثل في عيادة طبيب الأسنان فيما الزمان نراه قد استرسل في توسيع خصوصية المناسبة في ومضات عابرة عن المعاناة اليومية التي تتناقض وتختلف إلا أنها تبقى متأصلة في الذات.. فقد لا يقوى هؤلاء على فتح أفواههم إلا عند الطبيب حينما يريدون أن يتأوهوا من فرط آلام أسنانهم.. فالقصة تذهب إلى البعد الكاريكاتوري المتوامض.

وبما أن الأحداث في قصص المجموعة ذات نفَس قصير فإن الراوي تراه قد بحث عن أقصر السبل ليقول حقيقة ما لديه مستنداً في هذا السياق إلى ما يمتلكه من حكايات معبرة، ومواقف محددة المعالم تسهم في إيصال الفكرة نحو هدفها الذي سعى إليه القاص سمير النحيلي الذي عُرف عنه كتابته الواقعية.. تلك التي تستند إلى دعائم حكائية معبرة.. تميل إلى الاختصار والتكثيف.. وهذا ما نجده في هذه المجموعة.

إشارة:

* خمرة الرافدين (قصص).

* سمير أحمد النحيلي.

* دار الحقائق - دمشق - 2007م.

* تقع المجموعة في نحو (110 صفحات) من القطع الصغير.

* لوحة الغلاف للفنان راضي جودة.

****

لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244

hrbda2000@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة