Culture Magazine Monday  23/07/2007 G Issue 208
الملف
الأثنين 9 ,رجب 1428   العدد  208
 

أستاذنا ابن حسين: خواطر وذكريات
د. محمد الربيِّع

 

 

-1-

عندما أبلغني الزميل العزيز الدكتور: عبدالله الحيدري أن (المجلة الثقافية) التابعة لجريدة الجزيرة الغراء ستصدر ملفاً عن أستاذنا الجليل محمد بن سعد بن حسين شعرت بسعادة غامرة وأبديت رغبتي في المشاركة في تكريمه، وعندما أخبرني بأن الوقت محدد وقصير، وأن الكتابة يجب أن تكون مختصرة ازدادت حيرتي، فأستاذي الفاضل يستحق أن أكتب عنه صفحات وصفحات فقد عرفته ونهلت من علمه وأدبه خلال ما يقارب نصف قرن من الزمان، ثم إن مسالك القول ومجالات الكتابة عنه متنوع فهو أستاذ قدير وباحث جاد وشاعر مبدع ورائد من رواد دراسة الأدب السعودي فهل أكتب عن ذكرياتي معه طالباً وزميلاً؟ أم أكتب عن دراساته وأبحاثه؟ أم أكتب عن شعره وإبداعاته؟ أم أكتب عن ماذا ؟ وماذا ؟ الوقت والمجال لا يتسع لكل ذلك لكني آثرت أن أكتب خواطر وذكريات خاطفة على أمل أن أعود إلى الموضوع بدراسة جادة تتناسب مع ما لأستاذي الجليل من أفضال وحقوق من أحد طلابه.

-2-

في عام 1379هـ التحقت بمعهد الرياض العلمي بعد حصولي على الشهادة الابتدائية، وكان أستاذنا ابن حسين من أوائل من درست عليهم في المعهد ضمن مجموعة من أساتذتنا الكرام الذين لهم فضل علينا ومنهم محمد بن حسين ومحمد الصالح وعبدالله المنيف وعبدالله الزايد ويوسف الملاحي ومحمد بن قاسم ومحمد الفواز وعبدالله المفلح وعبدالرحمن الغريبي وراشد الحديثي وعلي الغيث وأحمد السليمان و... وغيرهم رحم الله من مات منهم وأنعم بالصحة والعافية وطول العمر على الأحياء منهم وكان لهم علينا أفضال فقد أحسنوا تعليمنا وتربيتنا.

وكان أستاذنا ابن حسين يدرسنا مادة الأدب وزرع فينا محبة الأدب الرفيع والشعر الجميل وتعلمنا منه تذوق الجمال في نصوص الأدب وحبب إلينا قراءة كتب التراث الأدبي.

-3-

وفي عام 1384هـ التحقت بكلية اللغة العربية وتخرجت فيها عام 1388هـ ودرّست في معهد مكة المكرمة عاماً واحداً انتقلت بعد ذلك في عام 1389هـ إلى معهد الرياض العلمي مدرساً ، وكان كل من في المعهد - تقريباً - من المدرسين هم أساتذتي فأصبح طالب الأمس زميلاً لهم اليوم ولقيت منهم - وعلى رأسهم أستاذي ابن حسين - كل ترحيب وتشجيع، وكان المعهد العلمي شعلة نشاط بل لا أبالغ إذا قلت: إنه بمثابة جامعة وكان يديره بحزم - آنذاك - معالي الشيخ عبدالعزيز السعيد الرئيس السابق لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويتولى وكالته بحكمة ونفاذ بصيرة معالي الشيخ صالح بن سعود العلي مساعد رئيس مجلس الشورى وإن أنس فلن أنسى تلك الجلسات العلمية والحوارات والنقاشات التي كانت تدور فيما كنا نطلق عليه الفسحة الطويلة أو فسحة الشاي وكذلك في الرحلة الأسبوعية يوم الخميس إلى الأودية والشعاب الواقعة جنوب مدينة الرياض وما كان يقوم به النادي الأدبي بالمعهد من نشاطات رائعة وما كان يبدعه رواد النادي من قصائد وكلمات وتمثيليات وما كان يصدر لهم من صحف حائطية، وكان أستاذنا ابن حسين واسطة العقد بين تلك النخبة المخلصة من الأساتذة وأولئك الشباب المتطلع إلى المستقبل من الطلاب النجباء.

-4-

ثم تفرقت بنا السبل فانتقلت إلى إدارة الجامعة وسافر أستاذنا إلى مصر للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه ثم التقينا مرة ثالثة في كلية اللغة العربية وفي قسم الأدب نتعاون في التدريس وفي النشاط وفي تطوير المناهج.

وكان الأستاذ الجليل والأديب الكبير الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله يرأس القسم، لكننا - نحن السعوديين - رغبنا في أن يرأس القسم أحد السعوديين من أعضائه ولم يكن هناك من هو أحق بها من أستاذنا ابن حسين فكان من تقديرنا لرئيس القسم وهو من هو شأناً وعلماً محمد محمد حسين أن تحدثنا إليه في رغبتنا في أن تتاح الفرصة لسعودي لتولي رئاسة القسم فكان موقفه مشرفاً ومؤيداً فتم انتخاب أستاذنا ابن حسين رئيساً لقسم الأدب بالكلية عام (1403هـ) فأدار القسم بحكمة ومحبة وحرص على رضى الجميع وتعاون الجميع للنهوض بالقسم وتطوير مناهجه.

-5-

لقد صحبت أستاذي ابن حسين ما يقرب من خمسين عاماً منذ أن التحقت بمعهد الرياض العلمي عام 1379هـ طالباً صغيراً ثم زميلاً في التدريس بمعهد الرياض العلمي ثم زميلاً له في التدريس بكلية اللغة العربية وعرفت تعامله مع طلابه وزملائه بل أساتذته وأصدقائه فكان دمث الخلق حسن المعاملة بشوشاً مبتسماً متفائلاً في أحلك الظروف صبوراً في أقسى المواقف؛ ولذلك أحبه الجميع وقدروه وظلت صلتهم به وصلته بهم عامرة بالود والمحبة إن زاروه رحب بهم وإن حالت ظروفهم دون التواصل معه سأل عنهم واتصل بهم وكم قصرنا في حقه واعتذرنا له فقبل اعتذارنا برحابة صدر وود صادق وكريم خلق.

-6-

ويستحق أستاذنا ابن حسين كل تكريم وتقدير وقد حصل على ذلك من خلال محبته ومكانته في قلوب طلابه ومن خلال ما يلقاه من ولاة الأمر وكبار المسؤولين من تقدير واحترام، لكني أتمنى أن يكرّم العام القادم في الجنادرية فهو جدير بذلك مستحق له.

-7-

ويستحق أستاذنا ابن حسين أن يُصدر تلاميذه - وأنا واحد منهم - كتاباً تذكارياً عنه وتهدى بحوثه إليه على أن يشتمل الكتاب على أبحاث علمية جادة عن الأدب السعودي الذي يعد ابن حسين من رواد الدراسات المتخصصة فيه وعن تدريس الأدب السعودي في الجامعات من خلال مواد مستقلة خاصة به وكان ابن حسين من السباقين إلى ذلك وعن تطور مناهج الأدب العربي في الجامعات وبعض الدراسات التي تكشف وتحلل جوانب مضيئة من دراسات ابن حسين وإبداعاته وتهدى تلك الدراسات له ليعرف أن ما غرسه في نفوس طلابه قد أثمر وأينع وآتى أكله وأن جهوده في تربيتهم وتوجيههم قد أخرجت جيلاً من الباحثين الجادين. والله الموفق.. وصلى الله على نبينا محمد.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة