Culture Magazine Monday  23/07/2007 G Issue 208
فضاءات
الأثنين 9 ,رجب 1428   العدد  208
 

العرب على الجانب الآخر من البحر:
نحن وهم في الرواية الغربية «4»
د. لمياء باعشن

 

 

الفلسطيني العربي:

منذ إقامة دولة إسرائيل في 1948 أصبح الشرق الأوسط مادة مفضلة لكتاب الروايات، وكان هذا الصراع على الأرض محوراً لكثير من الروايات التي دمجت العرب في شخصية الفلسطيني الشرير الذي يرفض الخروج بهدوء ورقي لينعم اليهودي بوطنه المستلب. لكن الرواية التي أحدثت أبلغ الأضرار بالعرب هي (النزوح) Exodus وبعدها رواية (الحاج) The Haj للكاتب ليون يوري Leon Uris. (النزوح) الآن في طبعتها الستين، وفي مساء يونيو من حرب 67 كان قد تم بيع عشرين مليون نسخة حول العالم. لم يؤثر كتاب في التاريخ على الشعب الأمريكي في موضوع السياسة الخارجية مثلما أثرت هذه الرواية، فقد قرأها على الأقل واحد في كل 30 أمريكيا، وقد وضعت معياراً للتنميط العربي أصبح بعدها متبعاً في النثر الأدبي. تحكي الرواية قصة كيتي فيرمونت الممرضة الأمريكية التي تبحث عن الانتماء في اسرائيل فتقع في حب أري بن كنعان الذي يقوم بتهريب اللاجئين اليهود على مركبه إلى فلسطين. في الرواية يربط يوري بين عبدالناصر وهتلر، ويدعو البدو العرب (حثالة الإنسانية)، ويصدر الحكم الجائر في حق الفلسطينيين قائلاً: (لو كان عرب فلسطين يحبون أرضهم لما أمكن اقتلاعهم منها وهم الذين هربوا منها. العرب لديهم القليل الذي يعيشون من أجله، ولا شيء ليقاتلوا من أجله. كيف يمكن لقوم عددهم أقل من مليون أن يستولوا على أرض يسكنها خمسون مليونا؟ إسرائيل تقف اليوم كإمكانية وحيدة لإخراج العرب من عصور الظلام).

ورواية (الحاج) أكثر تحيزا من (النزوح) وإن كان نصيبها من الانتشار والنجاح مماثلاً. على لسان العرب يأتي هذا القول من طبيب يدعى مذهل: (الكره هو قدرتنا الطاغية. الكره هو إرثنا الطاغي، ولقد توالدنا بالكره من عقود إلى عقود ومن جيل إلى جيل ومن قرن إلى قرن. عودة اليهود حركت الكراهية فينا وفجرتها بلا هدف وحولتها إلى طاقة مدمرة بداخلنا. في خلال سنوات سيبدأ العالم الإسلامي في التهام ذاته في جنون والشيطان الذي يدفعنا إلى الجنون يلتهمنا الآن ونحن لا نستطيع إيقاف ذلك، وإن لم يوقفنا أحد، فسوف نستمر هكذا مع بقية العالم إلى يوم الاحتراق في جهنم).11

هذه المفاهيم المسمومة تتكرر في المئات من روايات سياسية تاريخية واجتماعية تستثمر صورة العربي الفلسطيني وتفسر مقاومته من أجل أرضه على أنها عنف أهوج بلا قضية. في مغامرات مثيرة يحارب البطل الغربي واليهودي غالباً قوى الشر والظلام التي يتمثلها العربي، وتصبح هذه الروايات الشعبية التي تدعم الصورة السلبية للعرب جزءاً من الفلسفة والوعي الغربي لكل ما هو عربي وما هو مسلم.

الخليجي العربي:

إضافة إلى الشيخ والمغامرات الغرامية في الصحراء، يظهر العربي في شكل الخليجي الثري الذي يتلاعب باقتصاد العالم من خلال صفقات غير قانونية ليبدد الأموال على الترف والفساد. ووجد الكُتاب في هذا الوضع الجديد مادة غنية تستفيد منها روايات الجاسوسية والمخاطر الدرامية، خاصة تلك التي تستخدم عناصر التكنولوجيا في أساليب التشويق techno-thriller، فتختلق أجهزة مدمرة يحاول العربي الوصول إليها بقوته المالية، لكن الذي يؤتمن على هذه الأسلحة هو الغربي الحكيم الذي يجب أن يبعدها عن أيدي العرب المتهورين (هل نتذكر عطيل؟). من مثل ذلك تحكي رواية (الاثنين الأخضر) Green Monday للكاتب مايكل توماس Michael Thomas 1980 كيف تمكن العرب من تحقيق أطماعهم بالحصول على جهاز مطور مكنهم من خفض أسعار البترول الخام وسحب البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة.

النمط العربي المتغير/ الثابت:

إن عدد الروايات التي نشرت بين 1973م - 1998م يصل إلى ما يقارب 225 رواية (مرفق 1)*، يتم في معظمها رصد الشخصية العربية من خلال الأحداث السياسية والمتغيرات التاريخية، ولشدة شعبيتها وكثرة تداولها فإن الرواية وكل الأشكال القصصية الأخرى كان لها دور جوهري في تشكيل الرأي العام وفي التأثير على صنع القرار في الغرب وذلك بعدم التعاطف مع العرب وبتغذية خرافات ومبالغات بعينها عن المسلمين، فبعض الكتاب، سواء بقصد أو دون قصد، قد عزز التفكير المعادي عن العرب بالترويج لصور مشوهة وسلبية ومهينة تظهرهم كسحرة وكفرة وأفّاقين.

من بين كل هذه الروايات يطل العطاء العربي على استحياء، فكتاب الروايات الغربيون من أصل عربي اتخذوا موقفاً سلبياً لا يكاد يذكر، وكاتب مثل ويليام بيتر بلاطي وهو لبناني William Peter Blatty صاحب سلسلة الروايات الشهيرة (طارد الأرواح) The Exorcist لم يُدخل العرب دائرة البطولة في رواياته، وحتى في روايته (جون جولدفارب) John Goldfarb التي تتعرض للشرق الأوسط جعل بطلها طيارا يهوديا. أما رواية نعومي شهاب ناي Naomi Shihab Nye ( حبيبي) Habibi فهي سيرة ذاتية تعود فيها الطفلة ليانا إلى جذورها الفلسطينية، لكن الشاعرة نعومي تتطرق إلى ذكريات الأرض بشكل رومانسي ينقصه الحماس للعرب كقضية. وكذلك اشتهرت رواية (رأس المنشفة) Towelhead للكاتبة الشابة أليشا عريان Alicia Erian ووالدها عربي، لكن الصورة التي قدمتها الرواية في 2005 عن طريق بطلتها جسيرة للرجل العربي المتمثل في شخصية والد البطلة جاءت مسيئة إذ يبدو كريهاً متسلطاً وقاسياً وعديم الفائدة.

كان السرد وما زال ممثلاً صريحاً لوجهة النظر الغربية غير الرسمية، وقد اختمرت به المواقف العدائية تجاه العرب، فهيأ أجواء من الخوف والكراهية تجاه أمة قد تم سلخها من إنسانيتها بترديد وإعادة وتكرار لإكليشات دعائية سلبية تُصر على تقديم الآخر في جوانبه المنفرة. ويهدف تكرار الأنماط والعبارات في دوي لا ينقطع إلى تعويد القارئين عليها والتخفيف من حدة الاتهامات وبالتالي على الاستسلام لها. تدريجياً يصبح ما يقرؤه الغرب جزءا لا يتجزأ من فلسفته التي تشكل إدراكه للأمور، فتصبح الصورة المشوهة للعربي قضية مسلَّماً بها لا تثير تساؤلا ولا تحرك نقاشا. العربي هو الآخر، وجزء من هذه الأخروية ينشأ من الانتماء إلى عنصر مختلف يتسم بالانفصال والشذوذ عن الوضع السائد؛ ما يؤهله للاضطلاع بدور الشرير الإرهابي المهدد للسلام.

***

عملت هذه الورقة على استجلاء طبيعة الأنماط التي نسجتها المخيلة الروائية الغربية في سياق المواجهة مع الآخر العربي، ووجدت أن هذه الأنماط وإن كانت متغيرة ومتعددة، فهي لا تزول وإنما تتبدل وتتخذ أشكالاً جديدة تحمل أصداء الانحيازات القديمة. فالشخصية العربية الواردة في الرواية الغربية لها طبيعة حربائية، تتلون لكنها تبقى حرباء. وسواء كان العربي مغربياً أو حبشياً أو فلسطينياً أو خليجياً، وسواء كان بدوياً همجياً يكذب ويقطع الطريق أو كان صوفياً صافي الروح حكيماً، وسواء كان عاشقاً يخطف النساء أو سفاحاً لا يهدأ إلا بقتلهن، وسواء كان إرهابياً يلوّح بالقرآن ويخطف الطائرات أو مزوداً العالم بالبترول وهو يتمرغ في الثروات، فهو يظهر في كل الأحوال في أشكال انتقاصية تغيّب ملامحه الإنسانية وتحيطه بغلالة يصعب معها تحديد هويته أو تمييز آدميته. هذه الأنماط المتأرجحة تنضبط على معيار واحد: العربي مرادف للخطر الذي يهدد التوازن السلمي في العالم.

....انتهت

- جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة