Culture Magazine Monday  23/07/2007 G Issue 208
الثالثة
الأثنين 9 ,رجب 1428   العدد  208
 

الخطراوي شاعر ومعلم وأديب
د.محمد عبده يماني *

 

 

صورة رائعة من صور الوفاء رسمتها المجلة الثقافية ملحق صحيفة الجزيرة حين كرمت علماً من أعلام الأدب والفكر في بلادنا.. وهو الأستاذ الدكتور محمد بن عيد الخطراوي؛ لأن تكريم مثل هؤلاء الرجال يعكس أصالة هذه الأمة الوفية لرجالاتها، وهذه هي صفة الأمم المحترمة.. ويسعدني أن أكون واحداً ممن يساهمون في تكريم هذا المعلم والأديب والإنسان.

لقد ظل الدكتور الخطراوي على أدب جم وقدرة على الحوار واحترام الرأي الآخر.. قدم لنا الكثير من الأعمال التي تشهد على إبداعاته في مجالات الفكر والثقافة والأدب والشعر والنقد، وحقق الكثير من كتب التراث واستحق عن جدارة جائزة الأمير سلمان للرواد الذين خدموا تاريخ الجزيرة العربية، فقد أرخ للحركة العلمية والأدبية في المدينة المنورة عبر السلسلة التي أصدرها بعنوان (تاريخ المدينة).

ما يميز الدكتور الخطراوي هو التنوع في كافة المجالات التي طرقها.. في الشعر حوت كتبه كل فنون الشعر ومعظم موضوعاته وفي تحقيق التراث، حقق في مخطوطات السيرة النبوية والتراجم والشعر والحديث.. وحرص وهو يحقق مخطوطات التراث أن يلتزم بالدقة وأن يقارن بين النصوص المختلفة حتى ولو أدى به ذلك إلى قضاء أوقات طويلة للوصول إلى مبتغاه.

عمل الدكتور الخطراوي على نشر أبحاثه وأفكاره بكل الطرق فألف الكتب ونشر أبحاثه بالصحف وقدم برامج إذاعية متنوعة تنوعت بين الترجمة لشعراء الجزيرة العربية وموضوعات الشعر والأدب وتقييم لأمهات الكتب..

التزم في مجال النقد بالمنهج الموضوعي وبالعقلانية، فكان نقده دائماً أدبياً علمياً غير جارح ولا محرج، وإنما تشعر وأنت تقرأ له بأنه رجل على قدر كبير من الإنصاف لا يتأثر بميل أو هوى..

ولا ننسى ما للدكتور الخطراوي من دور في المسيرة التعليمية بالمملكة، فقد تدرج في سلم المعلمين والتربويين من المدارس إلى أستاذ بالجامعة، وتخرج على يديه العديد من كبار رجالات الدولة.

ونشاطه في نادي المدينة الأدبي يعتبر من أبرز الأدوار التي خدمت هذا النادي، وقد وهبه جل وقته ونجح في ربطه بكافة الأدباء والمفكرين في أنحاء المملكة.. بل وبعض الأدباء من العالم العربي والإسلامي.. ولا يسمح المجال هنا لتعداد ما قدمه للفكر والعلم والثقافة في بلادنا، وإنما هي كلمة حق وواجب وفاء نحو هذه الشخصية الفذة التي لا نستطيع أن نوفيها حقها من التكريم بما يوازي ما قدمته في خدمة العلم والفكر وأتمنى أن يتجه الباحثون إلى شخصية هذا الرجل وإلى إنتاجه ففي ذلك مجال خصب للدراسة والبحث.

ولاشك أن أديبنا الشيخ الأستاذ الدكتور محمد العيد الخطراوي هو شاعر يعتز بنسبه إلى المدينة المنورة وتراثها وعبيرها ويرتاح كثيراً عندما يخاطبه الأدباء بشاعر المدينة المنورة.. وهو في الحقيقة شاعر ملهم متمكن يملك ناصية اللغة وتدل على ذلك مساهماته ومجموعاته الشعرية.. بل إنما يشكر له أنه لم يكتفِ بجمع شعره بل تعدى ذلك الجهد وجمع العديد من الأعمال الشعرية لشعراء من المدينة المنورة من القدامى والمعاصرين.. وكان يتحدث عنهم باعتزاز وتقدير وكان يعجبني شخصياً نقده والطريقة التي كان يتعامل بها مع تناوله من شعر أو نثر بالنقد الموضوعي وبأسلوب أدبي راقٍ.. وقد كنت أقرأ ولازلت لهذا الأديب الإنسان لكني كنت أستمتع بأعماله في الإذاعة وكان يدفعني إلى متابعتها ما يتناوله من موضوعات جادة وبأسلوب أدبي رائع.. وكنت وأستاذنا الشيخ الدكتور عبدالعزيز الخويطر نتحاور عن برنامجه الإذاعي الجميل (شاعر من أرض عبقر)..

وأحسب أن هذا الشاعر الأديب والذي زادت مؤلفاته على أربعين ركز فيها على تاريخ المدينة المنورة والحياة فيها ولم يترك جانباً من الجوانب الأدبية أو الاجتماعية إلا وتناوله بالبحث.. وكان هو يعتز أنه من المدينة المنورة فهو من المتيمين بها.. فهو عاشقها وهي روافد أدبه وشعره وفنه.

ومن يتعمق في مسيرة الأستاذ الدكتور الخطراوي يلاحظ أنه متعدد الروافد متنوع الإنتاج لكن عشقه لهذه المدينة الطيبة الطاهرة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أثر فيه وخاصة في شعره، وقد كتب عن القديم والحديث وحتى عن بعض جوانب الشعر الجاهلي.. ثم كتب عن العصور الإسلامية.. وقد سرني تناوله لجوانب مهمة من تاريخ المدينة المنورة.. ووقفت معه أياما نتناقش حول سقيفة بني ساعدة أول مؤتمر إسلامي عقد في المدينة المنورة ورسول الله صلى اله عليه وسلم كان مايزال مسجىً في منزله قبل أن يدفن وينتقل إلى جوار ربه.

فقد أطلعني على الكثير من المعلومات التي استفدت منها وارتحت إلى طريقة تناوله لها، ولعل عشقه للمدينة المنورة أورثه هذا الأدب في التناول.. كما أني لاحظت أنني حينما أحاوره عن أديب من الأدباء لا أحس تلك الغيرة والحسد ولكنه إذا توجه بنقد نحو هذا الشاعر أو ذاك فإنه يفعل ذلك بموضوعية وفنية وسمو خلق وعمق أدبي.. وهو شاعر يجمع العديد من أغراض الشعر وفي شعره شفافية ملموسة.

وفي الختام.. أقول إن قربي من هذا الإنسان جعلني أشعر بذلك التواضع الجم والأدب الرفيع والترفع عن الألقاب التي يحرص عليها الكثير من الناس.. كما أنه كان يرتاح إلى التخاطب المباشر ويقول لتلاميذه ترفعوا عن الألقاب واحرصوا على أدب العلم قدر المستطاع.

إنني ممن يعتزون بهذا الرجل وقد أتاحت له الدراسات التي درسها وقادت إلى منحه شهادات جامعية في الشريعة من جامعات كالزيتونة بتونس، واللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والتاريخ في جامعة الملك سعود، والماجستير من كلية اللغة العربية بالجامعة الأزهرية بالقاهرة.. أتاح له كل ذلك مع فطرة طيبة وخلق كريم أن يصبح تلك الشخصية المعطاة ذات المؤلفات المتنوعة في الشعر والنقد والتاريخ والأدب.

وقد فرحنا جميعاً يوم نال جائزة السيد أمين مدني - رحمه الله - في تاريخ الجزيرة العربية كما كان لقاؤنا معه في اثنينية الأستاذ عبدالمقصود خوجة، فرصة لتكريمه كرجل من رجال العلم والتاريخ والأدب الذين نعتز بهم.. ونسأل الله عز وجل أن يمنحه الصحة والعافية ويبقيه زخراً وقدوة لشبابنا عامة ولأبناء المدينة المنورة على وجه الخصوص..

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة