Culture Magazine Monday  26/11/2007 G Issue 224
فضاءات
الأثنين 16 ,ذو القعدة 1428   العدد  224
 
شيكاغو والمعادلة الصعبة
.........أمل زاهد

 

 

نستطيع أن نقول إن رواية علاء الأسواني (شيكاغو) رواية مسلية بامتياز، فلا تشعر إلا وأنت تلهث بين أسطرها لتتابع الأحداث والتفاصيل المشوقة والمتدفقة عليك من بين دفتي الكتاب! وفي تحدّ سافر لآراء النقاد العرب الذين اتهموها بالضعف الأدبي، تصل الرواية إلى طبعتها التاسعة في زمن قياسي! ويقبل القراء عليها وهم يلتهمون صفحاتها التي تجري بين أيديهم في سلاسة وتدفق، لتدحض مقولة نفور العرب من القراءة، وتثبت أن العمل البسيط الذي لا تتعالى لغته ولا رموزه على القراء، قادر دائما على اجتذاب الناس، فهو يؤنسن همومهم وشجونهم ويعرضهم أمام أنفسهم كما يريدون هم أن يروا أنفسهم، دون رمز يصعب عليهم فهمه، أو غموض يعانون من التباساته!

وبالرغم من المقولات العربية الناقدة للرواية، تستضيف الندوات والبرامج التلفزيونية في الغرب طبيب الأسنان المتمكن من أدواته في الحكي، مع أن الراوية لا تحابي الغرب ولا تتحدث معه لغة يحبذ هو أن يسمعها، و لا تتملقه بل تتصادم مع الغطرسة الأمريكية والهيمنة الاستعمارية، وتدين من أول صفحاتها انتهاك حقوق الهنود الحمر والاستهانة بأرواحهم، والتمنطق بالمسيحية لتبرير الإبادات الجماعية للهنود هناك! وتعرج خلال أحداث الرواية إلى معاناة المغتربين المصريين في ثقافة تتسرب من بين يديها قيم الحرية - رغم أنها أقامت هيكلها على هذه القيم - بعد أن هاجمتها أحداث 11 سبتمبر في عقر دارها! كما أن الرواية لا تنسى أن تعرض التمييز العرقي البشع الذي لا يزال السود يتلظون في أتونه في أمريكا رغم القوانين الصارمة التي تدين ذلك التمييز!

تحتشد رواية شيكاغو بالشخصيات التي تحمل خيباتها معها إلى شيكاغو، ورغم أن الرواية لا تبحر عميقا في دواخل تلك الشخصيات، وتقدم معاناة مبتسرة ومختزلة لملامحها النفسية، ولكن القارئ يجد نفسه مشدودا بخيط سحري لشخصيات الرواية، ويجد نفسه يلهث وراء الأحداث المصورة بحرفية بارعة وأسلوب سردي ماهر يزدحم بالتشويق والإثارة، وذلك بمجرد أن ينهي صفحاتها الجافة القليلة الأولى والتي تتحدث عن تاريخ مدينة شيكاغو. يتمكن الأسواني من الاستحواذ على المتلقي وشده حتى آخر سطر في الرواية، ولعل معظم من يقرأها لا يستطيع أن يتركها حتى يأتي على آخر سطر فيها.

لا يبحر الأسواني عميقا في شخصياته وكأنه به يلامس السطوح دون القدرة على النفاذ إلى الأعماق، وما أن تنتهي من قراءة الرواية إلا وتشعر أنك تودع شخوصها إلى غير رجعة، وتطوي صفحاتها دون أن تترك لك أسئلة شائكة تنشغل بها، لتنهي علاقتك بالرواية بانتهاء فعل القراءة. وهو لا يتعبك في الحفر عميقا بل يسليك ويمتعك وأنت تقرأ شخصياته وترصد تحركاتها وتحصي أنفاسها وتتفاعل مع بشريتها، فهي شخصيات من لحم ودم تكاد تشعر بأنفاسها الساخنة وهي تصارع تناقضاتها، تلمس بيديك ارتفاعاتها وانخفاضاتها.. فهي تتعالى تارة حتى تكاد تتسامق إلى ذرى القيم الفاضلة أو تنحدر إلى حيوانية الغريزة وندائها الملح تارة أخرى، وبالرغم من إيغال الأسواني في قضية الغرائز والجنس في روايته إلا أنك تشعر أن الاشتغال على هذه القضية ليس مقحما بل يأتي تلقائيا وخادما للبناء الروائي، ولكنه لا يسلم من الوقوع في شرك إقحام الجنس في فصل بكامله.. لتشعر أنك لو اقتطعته من الرواية لما أثر مطلقا على سير أحداثها!!

تتسلل شخصيات الأسواني في شيكاغو- كما فعلت في عمارة يعقوبيان - إلى صفحات الرواية من عمق الشارع المصري وتهجس بنبضه وتتحدث لغته، وهي تعاني من عقوق الأوطان العربية لأبنائها، فتؤثر الهرب إلى جدران الغربة من جفوة أوطان قررت مع سبق الإصرار الترصد أن تناصب أبنائها القسوة والنبذ! فيتحول التلبس بحب الوطن إلى كراهية ظاهرية تتبرأ من كل ما هو مصري وترمي نفسها في أحضان الثقافة الأمريكية تمجد قيمها وتتمسح بمفرادتها، بينما هي تتحرق من العشق وتتلوى من آلامه.. والوطن العاق يدير كتفيه لها في لا مبالاة قاسية وجفاء عجيب!

تمارس شخصياته بحثها عن ذاتها فهي تارة تعانق العالم الجديد، وأخرى تنفر منه لتتوقع داخل نفسها، تتصادم وتتجاذب.. وتتنافر وتلتقي في محاولة دؤوبة لإثبات كينونتها والتعبير عن ذاتها . فتعرض معاناة المغترب الأزلية في مجتمعات لابد أن تشعره باختلافه مهما زعمت أنها تتبنى قيم العدالة والمساواة! ورغم أن الأسواني يعرض نموذج الأمريكي المتغطرس، لكنه يعرض بالمقابل نموذج الأمريكي المتسامح الداعي للتعددية والمنفتح على باقي الثقافات والمدافع عن الأقليات، بل يطغى هذا النموذج على الآخر الآحادي والمستبد في محاولة لإثبات القطيعة بين المثقف الأمريكي الصادق مع نفسه وبين سياسة حكومته المستبدة!

وكما يدين الأسواني الغطرسة الأمريكية فهو يدين الديكتاتورية والأنظمة الاستبدادية، ويخترق تابوه السياسة ليفضح تحالف السياسة الأمريكي ة مع الأنظمة العربية الشمولية، ورغم أنك تشم رائحة الأدبيات اليسارية المفخمة في الرواية، و تلحظ ميلا ناصريا يتراوح بين الإفصاح الخجول والمواربة إلا أن الأسواني ينفي في لقاء تلفزيوني فرنسي انحيازه لنظام ضد نظام آخر وهو المعروف بانتمائه لحركة كفاية المعروفة في مصر، وهو يقول عن نفسه أنه يحارب ضد الاستبداد والخوف!

-المدينة المنورة Amal_zahid@hotmail.com لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتبة«7446» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة