Culture Magazine Monday  26/11/2007 G Issue 224
نصوص
الأثنين 16 ,ذو القعدة 1428   العدد  224
 

مطالعات
سهام العبودي في عمل قصصي جديد
(خيط ضوء يستدق) بانوراما سردية واقعيةعبدالحفيظ الشمري

 

 

المجموعة الجديدة للقاصة سهام العبودي وسمت بعنوان (خيط ضوء يستدق) وهي بهذا العنوان تذهب إلى تمثل هذه الرؤية المواءمة لكوامن الدقة والتناهي غير المخل في عرض الحكاية تلو الأخرى مراعية بذلك أهمية أن تكون اللغة متفاعلة مع ما ترومه الكاتبة من خلال دفعها لهؤلاء الشخوص الذين يجوسون أرض السرد لتلك الحكايات التي تتكثف على شرفة ذلك الماضي الذي تنهل منه الكاتبة.. فالشخوص هنا سحنهم قديمة، وحكاياتهم معتقة إلا أن لغتهم تفاعلية تحكي دهشة الجديد بذلك القديم.

تعمد القاصة سهام العبودي إلى عرض بانورامي شيق لأحداث عبرت بدهشة إلى آخر نقطة في الوجدان، والمخيلة لا سيما ذاكرة الطفولة لديها.. تلك التي اكتنزت العديد من الصور الإنسانية المعبرة على نحو قصة (خيط ضوء يستدق.. أو الجريد) الذي استهلت فيها الكاتبة مجموعتها، بل وحملت اسم العمل.. هذه القصة التي تعيدنا إلى الوراء، نحو حقب غابت مع الماضي، وإن كان لها وجود الآن فلا يعدو كونه لمجرد المحاولة للتذكير بأصل الأشياء وفصلها..

فقصة (الجريد) هذه تصوير لدهشة الراوي لتلك البراعة التي تقوم فيها المرأة التي تعد (سفرة) طعام مدورة من الخوص أو الجريد، فالعمل رغم مشقته إلا أنها تصوره على نحو شيق بعكس الإعجاب الكامل ببراعة هذه المرأة العصامية الماهرة والمدربة بفطرية وعفوية على تقديم ما لديها على نحو جميل ورائع..

في القصص الأخرى التالية لقصة الجريد تداوم الكاتبة سهام العبودي على اقتفاء حساسية الخطاب الاستنطاقي للأشياء الدقيقة حولنا.. تلك التي تواربها لنا دائما بكان يا ما كان المشرعة دائما على الماضي على نحو تفاصيل قصة (تواشح) في المجموعة..

يعمد رواة القصص في المجموعة إلى استنطاق الصور المتناهية في الدقة على نحو مشهد (نفاق) في القصة القصيرة جداً.. تلك التي اعتمدت على الومض السريع لتصوير مشهد النمل الذي تذكرنا سيرته بحياتنا كاملة غير منقوصة.. بل نراهم وقد أدركوا في كل مشهد يروونه، أو يصورونه أهمية تقديم شيء شيق يخرج الحكاية من مجرد كونها حكاية إلى عالم من التخيُّل والإفضاء للآخر بما تكتنزه الذاكرة الحكائية من أسرار عذبة، ورؤى مختلفة تستحق التأمل والإنصات لهؤلاء الحكائين المفوهين ببراعة المنطق.

تأتي قصة (مثلجات) رؤية متوامضة تعكس في بريقها تلك الأماكن القديمة في ذاكرة الراوي.. حينما يطل وجه (مريم) القديم من بين هالات الماضي المتمثل في تلك الدروب الترابية الملتوية والتي كأننا سرنا يوما بمحاذاتها مع صديقتها التي تتأملها الآن مستعيدة تلك المشاهد المغادرة نحو الماضي، لترسم لنا صورة (مريم) التي كانت تميل إلى التجارة حتى أصبحت إلى لحظة المقابلة مشغولة بأمر تجارتها التي تحولت الآن عن ما كانت عليه في الماضي تلك المتمثلة بدهشة الطفولة وولعها بمثلجات التوت التي حاولت (البطلة - الراوية) أن تسألها عن سر ذلك الطعم الفريد لقطع ماء التوت المثلج لكنها تجبن، لتحيله إلى حديث داخلي يقارن بين رائحة العطر ورائحة الطفولة.

ترتكز فعاليات سرد القصص لدى سهام العبودي على قاعدة الحكاية الإنسانية القديمة.. تلك التي تحاول دائما ومن خلال سردها، ولغتها الحية أن تقدم لنا خلاصة حكاية طويلة يعيشها الإنسان على نحو قصة (اثنان وسبعون متراً مربعاً.. حيث يعمد البطل إلى تقديم رؤية مقتضبة ومكثفة عن معاناة يومية لرجل يذيب جليد ضجره على هذا المقهى الذي يستحيل إلى موقع أو مكان مناسب لإحداث رواية ممكنة، إذ تبرع القاصة سهام في محاولتها التقاط هذه التفاصيل الحميمية ليوم كامل يداوم فيه الرجل الذهاب والإياب بين المقهى ومنزله.

فكل قصة من قصص هذه المجموعة تكون فضاء ممكنا لقيام سرد روائياً يؤصل حالة الحكاية المكثفة للمكابدة اليومية.. تلك التي تصلح لأن تكون وعياً عاماً بخطاب اجتماعي يستحق التدوين، والتأمل على نحو هذه المشاهد التي تقدمها (الكاتبة) كجزء مهم من رسالتها الإنسانية التي تستحق التسجيل لا سيما إذا كنا معبئين بشوق غامر لتلك الحكايات الوجدانية التي تسكن هواجسنا نحن أبناء الريف الذين تركناها لموجات الفراغ والغياب والإجداب العاطفي الذي ظل لعقود يشدنا إلى تلك العوالم الريفية المتناهية في بساطتها وإن حملت ألماً، والموغلة في عفويتها وإن سارت بمحاذاة الفاقة والعوز.. إنما هي محاولة من الكاتبة أن تسترد بعض تلك التفاصيل وهي عبر هذه المجموعة تبرع فعلا في استمالة ما يمكن استمالته من حكايات شيقة.

إشارة:

* خيط ضوء يستدق (قصص)

* سهام العبودي

* الأردن - عمان - 2004م

hrbda2000@hotmail.com لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة