الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 26th December,2005 العدد : 135

الأثنين 24 ,ذو القعدة 1426

(العاشقان)..
رواية حب تفيض ارتواء العاطفة1-2

في نهر الكلمات الخالد يجدف الأديب المبدع عبد الله جفري باحثاً عن ألق فاتن للحياة على الضفاف البعيدة هناك.. تلك التي نقول عنها دائماً إنها الحقيقة التي تعتلج فيها صراحة الإبداع، وتتعالق فيها قيم المتعة، وتراسلات الفائدة.
استهلال روائي في حكاية عاشقين يبدعان فتنة اللقاء الأول، ليرتشف كل منهما نمير وعد عاطفي يبحث عنه الإنسان ولا يستطيع الارتواء منه.. عاطفة متواثبة بما جاش من مفردات ولع هائم.. ذلك الذي يسكن قلب (علاء) الهائم في ثنايا وأعطاف وعد في الحضور نحو مظان الحبور.
استهلال رواية (العاشقان) يُبيِّن رغبة الأديب الكاتب عبد الله جفري في أن يمد جسور التّواصل مع شريحة عريضة من القراء الذين تعنيهم التفاصيل البسيطة، وتستميلهم مثل هذه الكتابة التي ينتهجها بشكل بارع..
(عالية) و(علاء) وجهان رامزان لحيثيات العلاقة الأزلية بين أقطاب الحياة برمتها، فعالية المرأة، وعلاء الرجل، في رمز ودلالات السمو والعلو لا سيما لحظة أن تتوج هذه العلاقة بوسام الحب، والعاطفة.
فالروائي الجفري وضع مدينة (باريس) مكاناً مناسباً لتفاعل الأحداث الأولى، فهو الذي يفكر وعلى نحو متقن بأن الحب لا يمكن له أن يزدهر ما لم يكن في مدينة مثل باريس.. تلك العاصمة الأوروبية التي تقارب في عشقها للجمال مع كل مشهد حالم يثير في الذات شهوة الحب الذي لا يُنسى.
فإلى جانب كون (الجفري) مبدعاً.. صار من خلال روايته (العاشقان) عَطَّاراً ماهراً ينشر من تعالق الورود روائح شذية تغمرنا بفيض ودها الحالم على نحو اللقاء الأول بين (عالية) و(علاء)، ذلك الوعد الذي تخلَّق من رغبة في الحب تشبه تماماً بحثنا عن الحياة.. بل إن واقع الحياة في الرواية هو سياق راعف من الحب يتلو صور الوداعة التي تحاذي برزخ الوجود.
في الرواية تظهر شخصية رديفة تلازم (علاء) كشاهد سيكون مهيأ لمعرفة أمر ما يصعب أن نكتشفه في هذا السياق، حتى نقف على حقيقة أن رفيق رحلته في البحث عن (عالية) هو (حامد) قد كشفه أمام ذاته، إذ وجده رجلاً رومانسياً حالماً لا يصلح لهذا الزمن الذي تكثر فيه الفجاجة، وتتسع معه فضاءات النرجسيات والأنانية التي بدأت تتكاثر في المجتمع بشكل لافت.
الروائي الجفري ينهل من معين حب عفوي لا ينضب، حينما يحوِّل الأمور إلى شواهد حية على موت كل ما هو تلقائي في العلاقات الإنسانية لا سيما علاقة الرجل بالمرأة، حيث تتنازعها أهواء متفاوتة بين (علاء) و(عالية) وتتجاذبها تيارات عدة يتمثَّل جلها في ذلك الصدع الواضح بين الصدق والادعاء لأن الطرفين في هذا الصراع كل يحتكم إلى وجهة نظر خاصة به، ويركن إلى رأي يرى أنه الحل المناسب لمعضلة العلاقة بينهما.
ويعمد (علاء) بوصفه البطل الرئيس في هذه الرواية إلى تضمين رؤيته منطلقات عاطفية صرفة لا تقبل الجدل العقلي أبداً.. فحينما يقابل (عالية) بعد تلهف عاصف يورد ما لا تريده هذه المرأة التي ترى أنها خُلقت لأن تعيش حرة على عكس ما يريده لها هذا العاشق الشرقي، حينما أعلن مطالبه للوهلة الأولى من اللقاء أنه يرنو إلى الحب الأبدي من خلال رابط الزواج، لكن هذه الرؤية لم تصل إلى مستوى القبول لدى المرأة فظل الواقع سجالاً بين حلم يشع وعداً بجمال الآتي.. وبين واقع بشري مشهد الحياة بوضوح ما تريده هذه المرأة التي ترى العلاقة بينهما على نحو آخر.
سَيْره في مفازة الوحدة لم يجعله في مشاحة الظمأ، إنما ظل مرتوياً بتلك الوعود التي تجسِّدها الرسائل بينهما قبل أن يلتقيا؛ إذ ظل كل واحد منهما وفياً للذكرى التي تختزنها لغة الكتابة العاطفية.
حينما يكتب عبد الله جفري عن الحب تكتشف عمق التجربة وبهاء الصورة، حيث تتجسَّد في نثر هذا العبق الفاتن على آثار حكاية شرقية تسترعي الانتباه.. فذلك هو (علاء) ابن المدن المغلَّفة بعتمة العلاقة وضباب الرؤية، وتردد الخطو حينما يهم في المسير نحو مواطن النور قرب (باريس)، وبياض الحلم، وانطلاقة البوح على نحو اندفاع (عالية) في التحرر من ربقة مطالبه أن تكون زوجة ولا كل الزوجات، فالتجريب العاطفي هو سيد الموقف في مسيرة الشخوص، ومنعرجات الأحداث في الرواية بشكل عام.
ظل البحر هو الشاهد الحقيقي على تفاصيل هذه العلاقة حينما قلَّص أدوار الشخوص الآخرين، حيث ظل الرجل ممثلاً بعلاء هو الذي يذكي نار الفاقة إلى العاطفة في وقت جاءت المرأة ممثلة بعالية متسرعة بما قد يحسب حباً وعاطفة لا تحتاج إلا إلى مزيد من التحرر والخروج عن أنماط ما عهد عليه الآخر على نحو ما تفتقت عنه قريحة علاء حينما عرض الزواج بعالية في جو قد لا يكون مناسباً.
وظَّف الروائي جفري وبأسلوب شيق فن أدب الرسائل؛ فحينما يجد أن المسافة قادرة على صنع هذا الفراق الأليم ظل يقدم للقارئ العديد من النماذج الإبداعية على نحو رسائل متبادلة بين (علاء) و(عالية) رغبة منه فيما يبدو في صنع جسر قوي من الكلمات فوق نهر العاطفة التي يأسر البطل على نحو فريد.. فلم يعد الجسر هو الممر، إنما أصبح هو القارب الذي يمخر عباب نهر العاطفة.. بل هو كل شيء جميل حول هذا الماء المتدفق بالمشاعر الجميلة والرؤى الناضجة.. تلك التي لا تقبل من العلاقة إلا جوهرها الأصيل في وقت ظلت المرأة تبرر هذا الرفض الذي سبب الألم لعلاء بأنه جزء من الواقع والصراحة التي لا يمكن - حسب رأيها - إلا أن تكون على هذا النحو.. في وقت تسير فيه نبرة الوداعة والألفة فيما بينهما داخل إطار ما تمَّ رسمه من علاقة مفترضة بينهما، تتخذ من المفردة الجميلة والمحلِّقة زادها حينما تغذ المسير نحو ذائقة القارئ.
فيما نحسبه تجليات لازمة ظل الكاتب يداوم على اقتفاء حساسية الخطاب الإنساني الذي ظل وفياً له.. بل ضخ فيه من روح الوداعة والطيبة ما يكفي لأن يحقق الكاتب هدفه الذي اختطه في الصفحات الأولى.. ذلك المتمثِّل في عرض صور عديدة لتنافس المشاعر بين ما يراه حقيقة الحب الخالد، وبين ما تراه المرأة المترعة في الما وراء العاطفة من تجليات لا علاقة لها بالحلم والخيال والتّمني.. وسنعرض لاحقاً أوج هذا التّلقي بين المشاعر المتسرِّعة على براري العاطفة، وتلك التي تضوع منها أنفاس الحب.. لينهل كل منهما (علاء) و(عالية) ما يرى أنه الأنسب له من عطر الحياة.


عبد الحفيظ الشمري

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved