الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 26th December,2005 العدد : 135

الأثنين 24 ,ذو القعدة 1426

استراحة داخل صومعة الفكر
حنانيك
عبدالعزيز محيي الدين خوجة
113صفحة من القطع المتوسط

(حنانيك بعض الشر أهون من بعض).. هل هذا يعنيه شاعرنا في شعره؟!.. لننتظر ونرى:
بداية قدَّم نفسه.. بدلاً من أن يقدم ديوانه.. لعله بمقدمته الشعرية اختصر المسافة، وقال لنا في عجالة (هذا شعري)..
من أنا؟ عمر خريفي حزين جفَّ زهري
فأنين الريح لحني
وأغاني الموت شعري
من أنا؟ ليل طويل
سرمدي لا يزول
ضاع فجري.. وصباحي
يا صديقي.. ضياعك الذي تحس به مؤشر يقظة لابد وأن تملي ما هو أجمل من خريفك الذي ذبل زهره على عتمة الليل ووحشته..
الفجر متجدد.. والصباح اشراقه واستشراقه بيقظة العالمين الحالمين بحياة أنبل.. لا تخف..
(وهل لي سواكَ) وهج إيماني أطلقته من مشعلك تتلاشى أمامه كل ضبابات الخوف والقلق والحيرة.. ألست القائل؟
أتيتك ربي بقلب منيب
لأرجو بعفوكَ محو ذنوبي
أجرُّ ورائي جبال شقائي
وأحمل وزري وكل ذنوبي
أتيتك ربي وقد جف قلبي
فهب لي الرواء لقلبي الجديب
إلى أن يقول في ابتهاله الشعري الجميل:
أريد الحياة. ومنك النجاة
وأنت الملاذ لكل القلوب
كلنا يا عزيزي نريد الحياة.. والحياة ساحة نحن نعمرها بخيرنا.. أو ندمرها بشرنا.. نحن بشر نملك ارادة البناء.. ورداءة الفناء..
شوق شاعرنا خوجة تمرد عليه.. هل أمكن له أن يعقل بعقال الطاعة؟!
بماذا أخط جوابي؟
فصبري ذوى من عذابي
وماذا أبوح إليك؟
وكيف أفسر ما بي؟
تمرد شوقي عليَّ
فضيَّع مني صوابي
وفاضت شجوني بقلبي
وحنَّ إليكِ شبابي
هل كبرتَ عليها من الحب؟ أم انها تكبَّرت عليك؟ إنه يسائلها.. يطالبها نداء الحنين والعيون لأنه يقضي وحدته في حاجة إلى من يؤنسه ويبدد عنه هواجس العزلة.. لم تجب عروس شعره لعلها مشغولة أو متشاغلة.. لا أدري.
قلب عاشقنا المتيم هوى في موج الحب.. وموج الحب يشبه موج البحر إنه رحيم أحيانا.. غاضب أحياناً إلى درجة الإغراق..
أمام شاطئ حبه قرأنا قصة الصراع الغامض:
من أنا؟ وهمٌ. خيال..
بل عذاب.. وضلال
وقيود من محال..
بهذه المواصفات أخشى على شاعرنا من الغرق بعد أن كسر المجاديف.. وألقى بنفسه في اليَمّ
كل شيء في حياتي فارغ مثل الخواء
يأكل الروح.. ويفنى كل معنى للبقاء!
ماذا أبقيتَ يا عزيزي من سبل النجاة كي تنجو؟ الألم يزرع قلبه الوحيد.. الغربة تلفه بردائها الأسود، الزهور، والجبال، والتلال توارت مشاهدها أمام عينيه..
من أنا؟!.. آهة حب
احرقت قلب العذارى
واحترقت أيضا بلهيب جنون الارتياب هذا ما انتزعته من توصيفك وتوظيفك لمفردات الاكتئاب.. قبل أن يتسلمك بحر الحب هيئ لقلبك شراع صمود.. وزورق نجاة.. ودع الريح تعوي كما شاءت.. والموج يلطم كما أراد.. شطر نجاتك في يدك وحبك في عقلك قبل أن يكون بكاء على الأطلال.. وأنت القادر يا شاعر الحب.. والأمل، والألم..
(كيف) مقطوعة قصيرة كبيرة في بيتين:
يا فؤادي كنتَ في صدري أميرا
مالكا للحب. جبارا قديرا
يا فؤادي كيف أصبحت حطاما
ثم اضحيت ذليلا مستجيرا؟
أنت تعرف.. وجميعنا نعرف أن من يملك مقود الحب لا يضيعه إلا بضياع مقوده.. كيف ضاع وانتَ الجبار القادر؟! كيف..؟!
(حنانيك) محطة جديدة في رحلة قطار الاستراحة..
أحقا سيبقى الربيع؟ وتمضي
حياة الزهور بدون جراح؟!
أنبقى - حبيبي - نغني صفانا
ونشدو هوانا بغير نواح؟!
إنه يتساءل في خوف وقلق:
حبيبي حنانيكَ إني أخاف
وأخشى على الحب غدر الرياح
أي الخوفين تخشى؟ خوف من يقول: (من خاف سَلِم).. أو خوف من يقول: (من خاف من علة قتلته؟) لعل خوفك خوف سلام وامن يلملم ما تباعد.. ويعيد المياه الصافية إلى مجاريها.. هكذا تلمست بارقة أمل في نفسك وهي تتحدث:
حنانيكَ حبي.. حنانيك عمري
حنانيكَ.. افديك بالمقلتين
واشعر بالشوق يخطو إليك
لألقي عليكَ ولو نظرتين
لأعرف إني سعيد بيومي
وان صباحي ضيا بسمتين
وان غرامي نور جديد
أراه تلألأ في الخافقين..
قلتَ كل ما عندك.. مشكلتنا معها ومعك إنها لم تنبس ببنت شفة.. هل انها خرساء؟ أم عاقة؟ أم خائفة؟!
(نجوى عيون).. ذكرتني مقطوعة العيون بذلك البيت الغزلي الرائع:
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
فهل قتلته عيون محبوبته اعجاباً.. أم هجراً؟ هذا هو السؤال..
إن تكن تدري بحبي
بالأحاسيس التي تسري بنفسي
بجنوني.. بشعوري في ثوان.
بين أنس.. ثم بؤس..
ما زلنا ننتظر المخرج والفرج.. فالأنس أطل بملامحه.. والبؤس أيضا أطل بتكشيرته.. أيهما ينتصر؟ إنه يخاطب حبه أو طيفه الجميل المتراقص في خياله:
هل تراني؟ هل ترى سحر بياني.؟
إنني أهواكَ فاقرأ يا حبيبي
في تعابيري افتتاني..
آه.. من حيرة قلبي في صراعي
بين حبي.. وابائي..
بين يأسي.. وشقائي
آن.. يا بدعة عمري
آن لي وقت الرحيل فوداعاً للرجاء!
ويختتم قصيدته بهذين البيتين وقد قطعت جهيزة بهما كل خطيب:
لا تقل شيئاً سأمضي يا حبيبي
رُبَّ قرب كل ما فيه ثنائي..
ورحل.. إلى قصة حب أخرى عنوانها (أحبك) ومن الحب ما قتل.. ومن الحب ما أذل.. ومن الحب ما أحيا وأعلَّ.. من مقطوعته الشعرية اجتزأت هذه الأبيات المعبرة:
أحبكِ حبا كريم السجايا
ندياً. نقياً. عفيفاً. طهور
أحبك حباً يفوق الخيال جهارا وسرا
ففيك رأيت الجمال بهيا أبيا وحرا..
وافق شنّ طبقة.. هو يبادلها نفس الصفات.. ويرى صفاته مجتمعة فيها.. إلا أن شاعرنا لم يأت على الختام لعله مسك..
قصائد شاعرنا في ديوانه ثرة.. ومساحة المادة بخيلة بحجمها.. وللضرورة سوف أتجاوز بعض مقطوعاته: (كم اداري) و(كفانا ما لقينا) ونتوقف معه أمام محطة (لا يا حب)
أيها الحب فؤادي يتحطم
كيف يشدو كخلي يترنم؟
فالأغاني في فؤادي باكيات
وضلوعي في سكون تتألم
أيها الحب حنانا لفؤادي
ليس في صدري حنين يتكلم
يبدو أنه ضاق ذرعاً بقصيده.. إن لم أقل قصده.. ماتت ابياته الوالهة العاشقة بين شفتيه.. خطابه دون صدى.. وعتابه دون جواب.. لهذا العناد المستبد آثر صدره ان لا يتكلم ربما رفضا.. أو احتجاجا.. أو تعبا.. أو كلها مجتمعة.. شاعرنا عاد والعود ليس بأحمد، فما زالت رسائله الشعرية إليها مهملة على الرغم من حرارتها.. ومرارة لوعتها:
انتظاري للجواب
ناره أقسى عذاب
يا حبيبي لا تدعني
فليكن حتى خطاب
قل به أي كلام
لو صدودا او عتاب
أي شيء يا حبيبي
ان قلبي في اضطراب
مظلوم قلبك وحبك يا عزيزي لأنه الأضعف الذي يستجدي الحب المتكبر القوي.. تماما كما نحن الضعفاء نستجدي حريتنا وحقوقنا من الأعداء دون محصلة.. الضعفاء منسيون لأنهم بدون..
من حقك بعد كل الذي جرى أن تسأم.. وليتك طلقت الحب من جانب واحد طلقات ثلاث لا رجعة فيها.
سئمت الحياة. سئمت الغرام
سئمت الجحود. سئمت الوفاء
سئمت الأماني. سئمت الأغاني
سئمت الفضاء. وسحر الضياء
سئمت الحبيب وزيف الحبيب
ومات الشعور ليوم اللقاء
هذا شيء جيد لو انه النهاية.. ليتك اخترتها خاتمة ديوانك لنخلص من الحب وشجونه.. بدلا من أن نعود إليه في وقفات قادمة من جديد..
هذه المرة يخاطب غرورها:
أترضى الغرور فتدمي إبائي
وتغني شبابي بمرِّ الجفاء؟
وتهدر عمري. وتلهو بقلبي
وتسلو العهود وتنسى وفائي؟
أتحيا حبيبتي بدمعي وذلي
وتشدو لكوني رهين الشقاءِ؟
حرام حبيبتي. فهذا غرامي
يمور اشتياقا بمجرى دمائي..
هذه معذبتك يا عزيزي.. إلى أن تثوب إلى رشدها وتبادلك حباً تقياً نقياً بحب.. (منك) أغنية غرام جديدة وجميلة مليئة بالأمل لأنها دون شكوى.. لا توسل فيها، ولا تسول معها:
أحبكِ حبا يفوق الغرام
ويسمو بعيداً وراء الستر
فمنك تعلمت لحن الحياة
ومعنى الوجود وسر الزهر
ومنك عرفت اصوغ الحروف
لهيبا يُحرق قلب البشر..
ترى من هي الملهمة؟! هل انها الحياة.. أم انها الأم.. أم انها شريكة الحياة؟ وهي الأحرى لدلالاتها الشعرية.
ومنكِ عرفت جمال المساء
تحرق شوقا يناجي القمر
ومنكِ شربت رحيق الغرام
سلافا من الوجه لا يستتر
ومنكِ سقيت كؤوس الحنان
بكف ندي وروح عطر
وينهي مقطوعته المشحونة حباً ووفاء بهذا البيت؟
فزيدي عذابي. وزيدي لهيبي
فحبي قضاء. وشوقي قدر
نِعمَ الحب.. ونعمت تلك الوفية التي اعطتك من حنانها بقدر ما أعطيتها من وفائك..
أمنية غالية وعزيزة تمناها شاعرنا عبدالعزيز خوجة.. لا تعجبوا.. إنها عودة الحياة لقلبه من جديد بعد أن تبلدت مشاعره ومات قلبه في زحمة التغيرات التي جعلته يتذكر الماضي ويترحم عليه:
تبلد حسي. ومات شعوري
وضاعت حياتي وراء القشور
فيا ليت شعري تعود الحياة
لقلبي. واصبو بلحن سروري
وليت أعود لعهدي القديم
أغني الوجود واسقي زهوري
أمنيات كلها نتمناها.. وتمناها قبلها طفل بدوي يرعى الغنم مع ابنة عمه التي أحبها وأحبته ورأى فيها شريكة حياته بعد أن يكبر.. وكبر الطفل.. شب عن الطوق.. ولأن الزواج يحتاج إلى مهر لا يملكه سافر على أمل العودة بالمهر ظناً منه انها تنتظره.. عاد الشاب والحياة تبرق في وجهه يحمل مهره.. لم يجدها في انتظاره.. زوجها أبوها من آخر يملك مهرا أكبر.. عاد حزينا إلى حيث أتى وعلى شفتيه شطران من الشعر قالهما في لوعة وحسرة..
صغيرين نرعى البهم يا ليتَ اثنا
إلى الآن لم نكبر. ولم تكبر البهم
(الحوار).. مع فاتنة مرت به كان شجيا نديا في بدايته.. قوياً أبياً في نهايته.. بدايته:
فتنة مرت بدربي
اشعلت نيران قلبي
عالم من كبرياء
قال لي: لا. لن ألبي
قلت في عطف (لماذا)؟
بعد أن حركت حبي
قال لي والدمع في عيني
جداول. لن أبالي!
قلت في نفسي أحاول
سوف أبقى في غرامي
ويبدأ العراك اللفظي في ساحة الحرب:
قال لي في ثورة هيا
تنح عن طريقي. أو أقاتل
ويبدو أنه تنحى عن طريقها دون حاجة إلى قتال.. أو قتل بأهداب العيون الحوراء..
شاعرنا استشعر ضميره يقظا فجاء اعترافه دون مواربة
أخاف عليك المسير بجنبي
فشوك الغرام كثير بدربي
أخاف عليك شقاء الفراق
فعمر الوفاء قصير بقلبي
فيوما تراني كطفل وديع
ويوما أبيع ضميري كذئب
قصائد أخرى نتجاوزها للضرورة (أمير القلوب) و(لماذا؟) و(آهة حبيسة) و(بقايا طائر) ونتوقف أمام عنوان لافت يعشق به شاعرنا الجمال.. ومن فينا لا يعشق الجمال.. الله جميل يحب الجمال. الجمال بجلاله وخصاله..
إلام على الحب ظلما إلام؟
وهذي الحياة عليه تقام؟
يقولون عني أسير الجمال
واني ضعيف أمام الغرام
ويستدرك في قصيدته:
فيا عصر هذا الزمان الغريب
قتلت القلوب فعز الوئام
أعيش حياتي لحب الجمال
وانشر عطري لكل الأنام
شاعرنا الصديق أخذنا معه إلى ملجأ الورد.. وملجأ الورد لطيف لا يخيف..
لِي الله أحمتني سهام تُقتِّلُ
رماني بها جفن من السحر أكحل
فباتت عيوني في سهاد مورق
أمِنْ نظرة ويلي فؤاد يجندلي
ألم تسمع مقولة (الحب من أول نظرة)..
وهانت على نفسي دموعي وحيرتي
وكل عذاب في هواهم يعلل
وما همني سهدي. وشوقي ولوعتي
وما همني زهدي يموت. ويذبل..
إذاً ماذا هَمَّ شاعرنا.. إنها العودة إلى بارئه يلتمس الهداية والغفران رامياً بنفسه في بحر عطائه.. وفي محيط رجائه:
الهي ورب الكون يا ملجأ الورى
اليك شكاتي إذ تنوح وتُشعل
برائي غرام لا سبيل لوصفه
وكل غرام في سواكم تُبذَّل
نقلة ايمانية أخذته من شط التغني بالحب الهارب إلى شاطئ الأمان.. ومرفأ الحب الذي لا يموت.. خيار كلنا في حاجة ماسة له..
وفي النهاية نختتم رحلتنا مع شاعرنا عبدالعزيز محيي الدين خوجة في ديوانه الجميل إطاراً ومضموناً (حنانيك) مع قصيدته (وداعاً) وكأنما كنا معه على موعد:
أيها الحب أيا سر حياتي ووجودي
بتُّ حزني ودموعي وسهادي وقيودي
بتُّ تسقيني عذابا. وكؤوس من جحود
أيها الحب وداعاً وسلاماً للوعود..
كنت لي يا حب لحناً. وحناناً في نشيدي
وما زال الحب لحنا في نشيدك ونوراً في حروفك.. ووفاء في قصيدك.. بالحب نفسه نودعك وداع محبة واعجاب.. ونستودعك معا نحو عطاء جديد متجدد.. ينتصر فيه الأمل على اليأس.. والوفاء على الجفاء.. والحب على الكراهية.. واليقين على الشك.. والشوق على الشوك.. الإنسان عقيدة وارادة.. وعطاء.


سعد البواردي
الرياض: ص.ب 231185 الرمز 11321 فاكس 2053338

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved