Culture Magazine Monday  27/08/2007 G Issue 213
فضاءات
الأثنين 14 ,شعبان 1428   العدد  213
 
ما بين غازي القصيبي وفاروق حسني!
سهام القحطاني

 

 

القاسم المشترك بين السيد غازي القصيبي والسيد فاروق حسني منظمة اليونسكو، فهل سيفشل فاروق حسني كما فشل غازي القصيبي في تولي منصب مدير عام لهذه المنظمة، أم سينجح ليصبح أول عربي يتولى هذا المنصب؟

وإن كنت أعتقد أن فاروق حسني أقرب للنجاح من الفشل، وقد يكون اعتقادي في غير محله.

والنجاح أقرب للسيد فاروق حسني من الفشل لأمور عديدة، منها ما يتعلق بشخص الدكتور فاروق حسني فهو ليبرالي متطرف وهو النموذج المحبب في ترشيحات كهذه؛ إذ قد يعتبرها البعض صفة تنويرية، إضافة إلى شهرته على مستوى الثقافة العالمية وعلاقاته السياسية المتشعبة، ويحظى بسمعة جيدة على مستوى الثقافة العالمية ودّعم مركز من قبل الحكومة المصرية، كما لا ينكر أحد أنه مثقف يملك كاريزما وذكاء ثقافيين ستجعله يخطط بمنهج رفيع المستوى لكسب المعركة، وخاصة أنها الفرصة الأخيرة له التي ستبقيه في دائرة الضوء بعد خروجه من الوزارة، وإثبات لأعدائه داخل المجتمع المصري بقدراته وقيمته كمشروع نهضوي متحرك، وهذا العامل أعتقد أنه مهم بحيث سيجعل السيد فاروق حسني يسلك كل المسارات ويجرب كل شيء للفوز في المعركة.

كما أن إنجازاته في مجال الثقافة المصرية ستدعم سيرته الثقافية وستدخله إلى عالم الدولية كمصمم وبان للمشروع النهضوي المجتمعي من خلال عمله كوزير للثقافة المصرية لأكثر من عشرين عاماً، رغم شعبيته التي بدأت تنخفض في المجتمع المصري لآرائه الليبرالية المتطرفة، لكنها لن تؤثر عليه.

وهناك ما يتعلق بالمجتمع المصري ذاته عبر ما يمتلكه من تاريخ ثقافي وحضاري عريق، وما قد ألفه الرأي العالمي من إنجازات مصرية على المستوى العالمي في مجال الفكر والسياسة والثقافة والعلم، فبفضل عمر الشريف وبطرس غالي ونجيب محفوظ وزويل ومحمد البرادعي والباز كل أولئك يرجع لهم الفضل في تواجد الثقافة والفكر والعلم المصري في ذهنية وثقافة المتلقي العالمي، وهو ما يجعل حتى المجتمع المحلي المصري يألف حضوره في التجربة الدولية بل ويعتبرها إنصافاً لقيمة تاريخه الثقافي والتاريخي والفكري واعترافاً عالمياً بدوره في الشراكة الثقافية العالمية التي منحت بطرس غالي منصباً دولياً، ونجيب محفوظ وزويل جائزة نوبل العالمية، وهو ما يعني أن تكرار التجارب يقرّب المسافة، وإن اختلفت نوعيتها، لكن يجب استثمار هذه الورقة الرابحة كما ينبغي.

ولا ننكر أن التكثيف الإعلامي والفني والسياحي، له أثر في معارك وترشيحات كهذه؛ لأنه يجعل المجتمع الذي يمثله المرشح قريباً من قلب وعقل المتلقي العالمي ومعروفاً لديه، مع عدم إغفال الحسابات السياسية بما فيها إبراز التجربة الديمقراطية والعلمانية المصرية ودورها السياسي في قضية السلام أو الاستسلام وهي من الأشياء التي تحرّك كل الظواهر من تحت الطاولة، وكل تلك الأمور سوف تُدعم موقف السيد فاروق حسني وتقربه من الفوز.

وقد يستفسر البعض: لماذا لم تخدم الأمور السابقة المرشح المصري الدكتور إسماعيل سراج الدين الذي خاض انتخابات الترشيح مع الدكتور غازي القصيبي؟

وقد يكون سبب ذلك وجود مرشحين عربيين مما قسمت بموجبه الأصوات، ولعل تفادي سبب الهزيمة هذا هو ما جعل الدكتور فاروق حسني يطلب من الدول العربية الاتفاق على مرشح واحد لقطع الطريق على أمريكا اللاتينية لتولي هذا المنصب؛ لأن وجود مرشح عربي واحد يضمن الحصول على أكبر عدد من الأصوات، وقد يكون السبب لفقدانه الكاريزما والذكاء الثقافيين المطلوبين في المرشح، وقد يكون سوء التخطيط، أي أمور أحسبها تتعلق بذات الشخص، وقد تكون هناك أسباب غابت عني، لكن ما أنا متأكدة منه، أن فاروق حسني يختلف عن إسماعيل سراج الدين، وهو أمر في غاية الأهمية في هذه المعركة.

أما فيما يتعلق بفشل الدكتور القصيبي فأسبابه كثيرة تخرج أغلبها عن إرادته. لا شك أننا جميعاً نتفق - المؤيد له وغير المؤيد - على أن الدكتور غازي القضيبي رجل استثنائي وسيظل كذلك، وهو يملك أيضاً كاريزما وذكاء ثقافيين، ولو كان القصيبي غير سعودي لفاز بهذا المنصب بكل بساطة!

وفشله يعود إلى طبيعة المجتمع السعودي الذي ينتمي إليه ويمثله؛ لأنه مجتمع لا يملك أي مشروع ثقافي مشهور ولا يملك أي منجز نهضوي يشارك به من خلاله في تطور التجربة الإنسانية العالمية، ولا يملك تاريخاً ثقافياً مؤثراً في الثقافة العالمية، ولا يملك دوراً وموقفاً يؤثران في الرأي والقرار العالميين. ولأنه يمثل مجتمعاً ينظر إليه الرأي العالمي بأنه مجتمع سيئ السمعة لغياب التجربة الديمقراطية وحقوق الإنسان، بأنه متطرف دينياً ومستهلِك من الدرجة الأولى، أو كما يتصور الرأي العالمي.

وهذه السيرة الذاتية للمجتمع السعودي هي التي أفشلت القصيبي وستُفشل أي سعودي يرشح لأي منصب دولي ما لم يتغير المجتمع؛ لأن منافسات كهذه لمناصب دولية كهذه لها تأثيرها المباشر في الرأي العام العالمي، تحددها قيمة المجتمع من خلال مشاريعه الثقافية المشهورة والإنجازات النهضوية المُضيفة للتجربة الإنسانية في كليتها، وفاعلية التجربة الديمقراطية وحرية الرأي، إضافة إلى دسامة التاريخ الثقافي للمجتمع والدور السياسي الذي يلعبه ذلك المجتمع وفق القوة التي يملكها ونسبة تأثيرها في صياغة أو حركة القرار العالمي؛ فالمناصب الدولية هي حسابات سياسية في المقام الأول، ويخطئ من يظن غير ذلك، أو هكذا أعتقد.

ففوز الفرد بهذا المنصب هو فوز لسياسة الدولة التي يمثلها الفرد، وإقرار بقيمة المشروع النهضوي لذلك المجتمع، والأمر الآخر والمهم أن المجتمع الذي يمثله الفائز لا بد أن تكون تجربته الثقافية والفكرية تجربة نموذجية؛ فليس من المعقول أن ترشح رجلاً ليصبح مديراً لمدرسة وأبناؤه مجرمون ومتشردون ومنحرفون وجهلة، هكذا تبدو المسألة؛ أي أن الفرد الفائز يصبح ممثلاً لتجربة مجتمعه، لا ممثلاً لذاته.

وهنا تتراجع قيمة الفرد كمشروع نهضوي ذاتي مقابل القيمة النهضوية للمجتمع ثقافياً وسياسياً واقتصادياً وتاريخياً، أو لنقل أن المؤهلات الفردية لا تمثل سوى خمسين بالمائة أو أقل في نجاح الفرد المرشح للمناصب الدولية، وباقي المائة تمثلها قيمة المجتمع الثقافية في الرأي العالمي والسيرة الذاتية المميزة التي يكتسبها من خلال خصوصية تاريخه وعراقة حضارته ومنجزاته في تجربة الشراكة العالمية، وثقل دولته في ميزان صناعة القرار العالمي، وجودة التخطيط في مواجهة المنافسة.

ولهذا كان يجب النظر إلى المنافسة من الزاوية الصحيحة أو الأقرب إلى الصحة؛ أي المقارنة بين التاريخ الثقافي والمشروع النهضوي السعوديين وبين التاريخ الثقافي والمشروع النهضوي اليابانيين، طبعاً وقبلهما التاريخ الثقافي لكلا المجتمعين، وأهمية وقيمة وقوة الدور السياسي، الذي تضعه في اعتبارها الدول الداعمة للمرشح ومستوى الفائدة التي ستربحها من خلال دعمها لذلك المرشح؛ لأن المسألة كما ذكرت سابقاً حسابات سياسية.

على العموم هذه النقطة ليست مركز المسألة التي أريد الحديث عنها، وإن كانت مهمة لتسهيل الرؤية، لكن مركز المسألة: هل المثقف والمفكر السعوديان اليوم يستطيعان الوصول إلى أي منصب أو جائزة دولية؟ وبصياغة أخرى: هل التجربة الثقافية والفكرية السعودية اليوم مؤهلة للوصول لأي منصب أو جائزة دولية؟ والإجابة عن هذين السؤالين لها حديث آخر.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244

seham_h_a@hotmail.coة - جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة