Culture Magazine Monday  27/08/2007 G Issue 213
فضاءات
الأثنين 14 ,شعبان 1428   العدد  213
 
حكايات
من البدايات!
محمد أحمد بن الشدي

 

 

كانت البداية كخيط رفيع من الضوء ينعكس على مرآة النفس فيتولد ذلك النوع من الشغف الطفولي بكل جديد ومدهش. كنت كغيري من زملائي الطلبة نقف طويلاً أمام الصحف الحائطية المدرسية نقرأ ما يكتبه الأساتذة وننظر بإعجاب إلى الطلبة الأكبر منا سناً وهم يكتبون هذه الصحف الحائطية، ويعلقونها على جدران المدرسة من الداخل.. ورغم أن تلك الصحف كانت متواضعة وتنفذ بإمكانات قليلة إلا أنها كانت تشتمل على مقتطفات أدبية وقصائد شعرية، ومأثورات وبعض الحكم والأمثال، إضافة إلى ما تقوم به المدرسة من نشاطات عديدة؛ رياضية، وثقافية. كان مدرس مادة التعبير في المدرسة الفيصلية بالرياض يراقب اهتماماتنا الصغيرة والصحف المدرسية، ولم أصدق نفسي حين أقبل عليَّ بعض الزملاء من فصلي ليبلغوني أن اسمي مكتوب في إحدى صحف الحائط. ودهشت كثيراً عندما تأكدت من ذلك، فقد اختار مدرس مادة التعبير موضوعاً إنشائياً كنت قد كتبته عن (حب الوطن) فامتلأت نفسي سروراً وشعرت بشيء من الثقة والزهو.

لقد كان في بيتنا مكان للكلمة منذ القدم، فوالدي طالب علم ومعلم.. ومن هنا كانت البداية وبدأت هذه البذرة تنمو، فاخترت أنا وأخي مادة صحفية وأدبية وأبياتاً شعرية وهي مادة مشابهة لتلك التي كانت تُنشر في صحف الحائط، ثم كتبنا هذه المواد على قطعة كبيرة بيضاء من الكرتون المقوى قسمناها إلى حقول وزخرفنا جوانبها بالألوان والرسوم وعلقناها في المجلس في بيتنا بالرياض بمجلة (القرينين)، وحدث أن زارنا جار لنا وقريب اسمه سالم بن نوح فاطلع على هذه الصحيفة، وأعجب بها وبمادتها، فقال لوالدي إن أولادك (سوف) يصبحون من الكتاب أو الصحفيين في يوم من الأيام؛ لأن هذه الصحيفة دليل وعي ونضوج مبكر، ثم نادانا وأثنى علينا وشجعنا مع الوالد، فأصبحنا لا نقضي أوقات فراغنا إلا في القراءة وفي عمل صحف الحائط وتزويقها، واختيار موادها إضافة إلى ما نكتبه فيها من مواضيع وأفكار. ثم أصبحنا نشارك في عمل صحف المدرسة برغبة ونشاط وباستمرار.. ثم بدأنا مرحلة أخرى وهي شراء الجرائد وبعض المجلات، وخاصة المجلات المصرية التي كانت تباع في المكتبات.. ودخلنا عالماً أوسع حتى صار شراء المجلات والكتب والقصص هاجساً من هواجسنا الدائمة، زد على ذلك أننا قد قرأنا كثيراً من أمهات الكتب التي تزخر بها مكتبة والدنا (رحمه الله). كنا في ذلك الوقت نقف على عتبة الشباب؛ والشباب هو تطلع وعنفوان وطموح، صرنا نكتب كتابات متطورة وقريبة ممّا نقرأه في المجلات، لكن الأمنية الكبرى هو أن تنشر لنا هذه المجلات والصحف، وأن نرى أسماءنا مطبوعة تحت مقالاتنا.

فالحرف المطبوع أكثر تأثيراً في العين والنفس.

وقبل كل شيء لا بد أن أنوه وأعترف لأهل الفضل من أساتذتي الذين فتحوا لي أبواب الصحافة والذين علموني، ومنهم: الأستاذ الأديب عبدالله بن إدريس الذي درسني في الابتدائية، وحمد الجاسر - رحمه الله - الذي دعاني للكتابة في اليمامة، وأحمد السباعي - رحمه الله - وعبدالله بن خميس، وعبدالكريم الجهيمان، وهشام حافظ، وعمران العمران.. أخذوا بيدي في الصحافة.. وفي عام 1378هـ أرسلت موضوعاً صغيراً إلى اليمامة الأسبوعية التي كان يرأس تحريرها أستاذنا الشيخ حمد الجاسر، وكان الأخ سعد البواردي هو الموجود في الصحيفة ونشر المقال في اليمامة بعنوان: (نحن كما يجب أن نكون) وكانت بداية القطر. ثم بدأت أنشر في جريدة القصيم التي كان يصدرها الأستاذ عبدالله الصانع، وفي قريش التي كان يصدرها بمكة المكرمة الأستاذ أحمد السباعي أحب الناس جميعاً، وكذلك الجزيرة في الرياض بعد صدورها واستهواني العمل الصحفي فعملت في مكتب جريدة المدينة بالرياض بصفتي صحفياً غير متفرغ عام 1385هـ.

وبعد عملي في مكتب المدينة اكتشفت أن مهنة الصحافة على الرغم من متاعبها وهمومها إلا أنها مهنة لذيذة تمنح الإنسان كثيراً من التجدد والمسؤولية والشهرة أيضاً، وتتيح لهاويها أن يتحرك ويتعرف على كثير من الأمور والشخصيات المرموقة، ويحتك بها ويسير أغوارها، علاوة على أن العمل في الصحافة يدفع إلى الاطلاع والقراءة والمواكبة والخدمة العامة، ومعرفة ما يدور محلياً وفي المجتمعات الخارجية، وهي أيضاً وقبل كل شيء خدمة وطنية عظيمة. وعندما ذهبت إلى بيروت في زيارة استجمامية اكتشفت أننا لا نزال في مراحلنا الصحفية الأولى، وأن بيروت عبارة عن مكتبة فالتقيت عدداً من الصحفيين والأدباء الذين أفادتني صحبتهم ومعرفتهم إلى حد بعيد، وعرفت أن هناك صحافة أدبية راقية عندما زرت دار الآداب والتقيت الدكتور سهيل إدريس الذي رحب بي وأهداني مجموعة من مجلة الآداب وبعض الكتب المترجمة التي كانت تصدر عن دار الآداب، وكانت أغلب هذه الكتب لسارتر وسمون دي بفوار والبيركامو، وبعض المفكرين والكتاب العرب. واستغرقت أنا قارئ طه حسين والعقاد وتيمور في القراءة الجديدة وغرقت في قراءة مجلة الآداب، وهذه الكتب فإذا بي أُلِمُّ بعالم زاخر مليء بالأفكار والآراء والاتجاهات الأدبية، كان فيها حقيقة أفكار سامية وإلى جانبها اتجاهات غريبة لا تتناسب مع تفكيرنا وتقاليدنا العربية والإسلامية المحافظة.. ولكني أحمد الله فقد كنت على جانب من الإدراك والنضوح.

أما مجلة الآداب فقد كانت تتألق بها أسماء كبار الأدباء في الوطن العربي كالسياب، وعبدالمعطي حجازي، وصلاح عبدالصبور، وجورج طرابيش، ونازك الملائكة، وفدوي طوقان وغيرهم من الشعراء والأدباء والنقاد الذين أثروا فيَّ كثيراً.

وعندما أعود بذاكرتي إلى تلك الأيام ابتسم من محاولتي الشعرية، حيث نظمت بعض المقطوعات الشعرية نشرت بعضها في المدينة واليمامة بأسماء مستعارة، ولكني لم أتابع لأنه كما يقال: (الشعر صعب وطويل سلمه)، وكتبت القصة أيضاً ونشرت منها في الجزيرة والمجلة وفي بعض المجلات المتخصصة، مثل: مجلة المالية والاقتصاد التي جمعتني مع نخبة ممتازة من الكتاب أمثال الدكتور إبراهيم العواجي والأستاذ الصديق يوسف الكويليت، والأخ عبدالله القباع، ورئيس تحريرها الأستاذ عبدالكريم الجهيمان وغيرهم من الإخوة.. وفي مجلة حماة الوطن وكان يرأس تحريرها الأستاذ فهد العريفي - رحمه الله - وعرفت أن مجالي الحقيقي هو مجال الصحافة.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال،أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«5064» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة