Culture Magazine Monday  27/08/2007 G Issue 213
فضاءات
الأثنين 14 ,شعبان 1428   العدد  213
 
حقيبة سفر (3)
ميرا الكعبي

 

 

الجميل في رحلات السفر الجوية الطويلة تلك العلاقة الجميلة أو الصداقة المبطنة بالصدفة، التي تقودنا إليها الأقدار بيننا وبين أشخاص يجاوروننا في المقاعد، ولا نجد حينها مفراً لدفع الملل سوى بالحديث معهم؛ فتأخذنا عجلة الحوار بتواطؤ جميل نحو صداقة.

من دبي حتى لندن.. تبدأ رحلتي الأولى. دخلت الطائرة ثم عثرت على مقعدي فيها، وجلست، ثم أخرجت من حقيبتي الكتيبات، منها: (الدعاء المستجاب) و(الحصن الحصين)، التي أعطتني إياها والدتي - حفظها الله - وأخذت أقرأ فيها ريثما تقلع الطائرة، وهذه كانت وصيتها. في هذه الأثناء جلست إلى جواري سيدة تبدو في الأربعينيات عرفت منها لاحقاً أنها بريطانية من أصل ألماني وتعمل في شركة في دبي. حييت السيدة ثم أخذنا نتجاذب أطراف الحديث. سألتني فيما بعد: ماذا كنت تقرئين؟ فأجبتها: إنها كتب أدعية وصلوات؛ فسألتني: يعني ماذا؟ هل هي أناشيد أو تراتيل؟ فوضحت لها: لا، بل هي أدعية تطلب الحماية والحفظ من الله، وتجلب الرزق والتوفيق في الحياة.

أقلعت الطائرة - بحفظ من الله - ونحن ما زلنا نتجاذب أطراف الحديث. عرفت منها أنها تعمل في شركة أمن في مدينة دبي الإعلامية؛ فسألتها مشاكسة: يعني ماذا؟ هل أنت بودي جارد Body Guard ؟! فأجابت بأن عملها في الإدارة حيث إن الشركة تعمل على توفير طاقم أمن لوفود الشركات أو الأشخاص الذين يزورون أماكن لا يستتب فيها الأمن مثل العراق وغيره؛ فقلت لها مشاكسة مرة أخرى: هل تساعديني لاحقاً في الحصول على عمل؟ رحبت بالفكرة وقالت: أنت صديقتي، وبالتأكيد سأساعدك في العمل لو أردت، ثم أخذت تسألني باهتمام عن وجهتي وهدفي من الدراسة، فأخبرتها بأني متجهة إلى واشنطن حيث سأبقى هنالك يومين ثم أتابع إلى وجهتي حيث أدرس في Edmond بولاية Oklahoma، حيث سأمكث هنالك لدراسة اللغة الإنجليزية ثم سأنتقل لاحقاً إلى مكان أخرى لمواصلة دراسة الماجستير في القانون؛ فردت عليّ بتعجب: لكنك تتحدثين الإنجليزية بشكل جيد؟! فقلت لها: ربما.. لا أعرف، لكن دراسة القانون تعتمد على اللغة بشكل كبير. سألتني مرة أخرى بتعجب: أليس غريباً كونك سعودية أن تسافري وحدك وتدرسي في تخصصات غير متاحة للنساء في بلدكم؟ أليس لديكم تحفظ؟ لقد سمعت أن هنالك قوانين صارمة! فأجبتها: الأمر ليس تماماً كما يبدو لكم بهذه الصورة؛ فجزء من هذه الفكرة اقتبس عن وضع المرأة في مجتمعاتنا في الماضي، لكن الآن الوضع قد تغير الآن، ثم إنه يصعب التعميم؛ لأن الأمر أولاً وأخيراً يعتبر تجربة شخصية ويعتمد على شخصية كل فتاة على حدة.

بعد ذلك صارت تحكي لي نكات عن سكان المدينة الRed Necks التي سوف أرحل لها، فسألتني: هل تعرفين لماذا يسمون بذلك؟ فقلت لها: لا، فأجابت: لأنهم مفرطون في البدانة، وصارت تضحك! وبعد أحاديث مختلفة قلت لها: تصبحين على خير، وأغمضت عيني كي أنام ريثما نصل إلى لندن. وحينما وصلنا تبادلنا العناوين وودعتها ونزلت إلى المطار من أجل تغيير الطائرة، ولكن على ذات الخطوط ستتجه إلى واشنطن. وأنا هنالك صادفتني مشكلة، وهي أن حقيبة اللاب توب الأحمر كانت ثقيلة جداً بالنسبة لي، وتعلمت درساً حينما أشتري لاب توب أن عليّ حينها أن أفكر بوزنه وليس لونه! كانت المسافة لا تزال طويلة جداً وعليّ أن أصف في (سرى) طويل وبطيء حتى أنتهي من الإجراءات الروتينية؛ ومن ثم أتمكن من الدخول إلى Terminal 4 حيث بوابة الرحلة التالية.

لمحت شابين عرببين؛ فقررت أن أصف خلفهما لحاجة في نفس يعقوب! ما أن التفت أحدهما حتى عرض حمل الحقيبة، لكنني شكرته ورفضت، ثم شعرت بالندم، ثم عرضت عليه أن يحملها إن أراد فلا مانع لدي! وحملها وصمت، ومضى نصف الوقت، وهو كذلك. وفي تلك الأثناء كان حواري المقتضب معه بالإنجليزية، وقد حدست من لهجته وبعض كلماته الفرنسية أنهما من المغرب العربي. صادف أن قلت له: شكراً بعد ذلك حينما ناولني الحقيبة مرة أخرى. وهنا استغرب أنني عربية، وتساءل: لماذا لا تتكلمين بالعربية؟! وبعد ذلك عرفت منه أنه (مدرب حياة)، وأنه كان قادماً من دورة في الهند كان أحد أساتذتها، وأنه عائد إلى المغرب. ما أن عرفت ذلك حتى تحمست للحوار خاصة أن لديّ اهتماماً بمواضيع مشابهة للتأمل والتنويم المغناطيسي؛ فأخرج لي عدته الخاصة بالتنويم المغناطيسي وأشياء كان قد أحضرها من الهند، وتطور الحديث وتشعب، وقد كانت مصادفة أنني أحمل في حقيبتي أيضاً كتاباً صغيراً للتأمل لكاتبة أمريكية، وقد أخبرني بأنه قد أعطى دروساً في عدة دول، وعن أساتذته الذين تلقى منهم التعليم ومنهم أستاذ هندي شهير. وأثناء الحديث مضت ثلاث ساعات، وكنا قد وصلنا إلى مفترق طرق وموعد إقلاع طائرتي قد حان؛ فاستأذنت منه للمغادرة إلى حيث البوابة، فقال لي: مهلاً، وقد أخرج علبة من إحدى حقائبه وفيها سلاسل وعقود متنوعة وقدمها لي قائلاً إن من عادته حينما يتعرف بأصدقاء جدد أن يقدم لهم إحدى هذه السلاسل كتذكار من أجل أن يحتفظوا بذكرى جميلة عنه. في هذه الأثناء وهو يقدم لي العلبة بما فيها لاحظت تلفت المارة والحضور إلينا وتعلق نظراتهم بالمشهد؛ فأخذت بخجل عقداً من العلبة، وقلت له مشاكسة: يبدو أن صديقاتك كثيرات! وضحكت، ومضيت.

- الولايات المتحدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة