Culture Magazine Monday  29/01/2007 G Issue 184
فضاءات
الأثنين 10 ,محرم 1428   العدد  184
 

رداً على الدكتور مرزوق بن تنباك «3»
بالدليل.. الكتاب وما فيه باطل
محمد عامر الفتحي

 

 

رابعاً: وهذا من أغرب ما يأتي به الدكتور - وما أكثر الغرائب عنده - زاعماً أنه ينقض قراءتي لكتابه.. فهو يعلق على استدلالي بالحديث الشريف (من ستر مؤمناً كان كمن أحيا موءودة من قبرها).. بقول من أغرب الأقوال إذ يقول: (ثم سنختم الحديث عن ملاحظاتنا على الحلقة الأولى من (نحو قراءة متزنة للنقد العربي الحديث) التي سطرها قلم أخينا الأستاذ محمد العامر الفتحي بآخر ما ختم به تلك الحلقة وهو الحديث (من ستر مؤمناً كمن أحيا موءودة من قبرها) وإيراد هذا الحديث يدل على أن الأستاذ محمد لم يقرأ الكتاب بتمعن وإلا لوجد أن المؤلف قال في الصفحة 154 ما ننقله بكامله بالحرف الواحد: (وفي سنن أبي داود حديث نصه (من رأى عورة فسترها كمن أحيا موءودة) وهو نص شاهد آخر على أن المراد هي النفس التي يؤجر محييها، ومعناه واضح أيضاً، وتفسيره لا يحتاج إلى تأويل، وهو أمر سهل الفهم لمن ألقى السمع)!

لكن هذا المعنى الذي يقول الدكتور إنه واضح وسهل، يتعثر فيه غير مرة، ويناقشني في استدراكي عليه فيخرج عن الدرب قاصدا، وينظر لما أورتُ فلا يكاد يرى منه إلا ما يشاء.. ها هو الدكتور يقول: (وهو أن الحديث يحث على عمل يؤجر عليه فاعله في الإسلام والوأد لو صح عادة جاهلية انقطعت بنزول القرآن، وتحريمه القتل لكل نفس إلا بحقها. فيكون الحديث هنا لا معنى له لأنه لا توجد موءودة يحييها ويطلب أجرها المسلم الذي وجه إليه الكلام يحثه على الإحسان إلى الناس وستر عوراتهم، لينال الأجر بذلك)! ويزيد الدكتور فيقول: (هذه جملة طويلة نقلناها نصاً من الكتاب: فقد أورد المؤلف الحديث مستشهداً به، وأوردته أنت مضيفاً للمؤلف فائدة أخرى وحجة له أقوى فقد ذكرت نص الحديث (من ستر مؤمناً كان كمن أحيا موءودة من قبرها). إذ نصصت في روايتك على صفة المستور عليه وهو المؤمن.

إذن الحديث موجه للمسلمين المؤمنين فأين يجد المؤمن الساتر الأجر مع انقطاع الوأد في الإسلام. ولا توجد موءودة بمعنى البنت يحييها ليكسب أجرها فهل ترى الحديث يطلب المستحيل لكسب الأجر، والنفس توضع في القبر ولا تُلقى في العراء. إن كنتُ قد فهمتُ ما أردتَ (إذن الحديث موجه للمسلمين المؤمنين فأين يجد المؤمن الساتر الأجر مع انقطاع الوأد في الإسلام).!

وأنا أريدك عزيزي القارئ أن تقف مع فهم الدكتور للحديث وقفات:

الأولى: أنه من الواضح أن الدكتور يفهم أن أجر المؤمن حين يستر مؤمناً آخر متعلق بمسألة أخرى لا علاقة لها بالقضية من أساسها، أعني مسألة الوأد التي يرفضها الدكتور، وعلى هذا ففي ظن الدكتور أن المؤمن الذي ستر مؤمنا سيبقى بلا أجر ما دام أن المشبه به غير موجود!.

والثانية: وهي أغرب وأكثر دفعاً بالقارئ في دروب الحيرة، حيث نجده يقول ردا عليّ حين تساءلت عن قرينة (من قبرها) الواردة في الحديث، ورأيت أنا أن ذكر القبر دليل على أن الوأد حقيقي بقوله: ((أما القبر الذي لم يورده المؤلف وأوردته أنت فهو دليل للمؤلف الذي يزعم أن الموءودة هي النفس والحديث شاهد له وليس لك؛ لأن النفس هي المقصودة هنا في الإسلام إذ يستحيل شرعاً وعقلاً أن يطالب المؤمن بعمل عمل انقطع بعد الإسلام.. والنفس توضع في القبر ولا تُلقى في العراء. إن كنتُ قد فهمتُ ما أردتَ)) !

هكذا يرى الدكتور الحديث كما يقول شاهدا له لا لي.. أما كيف؟ فانظروا واحكموا!

1 - يقول: إنه يستحيل شرعاً وعقلاً أن يطالب المؤمن بعمل عمل انقطع بعد الإسلام، وأنا أقول بكل بساطة: إن المؤمن لم يطالب بالوأد ولا بالاستنقاذ، وإنما طولب بالستر على أخيه المؤمن فهل هذا عمل انقطع بعد الإسلام؟!.

2 - وأغرب من هذا أن يقول إن النفس توضع في القبر ولا تلقى في العراء!

والحق أنني لم أكن أتصور أن الدكتور يظن أن النفس وليس الجسد هو ما يتم التعامل معه سواء بالدفن أو بالإلقاء في العراء!

إلا إذا كان الدكتور يجعل الجسد بمعنى النفس، فعندها سيحق لي أن أقول له بأنه يهدم ما تبقى من أركان نظريته.. في حال كونه ما زال يظن أنه بقي منها شيء!.

خامساً: يقول الدكتور ((ولم يورد المؤلف أن الله غلب المرأة كما ذكر أخونا الفتحي بالنص (كيف حاك في صدر الدكتور - يعني مؤلف الكتاب - أن الله غلب المرأة مراعاة لميل الناس إلى الذكر هذا قول لم يرد في الكتاب) ثم يقول (وسأنقل ما جاء في الكتاب إبراءً للذمة يقول المؤلف (وحين نقرأ ما تقرره الشريعة، نجد - مثلاً - أن الإرث للأنثى نصف ما للذكر إذا استويا في القرابة - الابن، البنت -، بل حتى فيما هو من الشعائر الظاهرة، على سبيل المثال تكون العقيقة شاة واحدة للبنت، وشاتين للذكر؛ ومثل ذلك الدية، فدية المرأة نصف دية الرجل، ولا يمكن أن نشك بعدالة الإسلام وشعائره، ولا اعتراض على مراد التشريع وحكمته، وإنما جاء ذلك لما يعلمه الله من ميل الناس للابن من الولد خاصة وتفضيلهم الابن عن البنت في كل الأحوال) ثم يعلق بقوله (فالمؤلف - يعني نفسه - دقيق في عرضه عندما قال الشريعة والتشريع ولم يقل القرآن أو الدين، ولا قال إن الله غلب المرأة كما قوَّلته أنت ذلك)!.

هكذا يتهمني بأنني قولته ما لم يقل.. ويدعي أنه قال الشريعة ولم يقل الدين.. وسأدع لكم تفسير قوله ((وإنما جاء ذلك لما يعلمه الله من ميل الناس للابن من الولد خاصة وتفضيلهم الابن عن البنت في كل الأحوال)! فقط أعيد عليكم قوله (لما يعلمه الله....) !

سادساً: يقول الدكتور ((وسادس المزالق التي يوردها الأستاذ محمد العامر الفتحي فتح الله عليه برحابة الصدر واطمئنان البال هو قوله: (يورد الدكتور - يعني مؤلف الكتاب - قصة يرى أنها تبين بطلان ما قيل عن قيس بن عاصم من الوأد، تلك القصة التي لم يوردها كاملة لأن في إيرادها كاملة ما يكشف زيفها)، هكذا يقول أخونا الفتحي ولكن المؤلف أورد القصة كاملة في صفحة 13 من الكتاب))!

وأنا ما زلت أقول بأن الدكتور لم يوردها كاملة، لا في صفحة 13 ولا في غيرها.. والدكتور يعلم ما أريده حين أقول ذلك.. ولك عزيزي القارئ أن تبحث في كل أسطر الكتاب، فإن وجدت أهم ركن في هذه القصة فأخبرني عنه لأعتذر للدكتور.

إنني أتحدث عن العبارة التالية في قصة قيس بن عاصم (فما حل حبوته، ولا قام من مكانه، ولا قطع حديثه) وهي العبارة التي أغفلها الدكتور، وركبت أنا عليها استنتاجاً منطقياً يقول: إن كان قيس بهذه القسوة بحيث لا يتحرك وهو يرى ابنه مضرجا بدمائه، فليس غريباً ألا يتحرك وهو يرى ابنته توأد.. وأنت أخي القارئ الكريم ألا ترى ذلك؟

ثم ألا ترى أن الدكتور يدعي ورودها وهي لم ترد، وألا ترى أنه لم يناقش ما أوردته حولها؟

نعم لم يورد القصة الكاملة التي تبين - لو صدقت - مقدار القسوة التي يراها الدكتور حلماً، إنني ما زلت أردد أنه أخفى وصف الأحنف لقيس بأنه (لم يفك حبوته ولم يقم من مكانه) لأنها لم ترد في الكتاب أبداً، ولأنني أريد من الدكتور أن يعترف لي بصواب الاستنتاج حين يتذكر أنه كان على قيس أن يتألم لمقتل ولده، وأن تأخذه شفقة الأب، وأن يقطع حديثه ليسترجع على الأقل، وأن يحل حبوته ليودع فلذة كبده، ثم ليعترف لي بصواب استنتاجي الآخر حين قلت: إن رجلاً من القسوة بهذا الحال - بعد إسلامه - لحقيق بأن يكون أشد قسوة على البنات في جاهليته!.

ما زلت أصرخ هنا لألفت انتباهكم إلى تجني الدكتور على الحقيقة حين يهمل نقاش هذه النقطة ليقول بكل بساطة (ولكنه أوردها في ص 13)! وعلى افتراض أنه أوردها فأنا لا أناقشه في عدم إيرادها فقط، بل أناقشه في دلالتها كذلك! فهل له أن يناقشني في هذه الدلالة!.

وما زلت أريكم أن الدكتور يظلم النقاش الموضوعي حين لا يعترف بالحق وهو شديد الوضوح.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة