(زمن الحكاية) أطل فعلاً.. وها هو يسجل حضوره القوي والفاعل بين اهتمامات القراء والمتابعين.. فالزمن تشي به مقولة الناقد الدكتور جابر عصفور حينما وضع الرواية في صلب حالة الإبداع الأدبي، حيث شكلت مقولته أساس كتاب نقدي رأى فيه أن الرواية تدخل حيّز البوح المعرفي الذي يحتاج إلى تمعن وفرز لمدلولات خطابها، واتجاهات بنائها حيث تظل الحكاية بؤرة الانطلاق لمثل هذه التجليات السردية. فمع هذا الترامي الواضح في أبعاد التجارب الروائية بين تجريب وإبداع، ومحاولات التأصيل ندرك أن فن الرواية قد أخذ مكانه الصحيح ولم من خلال هذا السياق الكمي لفيض الإنتاج المكتوب.. إلا أن التجربة تحتاج إلى استقصاء يتجاوز حدود ما ذكره الناقد الدكتور عصفور.. نحو سبر أغوار معضلة البناء السردي في الرواية، ذلك المتمثل في ظهور حالة النقيضين: (الحياة للحكاية) و(الموت للحدث) حيث جاء الجزء الأول من هذه الثنائية حاملاً الكثير من معاني الحياة في الحكاية التي تتساوق نحو القارئ من خلال كم هائل من التجارب الملحوظة على أيدي جيل لا بأس به أخذ على عاتقه مهمة تقديم الرواية المتكئة على الحكاية..
إلا أننا وفي هذه المقاربة ندرك حقيقة أن الفن الروائي تكتنفه حالة مؤذية تتجسد في (موت الحدث) الذي لم يعد موجودا في (جل) الأعمال التي يقدمها جيل اليوم من الروائيين، حيث تختفي في سياق السرد مدلولات الحدث المهم، في وقت تظهر فيه الحكاية جلية ومفعمة بالحياة على لسان الراوي.
فالناقد جابر عصفور لم يستشرف بعد موت الحدث في الرواية الحديثة، وهل هذا الموت مؤشراً على قوة الحكاية في ذاكرة الراوي.. أم أن سياق الأحداث أصابه ما أصابه ليصبح في هذه المكانة غير المأهولة في عناصر الإبداع الروائي.
رجاء عالم وتركي الحمد وغازي القصيبي كونوا في تجربتنا المحلية أسس وأطر الفن الحكائي الذائب في وشائج البوح على لسان الحكاء الفوه، لحظة أن يهم في سرد تفاصيل يومياته، في وقت تحاول تجارب جديدة مثل محمد حسن علون ومنصور المهوس، وعبدالحليم البراك وعبدالواحد الأنصاري أن تستشرف الخطاب الذي يمزج الدلالتين ببعضهما البعض، لتتكون في هذا الاتجاه نوايا السرد المتكئة على (الحكاية والحدث) معاً بوصفهما عالم واحد يحقق ماهية فن الرواية الآن.
