Culture Magazine Monday  30/04/2007 G Issue 197
الملف
الأثنين 13 ,ربيع الثاني 1428   العدد  197
 

حجاب.. ومسيرة الأدب
أحمد بن يحيى البهكلي

 

 

أكبر أبناء حجاب بن يحيى الحازمي (حسن) الذي ورث من أبيه كل شيء تقريبا. ولذلك أحسب أن الرجل لا يفهم خطابه بكنيته (أبو حسن) على أنه تعريف بقدر ما هو مدح وإطراء، وذلك متمم لدلالة خطابه باسمه الكامل: حجاب بن يحيى الحازمي.

وعند الحديث عن حجاب الحازمي، لا يمكن الانزواء في الحاضر؛ لأن فعل ذلك أشبه بالحكم على الجبل الجليدي مما يظهر أمام العيون دون الغوص تحت الجبل الذي يمتد إلى الأرض أضعاف امتداده إلى السماء، إنها الجذور، أو هي الأصول. رحم الله مؤرخ المخلاف السليماني في القرن الثالث عشر الهجري عبد الرحمن بن أحمد البهكلي صاحب كتاب (نفح العود) ت عام 1248هـ ، فقد أصبحت إحدى عباراته في هذا الكتاب شاهدا تاريخيا تتوارثها الأجيال، فهو يقول: (وضمد هجرة العلم قديما وحديثا يسكنها بطون من الأشراف الحوازمة والمعافين ويسكنها القضاة البهكليون وبنو النعمان والعمريون حملة العلم)، وضمد من معاقل العلم منذ القرن السادس الهجري إلى يومنا هذا. وفيها ولد حجاب الحازمي لأبوين أفاد من علمهما رجال كثير ونساء. فوالده القاضي العلامة يحيى بن موسى الحازمي تولى القضاء في أوائل القرن الرابع عشر الهجري في أنحاء من المخلاف السليماني (منطقة جازان)، وله مؤلفات في فنون شتى. ووالدته معلمة للقرآن الكريم تأثرت بزوجها وكانت المكمل الموضوعي لنبوغ زوجها، رحمهما الله وأكرم مثواهما في الجنة. وقد ولد ابنهما حجاب في عام 1364هـ أي بعد عشر سنوات من اكتمال توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه.

إنه سليل أسرة كريمة، وسليل والدين عالمين، وقد نشأ في أهم مراحل البلاد. فماذا ننتظر من شخص مثل حجاب أن يكون؟! لن يكون إلا أنموذجا لإنسان الجزيرة الأصيل الجديد، إنسان الوحدة والانفتاح على العالم بقدر الثبات على الأصول.

بالنسبة لي، حجاب الحازمي يقف في المنطقة الزمنية الوسطى بين والدي وبيني، لقد ربطته بوالدي زمالة الدرس في معهد سامطة العلمي ثم شخصا للدراسة الجامعية في الرياض وتخرج والدي في كلية الشريعة في حين تخرج حجاب في كلية اللغة العربية. وعلى الرغم من فارق السن الضئيل بيني وبين حجاب الحازمي (عشر سنوات) إلا أنه في مرتبة أساتذتي الذين تتلمذت على أيديهم مدرسيا. وهو من أساتذتي الحقيقيين الذين أفدت من علمهم وأدبهم وثرائهم الأدبي والنقدي ناهيك عما تعلمته منه من نبل تعامله الإنساني وثاقب رؤيته النافذة وحكمته في معالجة الأمور. وقد تعرفت على أبي حسن في الرياض عام 1388هـ وتوطدت علاقتي به في أبها لتكرر لقائي به آيبا من نجران إلى جازان أو ذاهبا من جازان إلى نجران حيث كان يعمل معلما في معهد نجران العلمي قبل انتقاله معلما في بلدته ضمد العريقة، وقد كنت حينذاك طالبا في معهد أبها العلمي.

في العام 1395هـ حصلت على عضوية نادي جازان الأدبي الذي أسسته نخبة من أدباء المنطقة المعروفين وفي مقدمتهم محمد بن أحمد العقيلي ومحمد بن علي السنوسي ومحمد زارع عقيل وعلي بن حمود أبو طالب.. رحمهم الله، ومعهم حجاب بن يحيى الحازمي وعلي بن أحمد النعمي وعبد العزيز بن علي الهويدي وآخرون. وقد مكث أبو حسن في النادي اثنين وثلاثين عاما توجت برئاسته النادي من عام 1413هـ - 1427هـ.

في عام 1413هـ، ألقيت عصا التسيار في جازان بعد تنقل استمر ثلاثين سنة بين أبها والرياض وأمريكا. وقد دعاني حجاب الحازمي لأشاركه في حمل أعباء النادي الأدبي نائبا للرئيس، وقد عملنا مع زملائنا أعضاء مجلس الإدارة على رسم خط واضح للعمل المؤسسي البعيد عن المغامرات، وقد أثمرت جهودنا إنجازات يشهد بها المنصفون الأسوياء. وقد كان من أبرز إنجازات المرحلة نقل نشاطات النادي إلى محافظات المنطقة عبر مراكز تنسيق تولاها مثقفون من تلك المحافظات. ومن ذلك اللقاء الدوري للشباب الذي قدم إلى الساحة أصواتا متنوعة في ميادين الشعر والقصة والكتابة الأدبية يتشرف النادي بها؛ فمن الشعراء أيمن عبد الحق ومحمد يعقوب وحسن الصلهبي وملهي عقدي وحمد علا الله حكمي وسعود جعفري ومعبر النهاري وموسى الأمير ونواف حكمي وجبران قحل وموسى عقيل وإبراهيم حملي ويحيى الشعبي ويحيى صديق وعبدالله الأمير ويحيى معيدي، ومن القاصين علي زعلة وعثمان حملي وأحمد حديب وخالد حمود المأربي وخالد السعن وأحمد إسماعيل زين. ومن الكتاب نعيم حوباني وجبريل سبعي وموسى محرق ومفرح شقيقي وإسماعيل مهجري. وهؤلاء يذكرون فضل النادي عليهم وبخاصة في مرحلة قيادة الأستاذ حجاب مسيرة الأدب في المنطقة أثناء رئاسته النادي. ودورية النادي (مرافئ) تحسب للمرحلة نفسها. وموضوع نشر الرسائل الجامعية أحد الموضوعات التي تصدرت توصيات مؤتمرات الأندية الأدبية سنين عديدة، وقد نفذ في نادي جازان عبر سلسلة صدرت منها ثماني رسائل في مدة رئاسة الحازمي للنادي. وقد أنشأ النادي خلال هذه المرحلة المضيئة مبنى يعد من المعالم المعمارية في منطقة جازان. أما النشاط المنبري والاجتماعي والتوعوي فلا يمكن الإلمام به في عجالة كهذه. إن إنجازات إدارة الأستاذ حجاب لنادي جازان الأدبي قد وضعت النادي في مقدمة الأندية دون ضجيج. ومن الوفاء لهذه المرحلة ذكر هذه الإنجازات التي تشكل قاعدة لجهود الإدارة الحالية برئاسة الأديب الناقد الدكتور حسن بن حجاب الحازمي.

وللأستاذ حجاب دور كبير في حفظ تراث المنطقة مع الأستاذ العقيلي، وقد حقق كتبا نادرة من أهمها تكملة ديوان ابن هتيمل شاعر المخلاف السليماني في القرن السابع. وله كتب مهمة أصبحت مرجعا للباحثين مثل كتابه عن التعليم في تهامة وعسير وكتابه عن الشعر والشعراء في جازان.

ولئن كان الرجل قد عرف باحثا أدبيا متمكنا، فإن تجربته الشعرية تشي بموهبة أصيلة تدعونا إلى التساؤل عن سبب تردده في نشر ما أنتجه شعرا في مجموعة شعرية كما فعل حينما نشر مجموعته القصصية اليتيمة (وجوه من الريف ) عام 1402هـ ، وكان لي أن أكتب مقدمتها. وهي نابعة من عمق الأرض التي يعيش فيها.

بعد انتقال المؤرخ المعروف محمد العقيلي إلى رحمة الله عام 1423هـ، أصبح حجاب الحازمي المرجع الأبرز في تاريخ منطقة جازان وتاريخ أدبها وأدبائها. وهو لا يدخر وسعا في الأخذ بأيدي الباحثين لإنجاز بحوثهم وتشجيعهم بما يملك هو والتوسط لدى من يملكون شيئا من تراث المنطقة ومخطوطاتها لتزويد الباحثين بها. ولعل أبرز من أفاد من مقتنيات الرجل وجهوده الدكتور إسماعيل البشري الذي حقق كتاب (الديباج الخسرواني في تاريخ المخلاف السليماني) للحسن بن أحمد عاكش وحصل به على درجة الدكتوراه من بريطانيا. ومثله الدكتور علي الصميلي الذي حقق كتاب (العقيق اليماني في تاريخ المخلاف السليماني) لعبد الله بن علي النعمان وحصل به على درجة الدكتوراه من جامعة الملك عبدالعزيز.

وقد عرفت الأوساط الثقافية مكانة الحازمي، فلم تتجاهله في المناسبات الثقافية داخل المملكة أو خارجها. وهو عضو في مجلس أمناء مركز حمد الجاسر رحمه الله برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز. وقد كنت وما أزال أتمنى أن ينشأ مركز المؤرخ الأديب محمد العقيلي ليحفظ تراث الرجل ويحفظ فيه ما بقي من مكتبته الكبيرة. ومما لا شك فيه أن الحازمي أبرز المرشحين للإسهام في إنشاء هذا المركز.

ولأبي حسن إسهامات اجتماعية كثيرة يضيق المقام عن حصرها، لكن أبرز جهوده في الميدان الاجتماعي مشاركته مع كوكبة من المهتمين بالعمل الإنساني في تأسيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية عام 1425هـ.

بقي أن أشير إلى أمرين لا يمكن تجاوزهما، فالأول أن أبا حسن قريب من الناس لين الجانب سهل التعامل صفوح عن الزلة لا يحتفظ في نفسه بالسوء، وهو متفائل إلى أبعد الحدود في أصعب المواقف. والآخر أنه دقيق لا يترك شاردة ولا واردة تتعلق بالعمل دون متابعة، وكان لا يكل ولا يمل من السؤال عن تنفيذ ما يتخذه النادي من قرارات وتوصيات، وكنا نتمنى أن نجاريه في همته وحرصه على الإنجاز، لكننا نجد أنفسنا متخلفين عنه بإرادتنا أو بغيرها.

أسأل الله أن يجزل الأجر لأستاذنا الأديب المؤرخ الإنسان حجاب بن يحيى الحازمي وأن يوفقه في دنياه وأخراه إنه سميع مجيب. وشكرا لصحيفة الجزيرة الغراء على هذا الملحق المخصص لتكريم الأستاذ الحازمي جريا على عادتها الحميدة في تكريم رجال الثقافة والأدب لا في بلادنا الحبيبة فحسب بل في عالمنا العربي بعامة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة