الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السياراتالرياضيةكتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 2nd September,2003 العدد : 49

الثلاثاء 5 ,رجب 1424

العراق الدامي
هذه المشاهد الدامية..
لأولئك الذين يلقون حتفهم بمثل هذه المجازر..
يتساقطون مثلما تتساقط أوراق الخريف..
دون مبرر..
أو سبب معقول..
ولا أحد في هذا الكون يشخص الحالة..
وبالتالي يحدد السبب..
ومن ثم يشير إلى الفاعل والمتسبب..
***
في العراق الجريح..
هناك يذبح الناس..
يقتلون..
ويسحلون..
تحت سمع العالم..
وأمام أنظاره..
حيث يتفرج الجميع على أشلاء القتلى..
وأكاد أقول: حيث يتلذذون ويستمتعون..!!
***
وفي كل يوم لشعب العراق الشقيق قصة دامية مع الموت..
أشكال من ممارسات القتل المتعمد..
وألوان من التعذيب النفسي والجسدي لكل العراقيين..
أنواع من الأساليب الوحشية لوضع حد لنهاية البشر هناك..
مآسٍ كثيرة..
يعيشها كل بيت..
وتكتوي بنارها كل أسرة..
وكلها تسجل مع شديد الأسف ضد مجهول..
***
لقد أزيح صدام وحزبه ونظامه..
واعتقدنا أن الازدهار قد حط رحاله بزوال هذا النظام الظالم..
وأن الأمن قد خيم على ربوع هذا الوطن مع هذا التغيير..
فإذا بنا أمام ما هو أنكى..
مع عذاب مر..
وفي جحيم لا يطاق..
من مأساة إلى أخرى..
ومن تسلط إلى آخر..
من القبضة (الصدامية) الحديدية التي لا ترحم..
الى الاحتلال (الأمريكي البريطاني) الذي نكث بوعوده البراقة لشعب العراق..
وأجهز على ما بقي من آمال لشعب مقهور..
***
مستقبل غامض..
واشارات مخيفة..
تعصف أو تكاد بعراقنا الحبيب..
ولا من أحد يضع يده على الجرح..
أو يفكر بما تنذر به التطورات الدموية المتلاحقة..
فيوقف مسلسل التفجيرات..
وتمادي الناس بقتل بعضهم بعضاً..
دون رحمة أو شفقة..
أو خوف من الله..
أو تفكير بما هو أسوأ مما هو متوقع ومنتظر..
***
على المحتل إذاً أن يعيد حساباته..
فرهانه على المستقبل باستمرار احتلاله للعراق غير مأمون ولا مضمون..
مع تزايد قتلاه..
وتعرض مواقعه الى التفجيرات..
وعلى ابن العراق.. أيضاً..
كل أبناء العراق..
بمذاهبهم..
ودياناتهم..
وقومياتهم..
أن يتذكروا أن النار لن ترحم أحداً..
وأنها تبدأ من مستصغر الشرر..
وأنه آن الأوان لإيقاف هذا العبث..
واللعب بالنار..

++
خالد المالك

++
الجنود الأمريكيون بعد العودة لبلدهم :
العودة للوطن .. معركة أخرى!!

* بورت ستيوارت جورجيا آن إسكوت تايسون(*)
في أول عطلة أسبوع له في الوطن بعد العودة من العراق، كان رقيب امتياز مايكل جيلمارتن يقود سيارته في طريق سريع مشمس بولاية فلوريدا، عندما شعر فجأة بأن أمراً ما ليس على ما يرام.
في ذعر، ضغط الرقيب جيلمارتن على كابح السيارة وقفز خارجها وسط طريق ذي ستة مسارات وشرع في تفتيش الشاحنة. كان ما يبحث عنه كما قيل بندقيته الآلية من طراز إم. 16.
يستذكر جيلمارتن قائلاً «كنت أعاني في الأساس من نوبة قلق، لقد كنت أفتقد شيئا وكنت في حاجة لعمل شيء ما».
اقترب أحد رجال الشرطة ممن عملوا سابقاً في فيتنام من جيلمارتن ورافقه إلى قارعة الطريق كي يجلس بعض الوقت.
جيلمارتن، الذي عاد للوطن في 3 يونيو مع كتيبة المدفعية بالفرقة الثالثة مشاة التي ينتمي إليها، هو واحد من بين أوائل الجنود الأمريكيين الذين يعودون للوطن من ميدان القتال. تمثل المشكلات التي يعاني منها القلق، الأرق، الكآبة والإحباط الضريبة العقلية والعاطفية التي قدمها كثيرون من الذين قاتلوا في حرب العراق.
تعرض عدد أكبر من الجنود لعنف أكثر في العراق مقارنة بحرب الخليج عام 1991.
يقول تشارلز اينغل، مدير مركز صحة نشر القوات بوزارة الدفاع، «كثافة وطول فترة القتال الأرضي» في الحرب الأخيرة ربما تنتج مشكلات نفسية أكثر.
في الواقع، فإن الصدمة من القتال، مقترنة مع الضغوط الناتجة عن الانفصال لفترة طويلة عن العائلة. غالبا ما تجعل من العودة للوطن المرحلة الأكثر صعوبة بشكل غير متوقع في أية عملية نشر قوات.
تحديات خطيرة
يقول العقيد «متقاعد» هاري هولوواي، وهو أستاذ علم النفس بجامعة الخدمات للقوات العاملة: «ليس من السهل العودة من مكان تكون محاصراً فيه بالعنف».
للتأكيد، يتوقع من غالبية القوات العائدة أن تعود للاتصال بنجاح مع عائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية، أكثر من ذلك، فإن أولئك الذين يواجهون تحديات خطيرة سوف يحصلون على مساندة أكبر حجما بكثير من أي وقت مضى.
ما يزال على الجيش أن يستنفر جهده الأكبر للتعامل مع المشكلات التي يحتمل أن تنشأ من العودة للوطن. يخضع كل الجنود العائدين لفحص إلزامي وجهاً لوجه مع أطباء وعلماء نفس. إن فترة «تسكين» مطلوبة لمساعدة الجنود على إزالة التوتر والضغوط، كما تتوفر أيضا للجنود وزوجاتهم خدمات مشورة ونصح وخطوط اتصال هاتفي ساخنة افتتحت حديثاً.
يأمل المسؤولون في أن تؤدي التدخلات المبكرة إلى تقليل حدة ضغوط صدمة ما بعد الحرب، الكآبة والإحباط، والإساءة والإيذاء، وأيضا العنف المنزلي وانهيار الزيجات.
إن مثل هذه التدابير تزداد أهميتها، مع مراعاة أن جيش اليوم يتم استدعاؤه لإنجاز الكثير بعدد أفراد أقل. انكمش الجيش المقاتل بنسبة 40 في المائة تقريبا منذ عام 1980، في حين ازدادت بشدة المهام الخارجية. إن قرابة 000 ،370 من الجنود، أو 35 في المائة من الجيش والحرس الوطني والاحتياط المقاتل يجري نشرهم حالياً في 120 بلداً حول العالم، وفقا لبيانات الجيش. النتيجة هي المزيد من حالات الانفصال المتكرر عن العائلات والجنود وزوجاتهم.
بينما قد يعاني بعض الجنود من مشكلات حادة، فإن الحاجة لإزالة التوتر والضغوط هي عالمية في الحقيقة، كما يشير المقدم جلين تومكينز، وهو يفحص الجنود العائدين من كتيبة جيلمارتن الأولى من الفوج 39 مدفعية الميدان في مستوصف في فورت ستيوارت، وهو يقول «إن أمورا من نحو مجرد القدرة على ركوب سيارة والانطلاق بها تعتبر إعادة توافق هائلة. ويقول إن الأولوية بالنسبة له في فحص جنود مثل جيلمارتن يسيرة: «التيقن من أن هذا الجندي ليس شخصاً لا أستطيع السماح له بمغادرة هذا المبنى اليوم».
محاولات الانتقال
بالنسبة للنقيب برايان باتسون، استدعت ذاكرته صورا حية لرجال من كتيبته قتلوا في العراق ما أسال الدموع من عينيه. «بدا الأمر حقيقياً للغاية» كما يقول التكساسي الريفي، متذكراً رد فعله تجاه المتزلجين الذين ارتدوا ملابس تنكرية خضراء اللون وقاموا بالتلويح بالأعلام الأمريكية أثناء انطلاق الموسيقى الحماسية، ثم سمع الأناشيد. «خدم والدي في الجيش، حيث فقد عينه اليمنى ...»
على الفور، فكر النقيب باتسون في رفيقه، الملازم ثاني جيفري كايلور، كان الملازم كايلور يقوم بتفجير كومة من ذخائر الدفاع الجوي جنوب غرب بغداد في7 أبريل عندما أصابته شظية واحدة تحت عينه اليمنى مباشرة، لتقضي على حياته.
يقول باتسون «كان ذلك الجرح هو الجرح الوحيد في جسده».
أحاسيس الشعور بالذنب، الغضب والإحباط، هي ما يعاني منها باتسون في هذه الأيام وهو يحاول الاستقرار من جديد في حياته الطبيعية في فورت ستيوارت. أثناء انتظاره للفحص الطبي في مستوصف القاعدة العسكرية، تحدث ستيوارت بتكرار عن عجزه من إنقاذ زملائه الجنود الذين أصيبوا بإصابات خطيرة.
بعد منتصف ليل 3 أبريل، كان باتسون منهمكا في فرز الأطعمة الخاصة بأسرى الحرب العراقيين عندما اهتزت الأرض بانفجار مدوٍّ. قال «أدركنا أن الانفجار كان أعنف في صوته من صوت مدفعية العدو». من الواضح أن طياراً أمريكياً قد ألقى بقنبلة زنة 500 رطل على مسافة تقل عن 500 متر من موقع وحدته شمال مدينة كربلاء، الأمر الذي تسبب في تدمير ناقلة من طراز همفي ومركبتين أخريين. هرع باتسون لمعاونة الجرحى، حاملاً أحد الجنود بعيداً فوق نقالة. لم يتمكن ذلك الجندي واثنان آخران من النجاة، وتلك واحدة من الخسائر المأساوية التي ما يزال يفكر فيها باتسون.
قال «لقد تدربت طيلة سنوات على مواجهة العدو وتدميره، وفي هذا الموقف لم أستطع أن افعل شيئا من أجلهم، لقد أحسست باليأس والعجز الشديد».
من المبكر جدا معرفة كم من بين عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين في الساحة، الذين تعرضوا لفظائع حرب في العراق مثل باتسون، الذي سيظل ينوء عقلياً من التجربة. بالفعل، في فورت ستيوارت، يتلقى الجنود العائدون العون تجاه سلسلة واسعة من الأعراض.
تقول روز مولايس، وهي مساعدة مدير خدمة العمل الاجتماعي في مستشفى القاعدة: «الحالات المحولة كانت خاصة بالصحة العقلية، الكآبة، القلق، اضطرابات النوم، وما شابه ذلك».
ويقول الخبراء إن الجنود الأحدث سناً، الذين يشاركون في عمليات المواجهة القتالية، وكذا أيضا أفراد الوحدات الطبية والعاملين في تجهيز القتلى، هم أكثر تعرضا للإصابة باضطرابات إجهاد وضغوط ما بعد الحرب. يمكن للجنود المتأثرين أن يعيشوا الأحداث من جديد بشكل لا إرادي، وأن يشعروا بالعزلة عن محيطهم، أو يفرطوا في القلق، بعيدا عن ضغوط القتال التقليدية، فإن المدة التي يتم إنفاقها في ساحة القتال تزيد من خطر إصابة الجنود بمشكلات أخرى، بدءا من العدوانية والانتهاك إلى الانغلاق اجتماعياً.
تقول بريت ليتز، وهي مساعدة مدير المركز الوطني للصدمات النفسية لما بعد الحرب التابع لإدارة شئون قدامى المحاربين: «الحرب انتهاك مريع للبراءة».
وتضيف: «إنها تتعلق بالمعتقد، بالأخلاق، وهي تتعلق أيضا بالصواب والخطأ، بالنسبة للبعض، يمكن للحرب أن تساعد على النضوج، وبالنسبة لآخرين، تسبب تأثيراً مرعباً على إحساسك بمستقبلك، عالمك، علاقاتك مع الناس».
في قاعدة فورت ستيوارت، فإن الجنود من نحو أولئك المنتسبين لكتيبة المدفعية 1 39، التي أطلقت الصواريخ والقذائف التي قتلت مئات العراقيين، يجدون أنفسهم في صراع حول ما إن كان عليهم أن يسكتوا عن أفعالهم وبالتالي عزل أنفسهم أو أن يغامروا بالبوح بها لأناس من خارج وحداتهم.
تقول سوزان وايلدر، وهي مسؤولة نشر قوات في قسم الخدمة المجتمعية بالقاعدة: جاءني الجنود ليقول الواحد منهم: «إنني قلق مما ستعتقده أسرتي عندما تكتشف ما حدث هناك». إنها تنصح الأزواج بعدم حث الجنود على البوح بمعلومات، لكن عليهم أن يستمعوا فحسب.
يقول المقدم سبنسر كامبل، وهو خبير في الضغوط الناتجة عن القتال في قاعدة فورت براغ بشمال كارولاينا، والذي جرح أثناء عمله ضمن جنود البحرية «المارينز» في فيتنام: «في الحرب، أنت تعبر خطاً لم تتوقع إطلاقاً عبوره».
ويضيف: إذا علمت زوجتي بما كنت أفعله أو أستطيع فعله، هل ستبدي التعاطف معي؟ وقد فعلت ما فعلت، كيف يمكنني تنشئة أطفالي؟».
في الواقع، يتعين على الجنود أن يعانوا من التغيير الذي أصاب شخصياتهم بسبب أدوارهم في مهام الموت.
رفع همة الجنود
يتأمل المقدم غاري موك عبر النافذة في الأشجار المكسوة بالطحلب في هذه القاعدة العسكرية في جورجيا ويصف عودته في 17 مارس 1969 من أدغال فيتنام: «كما لو كان الأمر قد حدث بالأمس فقط».
يقول بشيء من المرارة: «صعدت لمتن الطائرة النفاثة وفي 24 ساعة كنت في قاعدة فورت ديكس، وخلال 24 ساعة أخرى كنت داخل طائرة أخرى في طريقي لداري. لم تكن هناك في ذلك الوقت أية محاضرات أو برامج لتقليل الضغوط». عند وصوله إلى بلدة دنفيل الريفية، بولاية ألينوي، وجد موك ذي ال 25 عاماً نفسه في حالة ضياع: «الدار لم تكن الدار، بسبب أن أحدا لم يفهمك».
انقضت عقود من الزمن، لحين عرض لقدامى جنود عاصفة الصحراء 1991، حين اكتشف موك ما يفتقده، «سرت في العرض كأحد أفراد الحرس الوطني، وفي المقدمة كانت هناك مجموعة من قدامى محاربي فيتنام، أدركت ما كان يتعين أن أحصل عليه، عرض عسكري. لم أنل عرضاً عسكرياً، لم يهتم أحد بذلك».
يعتبر قدامى محاربي فيتنام، من نحو المقدم موك والمقدم كامبل مدافعين قويين من أجل تأمين عودة أفضل بالنسبة للجنود الأمريكيين في العراق، قبل أي شيء آخر. هما يريدان أن يمنعا الإحساس بالعزلة والغربة اللذين يعتقد أنهما كانا مسؤولين عن نسبة عالية «50 في المائة» من حالات الصدمة النفسية «الكاملة أو الجزئية» لما بعد الحرب التي تم التبليغ عنها بواسطة قدامى المحاربين في فيتنام.
يقول موك «إن أسوأ ما يمكن حدوثه هو أن يعود الناس ثم يشعروا بأنهم مثل فتى الكشافة المنعزل الذي لا رفيق له». منذ السبعينيات حدث تطور كبير لفهم ومعالجة صدمة ما بعد الحرب. في تلك الأثناء، فإن إنشاء جيش كامل قوامه المتطوعون في عام 1973 قاد إلى وحدات أكثر احترافاً وتدريباً وتماسكاً. تشير كل هذه العوامل إلى: «مرونة أكبر، حتى في مواجهة الصدمة النفسية غير المألوفة». كما تقول الطبيبة ليتز.
بعد حرب الخليج الخاطفة في 1991، أوضحت أعمال المسح التي أجراها قدامى المحاربين زيادة في الصدمات النفسية، الكآبة، والإساءة إلى الآخرين، مقارنة مع أفراد الجيش الذين لم يتم نشرهم. غير أن المعدلات النهائية كانت أقل بكثير من تلك التي وجدت في أوساط قدامى محاربي فيتنام، تتراوح التقديرات الخاصة بحالات صدمة ما بعد الحرب في أوساط قدامى محاربي حرب الخليج من 1 إلى 8 في المائة. في الوقت الحاضر، فإن برنامجاً إلزامياً واسعاً في الجيش يهدف إلى تحديد ومعرفة الجنود المعرضين للخطر في وقت مبكر، والتدخل بسرعة لتقليل الإجهاد والضغوط الناتجة عن ساحات القتال. يشارك في البرنامج موظفو رعاية اجتماعية، خبراء صحة عقلية، أطباء. «مع عمليات النشر السريع للقوات حالياً، فإن تخفيف الضغوط عن الجنود والعائلات أمر شديد الأهمية».
أثناء التواجد في مسارح العمليات، يستخدم القادة «بطاقة استرشادية» جديدة للتعرف على الجنود المعرضين للخطر، تطرح البطاقة 14 سؤالاً في مجالات واسعة حول التصرفات الجامحة، أو النزاعات مع أصحاب الرتب الأعلى أثناء عمليات نشر القوات، الأفكار الانتحارية، الغضب، العنف المنزلي أو العلاقات المقترنة بالمشكلات، المشكلات المالية، والتجارب القتالية.
خلال فترات «التسكين» في الخارج، يسلم الجنود المعدات وقد يستمتعون ببعض الراحة والترفيه. في الكويت، على سبيل المثال، يتناوب جنود مدفعية الميدان 139 على مركز ترفيه وإعادة تأهيل يعرف باسم «قصر المرمر» المجهز بحوض سباحة، ملاعب كرة مضرب (تنس)، وميادين للجولف.
عند العودة للوطن، يظل الجنود في الخدمة في القاعدة لأسبوعين أو ثلاثة أسابيع «كآلية أمان» بينما هم يتأقلمون مع بيئة أقل صرامة. خلال هذه الفترة، يخضعون لفحوصات صحة جسدية وعقلية وينخرطون في «محاضرات إعادة دمج الأزواج»، ثم بعد أسبوعين من تعطيل الإجازات أو الخروج، يعودون لعمل مزيد من تقييمات الصحة العقلية ولمحاضرات في إدارة الضغوط.
لا يكاد العريف جون دراغو يذكر شيئاً من تجربته في الحرب، وهو يحمل ملفه المليء بأوراق طبية تحمل توقيعات ويقوم بمقابلة عاملي الصحة. يسأله أحد الأطباء عن عمله في إزالة المركبات العراقية المتفحمة، ويشرح إمكانية التعرض لليوارنيوم المستنفد، مثل دراغو، يواجه العدد المتنامي للأفراد العاملين مع أزواجهم في الجيش تبلغ نسبتهم الحالية أكثر من 5 في المائة مشكلات واضحة في عمليات نشر القوات كما أن للأمر بعض المحاسن. يمكن أن يطول أمد انفصالهم عن بعضهم البعض، وعن الأطفال، كما هو الحال بالنسبة لأماندا الطفلة ذات السبعة أعوام للزوجين دراغو.
مع ذلك، فإن التجارب المشتركة تعين الأزواج على الانتماء لبعضهم البعض. يقول دراغو «دائما ما يكون الأمر سهلاً عند الزواج بين زملاء جندية، لأنهم يتفهمون ما يجب فعله».
في قاعدة فورت ستيوارت، يتردد بعض الجنود في تلقي المشورة والنصح، بينما يرحب بها آخرون من نحو الرقيب جيلمارتن، إنه يقول «لا بأس في أن يشعر المرء بالاكتئاب أو القلق أو عدم القدرة على النوم».
مخاطر كبيرة
كان ذلك بعد منتصف ليلة 3 يوليو، تحت وابل من المطر الغزير، سار تشكيل من رجال المدفعية بالوحدة الثالثة مشاة من منصة العرض قبالة ميدان حديقة فورت ستيوارت.
بالنسبة لشباب الجنود وزوجاتهم، الذين فرقت بينهم لأول مرة الحرب كانت العودة للوطن لحظة من الفانتازيا المحضة، والتوقعات والآمال التي لا تحدها حدود، مع ذلك، وخلف اللوحات التي رسمت عليها شرائط صفراء اللون، كان على الأزواج أن يجاهدوا للاتصال ببعضهم من جديد وإعادة بناء حياتهم معا بعد افتراق طويل وشاق. بالنسبة للكثيرين، فإن العودة للحياة الطبيعية تصبح وهماًَ لا يمكن إدراكه.
أخيراً وقعت عينا الرقيب الاحتياطي كريستيان هوفيلر على زوجته في الشهر الماضي بعد أكثر من عام في أفغانستان والعراق، غير أن إعادة جمع الشمل الذي جرى بسرعة في بوسطن انتهى نهاية مؤلمة، بالانفصال. الرقيب هوفيلر، الذي تزوج في يوليو 2000، تم استدعاؤه للخدمة طوال الوقت منذ 11 سبتمبر 2001، في نفس اليوم الذي انهار فيه البرجان. يقول هوفيلر في اتصال هاتفي من بروكلين بنيويورك، حيث يعيش الآن مع والدته وخالته: «هذا أصعب وأسوأ جزء من أي شيء، أن يحين أوان العودة للوطن».
يقول إنه ما يزال على الحافة، ينظر لأعلى في كل مرة يستمع فيها لأزيز طائرة، وهو أرهق بصور الموتى والجرحى من أيام عمله في قوة مهام خاصة. تؤكد حالة هوفيلر، رغم قلة تكرارها، على التحديات التي تواجه العديدين، إن الانفصال الأسري هو أكثر الأسباب أهمية بعد الأجور والفوائد التي ينظر فيها الجنود عند ترك الجيش، كما يقول بروس بيل من معهد أبحاث الجيش الأمريكي: في الحقيقة، يقول الأزواج في قاعدة فورت ستيوارت انه بعد «شهر عسل» قصير، تبدأ المعركة من أجل إعادة التأقلم من جديد.
يعود كثير من الرجال للوطن مرهقين تماما، أكثر هزالاً وجوعاً وغير قادرين على النوم لساعات طبيعية، كما يقول مسؤولو الجيش. النساء بدورهن مرهقات، ومستاءات أحياناً من تركهن وحيدات لشهور. حين يرن جرس هاتف لورا باتسون في هذه الأيام، فهي تقول إن ذلك يكون في الغالب بسبب نزاع الأزواج الذين أعيد جمع شملهم: «معظم المكالمات التي نتلقاها هذه الأيام من نحو: أنا لا أفهم، نحن نتعارك باستمرار، إنه لا يحب طريقة قص شعري، المشكلة ليست في الشعر ،إن المسألة هي حقيقة تغيرها».
وهي تجلس في غرفة نومها، تشرح لورا: «كزوجة، إنك تديرين حربك الصغيرة الخاصة هنا، إنك لا تواجهين جنودا عراقيين وقنابل ومدفعية، لكنك تواجهين شائعات، مخاوف، موضوعات متعلقة بالاعتزاز بالنفس، الأمور المالية، والأطفال».
حاولت لورا، وهي معلمة، حماية أطفالها، قائلة لويليام ذي السبعة أعوام وميغان ذات الثلاثة أعوام إن باتسون كان في الكويت، لكن عندما عاد ويليام للمنزل ذات يوم وهو يسأل «هل والدي في الحرب؟» لم تكن عندها إجابة حسنة، كانت تسترق لنفسها 10 دقائق من التغطية التلفزيونية كل صباح ومساء، عندما يكون طفلاها نائمين. في الوقت الذي كان فيه باتسون في صحبة رجاله، قامت لورا أيضا بإنشاء «الأسرة» الخاصة بها من الصديقين الحميمين، فاليري وكيللي. كانوا يتناولون وجبة الغداء معا عدة مرات في الأسبوع، كانوا يقومون بتنظيف أطفالهم الستة ويقرأون عليهم قصص ما قبل النوم معا. ذات مرة، توجهوا لمشاهدة أحد العروض في نادي سافانا1، وهو ناد متميز ومكلف جداً لدرجة تفوق إمكانيات الأزواج العاملين في الخدمة.
إن الاستقلالية المتنامية للأزواج، والأغلب من النساء، يمكن لها أن تزيد من التوترات عند عودة الأزواج. كان قد أعتاد على إعطاء الأوامر، وهي ظلت تدبر أمورها بنفسها لشهور وتعرف أنها تستطيع الاستقلال بنفسها. في مثل هذه الظروف، يمكن للمجادلات أن تتصاعد إلى عنف منزلي. يصبح الطلاق أكثر رجوحاً بعد عمليات نشر القوات، لاسيما متى كانت العلاقة محل مشكلات سابقة. يقول موك: «بعض هؤلاء الجنود الشباب قضى وقتا أطول في الخارج مقارنة بما قضاه في البيت، ما يدهشني هو أن فصم عرى الزيجات لا يحدث بشكل أكبر».
تقول لورا إن الأكثر انتشاراً من الطلاق والإساءة المنزلية هو الإحساس بالمرارة في أوساط الزوجات من جراء الغياب الطويل لأزواجهن، وهي تقول «تتفجر ظلامات وجور الحياة، ويعود الأزواج للمنزل، وتقول المرأة: حسنا أنا ذاهبة».
للتغلب على مثل هذه المشكلات، على الأزواج في الغالب «إعادة التفاوض» حول مجمل علاقتهم. أولئك الذين يحظون بزيجات متينة، مثل باتسون، يكونون أكثر قدرة على فعل هذا الأمر. يعترف برايان باتسون «في الماضي، من المحتمل أنني لم أكن أقوم بما يخصني من واجب في المنزل»، وهو يعترف برغبته في القيام بغسل مزيد من الأطباق.
تقول لورا بدورها ان عليها تذكر أن تترك لبرايان اتخاذ القرارات فيما يخص الأطفال، بعدما قامت بدوري الأم والأب لوقت طويل. في هذه الأثناء، يدرك الاثنان أنه سيكون فقط مسألة وقت قبل أن يعاد إرساله مرة أخرى إلى الخارج. تقول لورا: «إنه النداء، يتعين عليّ أن أتعايش معه، وأن أضحي».
يصافح الرقيب أول روبرت هاويل يدي قائده، يحييه، ويهبط من منصة حجرية عقب الاحتفال بترقيته، إنها لحظة فخر وإن كانت لحظة من المرارة العذبة بالنسبة للرقيب أول هاويل، الذي عاد من العراق في مطلع يونيو.
في «حديقة الصخر» كانت تقام النصب التذكارية لجنود الوحدة الثالثة مشاة، الذين سقطوا في القتال خلال القرن الأخير. يعرف هاويل أنه سرعان ما سيتموضع أحجار جديدة هنا على شرف زملائه من الذين قتلوا في العراق. يحمل هاويل معه نصيبه من «العبء العاطفي» من الحرب، كما تقول مونيك: «الخوف، الندم من فقدان الحياة البريئة، الذنب تجاه الجنود الذين ما يزالون يواجهون الهجمات اليومية في العراق، وبينما حدث له تغيير، فقد أصاب التغيير أيضاً عائلته. إن أولاده أطول قامة، وزوجته أكثر استقلالية مما كانت عليه».
في الحقيقة، مثل كثير من الجنود، يدرك هاويل أنه لن يعود أبدا للحياة التي كان خبرها قبل الحرب.

++
خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» خاص ب «مجلة الجزيرة»

++

..... الرجوع .....

تحت الضوء
الجريمة والعقاب
الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
رياضة عالمية
عواصم ودول
الصحة والتغذية
خارج الحدود
الملف السياسي
فضائيات
الحدث صورة
السوق المفتوح
العناية المنزلية
العمر الثالث
تقرير
أقتصاد
ظواهر
حياتنا الفطرية
الاخيرة
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved