الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السياراتالرياضيةكتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 6th May,2003 العدد : 33

الثلاثاء 5 ,ربيع الاول 1424

المفاجأة في الوزارة الجديدة..!!
على مدى فترة زمنية طويلة ظلت التخرصات والتكهنات ضمن مسلسل الإشاعات حول التشكيل الوزاري الجديد هي سيدة الموقف في مجالسنا الخاصة والعامة..
فهذا يدّعي وصله بالمصادر الموثوقة وصلته بها فيروي أخباراً في الليل ليمحوها هو أو غيره في النهار في ظاهرة تتكرر كلما بدا لنا أننا على موعد مع شيء جديد يمس مستقبل الأمة وله علاقة بمصلحة الوطن...
وهذا يزعم قربه من صنّاع القرار ومعرفته بالقادم منها وتحديداً حول التشكيل الجديد للوزارة لتكذبه ومصادره فيما بعد مفاجأة نهاية الأسبوع حين أعلن عن التشكيل بصورة مخالفة لما كان يُتناول بين المواطنين.
***
كانت المفاجأة كبيرة..
فقد أكد التشكيل الوزاري الجديد أنّ الوصول إلى أسرار الدولة غير ممكن لأحد وأنّ اختراقها غير متاح لأيٍّ كان...
وأن أبواب أسرارها مغلقة أمام الجميع..
وهذا شيء جميل ومطلوب..
وفائدته تكمن في أن من يطلق الإشاعات بزعم تأثيرها على صنَّاع القرار عليه أن يتوقف..
وفائدة وجود حراسة أمينة على أسرار الدولة أن القرارات كبرت أو صغرت حين تصدر ولو بعد طول انتظار تُقابل بكثير من الاحترام وتُستقبل بما تستحق من تقدير..
وأنّ مصداقيتها تعلو وتكبر على ما كان يتداوله الناس من أخبار تنقصها الدقة إن لم تكن كاذبة.
***
لقد شكلت بعض الصحف أعضاء مجلس الوزراء الجديد قبل إعلانه وتطوعت الشبكة العنقودية مبكراً في خدمة الإعلام المتسرع في تحديد أسماء من ستناط بهم حقائب الوزارة الجديدة..
وعندما ظهرت الوزارة مغايرة لكل ما قيل ولكل ما كُتب ولكل ما كان متوقعاً، فقد كسبت الدولة الجولة وخسرها المراهنون على مصادرهم..
ومن الآن على هؤلاء أن يتعلموا دروساً مما أُعلن لهم ويأخذوا مما حدث الكثير من العبر.
***
لقد كانت المفاجأة في تشكيل الوزارة تتمثل في نظري بأمرين..
الأول: أن التغيير في مسميات بعض الوزارات ودمج بعضها وإلغاء أخرى قرار جريء لم يخطر على بال أحد، ما يعني أنّ قراءة هؤلاء لما سيتم لم تكن قراءة صحيحة..
الثانية: لقد أسقط المراهنون عدداً لا يستهان به من الوزراء من فرصة التجديد لهم، فإذا بهؤلاء الوزراء يبقون دورة جديدة بصلاحيات أكبر، مما يؤكد أنّ ما كان يقال لا يعدو أن يكون وهماً.
***
والنتيجة:
أنّ أحداً لم ولن يُمنع من الكلام..
ومن الخوض فيما يعنيه وما لا يعنيه..
ما يعرف عنه وما يجهله...
فالفضاء يتسع لكل ما قيل وما يمكن أن يقال..
ولكن التشويش وإثارة ما لا فائدة منه ينبغي الحرص على عدم استمراء الكلام فيه..
حتى لا ينشغل المجتمع عن الأهم بما لا أهمية له.


خالد المالك

الصحفي الأمريكي روزينتيل في حوار صريح :
إعلام الحرب بلا مصداقية!!

* إعداد حسام الهامي
لعل أهم ما اتسمت به التغطية الإعلامية للحرب في العراق هوعنصر السرعة في نقل الأحداث بشكل لم يشهد العالم له مثيلا من قبل، فأغلب أحداث هذه الحرب جرى بثها بثا حيا على شاشات التليفزيون وعلى موجات الراديو وعلى شبكة الإنترنت، وهوما أتاح للعالم أجمع أن يشاهد تمثال صدام حسين اثناء سقوطه.
ولكن ما تأثير هذا البث الإعلامي الذي جرى في نفس توقيت وقوع الحدث على تغطية الحرب؟ وهل كان الصحفيون الذين يقومون بتغطية الحدث محايدون في هذه التغطية حيادا تاما؟ وما شكل العلاقة بين البيت الأبيض والبنتاجون من جانب وبين الصحفيين من جانب آخر؟ وهل قدمت وسائل الاعلام التي قامت بتغطية هذه الحرب الحقيقة كاملة غير منقوصة؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحت على الخبير الإعلامي توم روزينتيل لمناقشة التغطية الإعلامية لأحداث الحرب على العراق وتأثير هذه التغطية على الرأي العام الغربي.
وتوم روزينتيل عمل لأكثر من 20 عاما كناقد صحفي بصحيفة «لوس أنجلوس تايمز» وعمل أيضا مراسلا لمجلة نيوزويك وكانت مهمته تغطية أخبار الكونجرس، كما قام بتأليف عدة كتب في مجالات الصحافة والإعلام والسياسة، ومقالاته تنشرفي العديد من الصحف الأمريكية، منها: «النيويورك تايمز». و«كولومبيا جورناليزم ريفيو» و«واشنطن مانثلي» .. وغيرها من المطبوعات، وفيما يلي نص الحوارالذي أجرته معه «الواشنطن بوست»:
آري فلايشر المتحدث باسم البيت الأبيض
* كانت الحرب في العراق أول حرب في العالم تبث بثا فوريا حيا، فما شعورك بشأن هذا النوع الجديد من التغطية الإعلامية؟
توم روزينتيل: إن شئنا الدقة لم تكن تلك الحرب هي أولى الحروب التي تبث بثا حيا على شاشات التليفزيون فقد حدث ذلك بشكل أو بآخر في حرب الخليج الثانيةعام 1991، ولكن التغطية الإعلامية للحرب الاخيرة على العراق تميزت بما شهدته من كم كبير من الإعلاميين الذين وصل عددهم إلى 600 صحفي وإعلامي كانوا موجودين في ميدان المعركة بعكس الوضع في حرب الخليج الثانية عام 1991 م التي لم يتواجد بها سوى عدد محدود جدا من رجال الإعلام كانوا يخضعون لرقابة صارمة إلى جانب عدد من الصحفيين الذين كانوا يعرضون لرؤية أحادية الجانب، وأتصور أن تواجد هذا الكم من الإعلاميين في ميدان المعركة كان في صالح الرأي العام في المقام الأول، فقد بتنا نرى كل شيء ونستطيع منه أن نستخلص حقيقة ما يحدث، أما في حرب الخليج الثانية فلم نكن نعلم سوى ما يتم نقله إلينا.
قضايا داخلية
* كم كنا نتمنى أن يعطي الأمريكان وقتا لشؤونهم العامة مساويا للوقت الذي خصصه العراقيون لممارسة شؤونهم العامة التي لم تتوقف رغم الحرب، فتغطية أحداث الحرب التي كانت تستغرق 24 ساعة لم تترك أي فسحة من الوقت لتغطية الشؤون العامة للأمريكان، فمتى ستبدأ وسائل الإعلام الأمريكية في رأيك في الالتفات للمشكلات الأمريكية الداخلية غير المرتبطة بالحرب؟
توم روزينتيل: هذه مشكلة جد خطيرة، وكانت قائمة أيضا خلال حرب الخليج الثانية، وبصفة عامة يمكن القول ان وسائل الإعلام أصبحت تركز على جانب معين من الأخبار مع إغفال الجوانب الأخرى وقد ترسخ هذا التوجه منذ 12 عاما مضت، ويعود هذا التوجه إلى عدد من الأسباب، من بينها خفض الميزانية الذي طرأ على وسائل الإعلام وبالأخص في التليفزيون، مما جعل من الصعب على وسائل الإعلام القيام بتغطية عدة جبهات أ وقضايا في وقت واحد وبنفس الدرجة من الفورية ومن التأثير، السبب الآخر والذي يطرح مفارقة غريبة يتمثل في قدرة التغطية الإعلامية على النفاذ إلى ميدان المعركة بشكل كبير. فالحصول على المزيد من المعلومات عن الحرب يعني أن التغطية سوف تركز على تلك الحرب فقط دون أن تبرحها إلى أشياء أخرى، السبب الثالث هو أن المحطات التليفزيونية خاصة اكتشفت أن تكثيف التغطية حول موضوع واحد يتسم بالجاذبية هو أمر أقل كلفة وأيسر استيعابا من الناحية الذهنية من تغطية عدد كبير من الأشياء. إضافة إلى كونه يغذي البرامج الجماهيرية ذلك النوع من البرامج الذي يهيمن الآن على قوائم البث في التليفزيون، وفي كل الأحوال يشكل هذا التركيز المكثف على موضوع واحد مشكلة ولكن يبدو أن المشكلة باتت أكثر تفاقما الآن بسبب الكلفة الاقتصادية العالية التي تتطلبها التغطية الإعلامية، وبروز موضوعات أخرى مهمة على الجبهات الدولية المختلفة مثل كوريا وأفغانستان وأماكن أخرى غيرها تحتاج إلى تغطية إعلامية.
تغطية مروضة!
* نستشعر أن التغطية الإعلامية التي جرت أثناء الحرب الاخيرة كانت تغطية مروضةمستأنسة، فما مرد ذلك؟ اعتقادنا أن مرافقة الصحفيين والإعلاميين للجيش ونظرتهم بالتبعية إليه بوصفه هوالكيان الذي يمنحهم الأمن الذي يحتاجونه لأداء مهامهم جعل هؤلاء الإعلاميين لا يستطيعون توجيه أدنى نقد إلى القوات، وبالتالي فإن ما رأيناه وسمعناه وقرأناه في وسائل الإعلام لم يكن أكثر من محاولة من جانب الصحفيين والإعلاميين لتجميل وجه القوات وكبار الضباط والرد على انتقادات الوسائل الإعلامية الأخرى التي كانت تهاجم الحملة، ونتصور أن هؤلاء الصحفيون والإعلاميون الذين كانوا يرافقون القوات لن ينتظروا حتى يعودوا إلى أوطانهم بل سيقومون على الفور بتوقيع صفقات مربحة لتأليف الكتب التي سوف يقومون فيها بالإفصاح عن القصص والمواقف العديدة التي مروا بها، ألايجب على الصحفيين والإعلاميين أن يكونوا بعيدين عن الأهواء وغير منحازين وأن ينقلوا لنا ما شاهدوا ثم يتركوننا نحكم بأنفسنا؟
توم روزينتيل: بالفعل اصطلاح «مرافقة» اصطلاح يدعوللأسف، صحيح أن تلك المرافقة من جانب رجال الإعلام للحملة كانت فرصة جيدة لتغطيتها ولكن من الصحيح أيضا أن الجيش لم يوافق على تلك المرافقة إلا عندما أدرك مخططو الحرب أن وضع أحد الصحفيين برفقة وحدة من وحدات الجيش وتحديد نطاق رؤيته والتأثير فيها وخلق نوع من المودة بينه وبين الجنود كفيل بأن يجعل هذا الصحفي يتجه بشكل لا فكاك منه إلى نقل الأخبار التي تتفق مع رؤى الجيش الأمريكي. وهذا في حد ذاته يعد أمراً لا غبار عليه طالما أن وجهات النظر الأخرى يتم إضافتها للتغطية من أماكن أخرى.
ضياع الحقيقة
ولكن إلى جانب المرافقة تثور في الأغلب مشاكل أخرى مع الصحافة والإعلام تصبح أكثر تفاقما في حالة تغطيتها لأخبار الحروب ألا وهي طمس الحقيقة، فكلنا يعلم أن «الحقيقة» هي أول ضحايا الحرب، يحدث هذا الطمس للحقائق بسبب الغلو والإخفاء للحقائق من جانب، وبسبب الطبيعة المشوشة لمشهد الحرب من جانب آخر.
المشكلة الأخرى تتمثل في أن الصحفيين شأنهم في ذلك شأن السياسيين إلى حد ما يستشعرون قدرا من الضغط عليهم من أجل الابتعاد بعيدا جدا عما يريد الجمهور أن يستمع إليه أويراه، ويمكن القول ان تغطية أخبار أحد الحروب التي تحظى باهتمام كبير من جانب الجمهور أمر يشكل تحديا يواجه كل الصحفيين. فكيف سيتسنى للصحفي تغطية آراء الجبهة المعارضة؟ وكيف يتسنى له أن يغطي الجوانب غير المرضية؟ وكيف يمكنه أن يخبر قراءه بأشياء ربما لا يريدون سماعها أولا يتفقون معها؟ كل هذه الأشياء يمكن نظريا أن تتم ولكن من الناحية الواقعية هذه أشياء بالغة الصعوبة.
أضف إلى ذلك مشكلة الصياغات والاصطلاحات والتعبيرات التي تستخدمها بعض المؤسسات الإعلامية والتي تريد أن تجتذب جمهورها من خلال استغلال الاهتمام الواسع الذي تحظى به الحرب في المشاهدة، فعلى سبيل المثال قامت شبكتا فوكس وMSNBC بتبني العبارة التي صكتها وزارة الدفاع الأمريكية وهي: «عملية تحرير العراق» واتخذتها كشعار مميز لتغطيتها لأنباء الحرب وأخذوا يكررونها مراراعلى مدار التغطية رغم أن هذا التعبير لا يعدو كونه تعبير ذوصبغة سياسية وليس وصفا محايدا موضوعيا للحرب، ويشكل تبنيه من جانب هذه المحطات الإخبارية تحريفا للأنباء، وهوما يجعل قدرة هذه المحطات على تقديم وجهات النظر الأخرى السائدة في مختلف دول العالم حول هذه الحرب قدرة محدودة وإذا قدمتها فهي تقدمها محرفة وهذا موضوع على قدر كبير من الأهمية.
البث الحي
* هل تتفق مع الرأي القائل بأن البث الحي لأحداث الحرب يجبر مندوبي وسائل الإعلام على التحلي بالمزيد من الصدق والأمانة نظرا لعدم وجود وقت يسمح لهم بنسج الأكاذيب عل نحوما يهوى العديد من المندوبين؟
توم روزينتيل: كلا، أعتقد أن التغطية الفورية للحرب تعني في جوهرها عدم اتاحة الوقت الكافي للتفكير والتحقق والتأمل ووضع الأمور في سياقها. ولأن التحيز من جانب وسائل الإعلام غالبا ما يتم دون وعى منها إذن فعدم توفر الوقت الكافي يعني عادة المزيد من التحيز وليس القليل منه.
السرعة في العمل
* في كتاب جديد يقع تحت عنوان «عالم في فوضى» يفترض مؤلفه وينستون سميث الأستاذ بجامعة هارفارد أن الكثير من المعلومات الخاطئة أوغير الصحيحة التي تبث عبر المحطات الإخبارية تقوم بدسها الحكومات الأجنبية، فما تعليقك على ذلك؟
توم روزينتيل: أعتقد أنه من المستحيل معرفة ما إذا كانت المعلومات قدتم دسها من جانب هذه الحكومات أم لا ولكن المسلم به أن السرعة في العمل الإعلامي هي دوما العدو اللدود للدقة فتدفق الأخبار على مدار 24 ساعة يعني أن الكثير من المعلومات الخاطئة سوف يتم بثها، لقد وصلنا إلى نقطة أصبحت فيها الشائعة تمر كأنها خبر، وذلك على حد تعبير رئيسة الاتحاد الأمريكي لمحرري الصحف في خطابها الممتاز الذي ألقته في نيوأورليانز أمام اجتماع للاتحاد.
غزو أم تحرير
* لقد حرصت الصحف الناطقة باللغة العربية في الشرق الأوسط على إبراز صورالجنود الأمريكيين وهم يقومون بوضع العلم الأمريكي على تمثال صدام حسين (ربما لتصوير ما حدث على أنه غزووليس تحرير)، أما وسائل الإعلام الأمريكية فلم تقم بإبراز تلك الصور (مثال ذلك أن صحيفة الواشنطن بوست نشرت صورة لمواطن عراقي وهو يقبل جنديا أمريكيا)، فلم حدث ذلك التناقض؟ أيضا لماذا خصصت وسائل الإعلام الأمريكية وقتا ومساحة كبيرة لتقديم الصور الفوتوغرافية أو الصور الحية التي تتضمن التفاصيل الخاصة بالمعارك الصغيرة التي دارت في كل أنحاء العراق، إلا أنها لم تذكر أي شيء حول الخلفية التاريخية أوالسياسية أوالثقافية لهذه الدولة والتي لا يدري الأمريكان عنها سوى القليل.
توم روزينتيل: أعتقد أن هناك إجابتان لهذا السؤال.. الأولى أنه يوجد لدى وسائل الإعلام اتجاه لانتقاء الصور الفوتوغرافية والصور الحية التي تدرك هذه الوسائل أنها تنقل قصة ما موجودة في أذهاننا بالفعل، بعبارات أخرى يمكن القول ان الصور تعمل على استثارة بعض الانطباعات أو الأحاسيس الموجودة لدينا بالفعل والتي اكتسبناها عبر مصادر أخرى.
أما فيما يتعلق بالسؤال الثاني فأعتقد أنه سؤال شديد الأهمية، فلماذا بالفعل لم تتضمن التغطية الإعلامية سوى القليل من المعلومات حول العراق وحول الإقليم ككل؟ أتصور أن السبب الأول لذلك هو ان أداء وسائل الإعلام يكون أفضل عندما ينصب على التغطية الإخبارية (أي الأحداث التي تحدث أمامنا في اللحظة الراهنة) مما لوانصبت التغطية على الجوانب التفسيرية ( أي الأخبار التي تصور عملية مستمرة أواتجاه أوجوانب تاريخية أوسوسيولوجية أو أنثروبولوجية أواقتصادية...أوغيرها من الجوانب المشابهة) فالنوع الأخير من التغطية يحتاج إلى خبرة مهارة أكبر في العمل الإعلامي وإلى تغطية أكثر عمقا وتعقدا.
قصور إعلامي
* بم تفسر القصور الفادح والملحوظ في تغطية الممارسات البشعة والفظيعة التي اقترفها الجيش العراقي أوالمسلحون الموالون له ضد المواطنين العراقيين خلال الأسبوعين الأخيرين السابقين على سقوط النظام العراقي خصوصاً مع وجود كل هؤلاء المندوبين المرافقين للقوات وكل هؤلاء المراسلين المتجولين لم تحظ تغطية هذا الجانب إلا بقدر ضئيل من الاهتمام مقارنة بالموضوعات التي تناولت الشعب العراقي وخسائره في الأرواح والممتلكات أوالاضرار التي نجمت عن ممارسات الجيش الأمريكي أوعن القصف الأمريكي الذي كان يخطىء أهدافه كثيرا (وهي الموضوعات التي لم تتردد صحف من قبيل الواشنطن بوست وغيرها في إبرازها على صفحاتها الأول خلال تغطيتها لأحداث الحرب).
لقد كنا نتوقع رؤية الخسائر في أرواح المدنيين من جراء الحرب عبر وسائل الإعلام الأمريكية، ولكن ما لم نكن نتوقعه ألا تعرض أمثلة للانتهاكات التي ارتكبها نظام حكم صدام حسين ضد شعبه، خاصة أثناء اندلاع الحرب والتي كان الكثير من شعوب ودول العالم تحتاج إلى رؤيتها.
توم روزينتيل: ذاك سؤال شيق جداً، وفي تقديري أن أحد أسباب عدم تعرض الإعلام الأمريكي لمثل تلك الانتهاكات هو وجود عدد من المعايير والمحكات التي يختار التليفزيون الأمريكي بناء عليها ما يعرضه وهي معايير قد تختلف عما لدى التليفزيونات الأخرى، أما السبب الآخر فهو احتمال عدم رصد تلك الانتهاكات من جانب مندوبي الأخبار الذين كانوا يرافقون القوات أثناء اندلاع القتال بين القوات الأمريكية وبين المقاتلين العراقيين، السبب الثالث هوأن مندوبي الأخبار الذين لايرون في الأشياء سوى جانب أحادي يقبع في رؤوسهم عقول لا تسمح لهم برؤية تلك الأشياء، ولا أعتقد أن تجاهل مثل تلك الموضوعات جاء نتيجة إرادة واعية من جانب مندوبي الأخبار، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى حقيقة لا مراء فيها وهي أن وسائل الإعلام الأمريكية حين كانت تغطي الخسائر في أرواح المدنيين العراقيين نتيجة ممارسات القوات الأمريكية كانت تبرزها بدرجة تقل كثيرا عما كانت تفعل وسائل الإعلام العربية وغيرها من وسائل الإعلام. ولا أصدق أن الإعلام الأمريكي قد تجاهل تلك الخسائر ولكن كل ما في الأمر أننا في الولايات المتحدة كنا نرى صورة مختلفة نوعا ما لهذه الحرب (صورة أكثر تأييدا للجانب الأمريكي) بشكل يفوق ما رأته باقي دول العالم.
رسالة أمريكية
* ما رأيك في التفسير الذي قدمته الحكومة الأمريكية للسبب الذي قامت من أجله بقصف الفندق الذي كانت تعلم مسبقا بإقامة صحفيين داخله؟وهل يمكن لك أن تلقي بنفسك في التهلكة من أجل تغطية حدث؟
توم روزينتيل: في ضوء التسليم بأن وزارة الدفاع الأمريكية حاولت بشكل أو بآخر أن يكون ضمن الصحفيين المرافقين للقوات الأمريكية صحفيين عرب لأن ذلك كان سيتيح تمرير العديد من الموضوعات التي ترغب الوزارة في تمريرها عبر وسائل الإعلام العربية، فلا يمكنني تصور وجود استراتيجية ما تستهدف قصف الصحفيين، فبرنامج مرافقة الصحفيين للجيش الأمريكي كان يستهدف ضمن ما يستهدف تجنب تعريض الصحفيين للقتل من منطلق أن قتل الصحفيين يعد بمثابة كارثة سوف تسيء أبلغ إساءة إلى صورة الولايات المتحدة، لقد استمعت منذ أيام قلائل لنائب الرئيس الأمريكي وهو يتحدث إلى محرري الصحف في اجتماعهم السنوي وصدمت صدمة شديدة من الغموض الكبير الذي اتسمت به إجاباته خاصة فيما قدمه من تفاصيل لما حدث. وأظن أنهم ليسوا متأكدين بالضبط مما حدث وأنهم يحاولون التملص من المسؤولية، وقد لا نعرف على وجه اليقين ما إذا كان القناصة هم الذين أطلقوا النيران من فندق فلسطين أو من مركز التليفزيون العربي في بغداد أم لا، ولكن مما لاشك فيه أن وزارة الدفاع الأمريكية لم تكن تريد لأي من تلك الأشياء أن تحدث.
وما قدم من تفسير لهذا القصف لم يكن مقنعا وأعتقد التفسير الأكثر قبولا وإقناعا هو أن بعض الجنود الغاضبين تصرفوا من تلقاء أنفسهم دون أن يعلموا ما سيترتب على فعلهم هذا ولكن هذا التفسير لا يوجد ما يؤيده خاصة في ضوء معرفتنا جميعا بالكيفية التي تدرب بها الجيش الأمريكي وهذا ليس أول شيءأرتاب فيه.
وسائل الإعلام
في تقديرك أي وسائل الإعلام هي الأقدر على تشكيل الرأي العام والتصورات: التليفزيون أم الراديوأم الصحافة المطبوعة أم الصحافة الإليكترونية؟ وإلى أي مدى يمكننا أن نثق في قوة الإعلام الأمريكي؟
توم روزينتيل: بصفة عامة يمكن القول ان وسائل الإعلام تخبرنا بالموضوعات التي يجب أن نفكر فيها ولكنها لا تخبرنا كيف نفكر فيها أي لا تتحكم في طريقة تفكيرنا فيها، بعبارات أخرى هناك ما يطلق عليه قوة وضع الأجندة بمعنى أن وسائل الإعلام بتركيزها على الحرب تجعلنا نفكر وننشغل نحن أيضا بهذه الحرب، بيد أن اتجاهاتنا نحوتلك الحرب ومشاعرنا وأفكارنا ووجهات نظرنا السياسية نحوها نشكلها نحن بأنفسنا، وبالتالي فنحن لا نأخذ كل ما تخبرنا به وسائل الإعلام كقضايا مسلم بها. ويمكن القول ان الصور التي يبثها التليفزيون أصبحت اليوم منتشرة في كل مكان بشكل لم يسبق له مثيل، فنحن ربما نقرأ الجريدة أونستمع إلى الراديو لنصف ساعة أوأكثر قليلا وباختيارنا، أما الصورة التليفزيونية فقد باتت تطاردنا في كل مكان فنحن نراها بشكل مستمر أثناء سيرنا في ردهة المطار أو أثناء مرورنا بأحد المتاجر أو على مدار اليوم في غرفة المكتب أوأثناء ارتداءنا لملابسنا في الصباح أو ونحن قابعون في فراش النوم ليلا. وقد أظهر أحد البحوث أننا نشك في الصور المرئية بدرجة أقل من شكنا في الكلمات المسموعة أوالمقروءة. فنحن نتعامل مع هذه الصور في جزء مختلف من أجزاء المخ كما نتجه إلى تصديق هذه الصور مما يجعل من عبارة «ما يري يصدق» عبارة لها رنين.
الاعلام الناقد
* بم تفسر اتجاه وسائل الإعلام الأمريكية بما في ذلك كبريات الصحف بها إلى الدعوة المغالى فيها للحرب. في حين أن وسائل الإعلام البريطانية البارزة (مثل: البي بي سي والجارديان والإندبندنت.. وغيرها) ظلت متمسكة بتوجيه النقد فظلت على سبيل المثال تنشر صور الجرحى والقتلى من المدنيين العراقيين كما دأبت على التشكيك في دوافع الحرب؟.
توم روزينتيل: لقد تحدثت مع بعض مندوبي الأخبار الإنجليز حول هذا الأمر وأكدوا لي صراحة أنهم يستشعرون قدرا أكبر من الحرية أثناء قيامهم بالتغطية الإخبارية للحرب مما يتيح لهم التشكيك فيها وهو ما أرجعوه إلى معارضة أغلبية الشارع البريطاني للحرب على نحوما أظهرت استطلاعات الرأي العام، وفي تقديري أن ما ذكره الصحفيون البريطانيون ليس مبررا مقنعا، فعلى الصحفي أن يكون أكثر استقلالا في عمله عن تلك الرياح الشعبية. ولكن ذلك قد يقدم بعض التفسير للاختلاف الذي بدأ في التغطية الإخبارية لأحداث الحرب بين وسائل إعلامية وأخرى، أما السبب الآخر لذلك فهو أن الرأي العام الأوروبي بصفة عامة يتجاوب مع المشاعر السائدة في باقي الدول الأوروبية أكثر مما يتجه الأمريكان أوالشعب الأمريكي إلى ذلك.
خطة الحرب
* كان مندوبو الأخبار ومستشاروالجيش الذين تم استئجارهم من جانب الصحف أكثر انتقادا لخطة الحرب التي تبناها وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد والجنرال تومي فرانكس وإدارة بوش ككل. ووضعت التنبؤات التي تؤكد فشل الخطة وأنه يجب على مخططي الحرب بالجيش أن يعاودوا رسم خطة جديدة ولكن في غضون ساعات من ظهور هذه التنبؤات التي صبت جام انتقادها على خطط الحرب استطاعت قوات التحالف عبور محيط «المنطقة الحمراء» وتمكنوا من الاستيلاء على مطار بغداد، وبعد ذلك بوقت قصير كانت قوات التحالف تملأ المدينة، ألم يحن الوقت لكي تعترف تلك الأصوات التي كانت تجاهر بالنقد بأنها كانت على خطأ وأن خطة الحرب كانت ضربة عبقرية؟
توم روزينتيل: أعتقد أن هذا الاندفاع في الحكم على الأمور أمر مسؤولة عنه الصحافة فهذا يدل على أن الصحافة قد ألقت بكامل ثقلها على جانب واحدمن المركب أكثر مما يدل على وجود تحيز، وفي تقديري أن الشيء الأكثر دلالة على التقدير الأمين والصادق للتغطية هواندفاع الصحافة خلال الفصل الأول من الحرب أي في اليوم الأول أو الثاني تقريبا لتصوير الرهبة والرعب الذي نجم عن الاندفاع السريع للجيش نحو بغداد ثم تبع ذلك الفصل الثاني الذي شهد سيادة شعور بتعطل تقدم القوات فاتجهت الصحف إلى إصدار أحكام تنتقد خطة الجيش الأمريكي، وبدأ الفصل الثالث بعد حوالي أسبوع أوأكثر عندما عاود الجيش الأمريكي تقدمه واستطاع قهر الجيش العراقي، والآن ونحن نعيش في إطار الفصل الرابع تندفع الصحافة نحو إعلان أن الولايات المتحدة قد كسبت الحرب، ومرة ثانية تحاول وزارة الدفاع أن تهدئ من غلواء هذا الاندفاع حتى لا تصدر أحكاماً خاطئة، فوقت إعلان الانتصار لم يحن بعد، حتى ولو كانت النتائج واضحة المعالم، إن الاندفاع نحو إصدار أحكام غالبا ما تكون خاطئة هو التحيز الخطير الذي ترتكبه الصحافة.
جاي جارنر
* لماذا جاءت التغطية الإعلامية التي تتناول جاي جارنر الحاكم العسكري للعراق والمسؤول عن عمليات إعادة الإعمار تغطية بسيطة وفي غير صالح جارنر؟
توم روزينتيل:أعتقد أن التغطية الإعلامية التي تتناول جهود جارنر وصراعاته سوف تزيد في المساحة عما هو قائم الآن، فالصحافة غالبا لا تقدر على مد ناظريها والتطلع قدما، ولكن زيادة مساحة التغطية التي سينالها جارنر مرهون بمقدار الأهمية التي سوف يضفيها المتلقي على الصراع.
مشاعر الكراهية
*ينتابنا القلق الشديد بشأن التأثير الذي تخلفه وسائل الإعلام العربية على قرائها وعلى مشاهديها وهوتأثير يتنامى يوما بعد يوم، فقناة الجزيرة لم تكف عن إشعال نار الكراهية والفرقة والخلاف، ويتساءل جميع الأمريكيين متى يستيقظون من نومهم ويتنسمون نسائم الصباح دون أن يعكر صفوهم مشاعر الكراهية ضدهم والتي ليس لها من مبرر سوى أنهم أمريكان، لننظر إلى الشعب العراقي الآن والذي يدعي الإعلام العربي أنه يحبه ويقدره لقد نال هذا الشعب فرصته في الحرية، الحرية التي لم يذق طعمها منذ أمد بعيد. ولكن لأن هذه الحرية جاءت على أيدي الغرب استقبلها العالم العربي بالصدمة والدموع. ويبدوأن الإعلام العربي يرى أنه يجب مساندة كل من يقف ضد الغرب حتى ولوكان ديكتاتوراً دموياً.
وندرك أن هناك أسباباً تاريخية وثقافية كبرى تقف وراء هذا الكم من الغضب السائد ضد الغرب، ولكن الآن ونحن بإمكاننا مشاهدة الأحداث دون مواربة في كلا الجانبين يمكن القول ان العرب قد أصيبوا بصدمة نتيجة السرعة التي سقطت بها مدينة بغداد، أما الأمريكيون فهم ليسوا مصدومين ولكنهم ارتعشوا فقط لأن الكثير من الأفراد كانوا سيفقدون حياتهم. ولقد كان رد فعل العرب مزعجا جدا لنا نحن الأمريكان وأعتقد أن وسائل الإعلام العربية مسؤولة مسؤولية كبيرة عن ذلك، فهل التغطية الإعلامية التي نتعرض لها في الغرب ليست أكثر من مجرد جانب واحد من جوانب الحقيقة كما تحاول قناة الجزيرة أن تصور؟
توم روزينتيل: هذا سؤال على قدر كبير من الأهمية لأنه يتعلق ببيئة الإعلام العالمي التي نعيش في ظلها اليوم، فتلك الاختلافات أوالتفاوتات الإعلامية موجودة دائما، ولكننا اليوم أكثر وعيا بها عن ذي قبل لأنه بات بمقدورنا أن نرى هنا في الولايات المتحدة الصور التي يراها سكان العالم العربي عبر الأقمار الصناعية بدرجة أكبر من معدلات رؤيتنا لهذه الصور في أي وقت سابق، وفي تقديري الشخصي أن هذا في حد ذاته يعد أمراً طيباً لأنه سوف يقود في المستقبل إلى تحقيق قدر أكبر من التفاهم بين أصقاع العالم المختلفة. فالقاعدة الأساسية والأقوى للديموقراطية تؤكد أنه خلال التعدد في الآراء يصبح احتمال معرفة الحقيقة أكبر، ربما يجعلنا هذا أكثر حنقا واستياء ولكنه سيجعل منا في النهاية أكثر حكمة، ولا أعلم يقينا متى سوف نصل إلى مرحلة الحكمة ولكني آمل أن يحدث ذلك وأنا حي أرزق.
مقتل الصحفيين
* كيف ترى مسألة مرافقة الصحفيين للقوات في الحرب العراقية وتعرض هؤلاء الصحفيين للموت خلال العمليات الحربية العادية؟
توم روزينتيل: كما ذكرت من قبل، أعتقد أنه من مصلحة الرأي العام بصفة عامة أن يكون هناك صحفيون مرافقون للقوات فوجود 600 صحفي يرافق تلك الحملة قدم للرأي العام 600 مصدر جديد للمعلومات كنا سنفتقدهم خلال تغطية أحداث الحرب، ولكن في الوقت الذي قيدت فيه آراء هذه المصادر بما أثر على فهمنا واستيعابنا للحرب إلا أننا في كل الأحوال فهمنا هذه الحرب على نحو أفضل مما لو تمت التغطية دون وجودهم، ولكن من جانب آخر سيجعل هذا متابعة الحرب أمراً باعثاً على الحيرة كما سيظل التركيز على أشياء خاطئة أمرا واردا.
نقل المعلومات
* إلى أي مدى قام الصحفيون بحجب المعلومات التي يمكن أن تؤثر على وضع الولايات المتحدة في الحرب، والتي يمكن أن تعرض القوات والأمن القومي الأمريكي للخطر؟ بعبارات أخرى كيف تم نقل المعلومات إلى الرأي العام على نحو يجعل هذا الرأي العام يتجه إلى تأييد الحرب أو بالعكس يتجه إلى معارضتها؟
توم روزينتيل: لا أعتقد أن الصحفيين قد قاموا بحجب معلومات باستثناء المعلومات التي يعتقدون ويعتقد الجيش معهم أنها سوف تعرض أمن القوات للخطر، وتحديد هذه المعلومات ليست وظيفة الصحافة وليست وظيفة الجيش ولكن إن إدارة بوش هي وحدها من يملك ذلك الأمر وهي التي لديها الوقت الكافي للقيام بذلك وهذه الوظيفة مسؤولية سياسية في الأساس وليست مسؤولية عسكرية أومسؤولية صحفية.

..... الرجوع .....

قضية العدد
تحت الضوء
الجريمة والعقاب
تكنولوجيا الحرب
الطب البديل
الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
رياضة عالمية
نادي العلوم
داخل الحدود
الصحة والتغذية
الصحة والتأمين
أنت وطفلك
الملف السياسي
فضائيات
السوق المفتوح
العمر الثالث
العالم في أسبوع
الاخيرة
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية


ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved