الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 15th October,2002 العدد : 5

الثلاثاء 9 ,شعبان 1423

مجلة الجزيرة ومتاعبها
قيل قديماً، إن الصحافة هي مهنة المتاعب..
ولم يخطىء، بل أصاب، من عرَّفها بذلك..
فهي بحق ذات تعب، ولكنه تعبٌ لذيذ..
وهي لمن مارسها، يستحيل عليه أن يبحث عن بديلٍ لها..
كما يستحيل على من ينتسب لها أن يضبط ساعات عمله فيها..
وأن يتنبأ بمستقبله فيها، طالما هي خياره واختياره..
ألم يقل قائلهم: «إنها مهنة المتاعب»؟
***
الصحافة، عالمٌ من الأضواء «والفلاشات» لمن يحب الظهور عامداً متعمداً، ولمن تجبره هي لا هو، قسراً على ذلك..
والصحافة، إشراقة جميلة لكل ذوي الطموح والمبدعين والنابهين، وهي كذلك مع غيرهم في مجالات أخرى..
الصحافة، دليلك للتعرُّف على الجميل وضده، على المدَّعي ونقيضه. إنها باختصار مَنْ تقوم ب«فلترة» هؤلاء وأولئك لقرائها.
***
وهي لهذا، فتعبها ليس لمن يعمل فيها فحسب، بل إن مثل هذا التعب قد يمتدُّ إلى من يتعامل معها أو يقترب منها أيضاً..
بعض هذا التعب قد يكون مشوِّقاً..
أحياناً تبحث عن مزيدٍ منه..
وبعضه تتمنى لو لم تكن ضمن عالمه.
***
ومجلة الجزيرة، جزء من هذا التعب اللذيذ الذي أعنيه..
إنها ضمن هذا الجو، داخل هذا العالم المجنون..
فأسرة تحريرها عددها جِدُّ قليل..
ولدى جميع أعضاء هذا الفريق التزامات أخرى كثيرة..
بما يغنيهم عن هذا الصداع الجميل..
لأنه لا مزيد من الوقت ولا مساحة من الفراغ تتيح لهم القيام بمثل هذا العمل..
بإصدار مجلة بهذا المستوى..
لكنه البحث عن المتاعب..
ضمن الحرص على القارىء..
وصولاً إلى النجاح الذي ننشده جميعاً..


خالد المالك

«لا» ألمانية كبيرة في وجه الحرب الأمريكية الوشيكة ضد العراق
بون للعالم:
كفى حروباً !!

بقلم: بيتر شوارس
عاشت ألمانيا في جلباب العزلة الذي فرض عليها طوال سنوات الحرب الباردة عقب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار حلف وارسو وتفسخ الاتحاد السوفييتي الى ان جاء عام 1989 الذي شهد هدم سور برلين ايذانا باعادة توحيد شطري ألمانيا لتتبوأ مقعدها على الساحة الدولية، كان على المانيا ان تحسن اتخاذ القرارات خاصة في مسائل الاشتراك في الحروب التي يخوضها الحليف الأمريكي في بقاع كثيرة من العالم لتحقيق التوازن في سياستها الخارجية بما يحافظ على استقرارها الداخلي.
حرب العراق
تعتبر مسألة شن حرب ضد العراق لإسقاط النظام الحاكم بها من المسائل الشائكة في ألمانيا بما لها من انعكاسات على الأوضاع السياسية الداخلية ولا يغيب عن المراقب الدور الذي لعبته «المسألة العراقية» في الانتخابات الألمانية الأخيرة حيث كسب الحزب الاشتراكي الديموقراطي وحزب الخضر العديد من الاصوات جراء موقفهما المناهض لأي مشاركة في القيام بغزو أمريكي للعراق.
الحقيقة ان هناك قطاعات عريضة من الشعب الألماني ترفض خطط شن حرب ضد العراق وتضرب المعارضة الألمانية الشعبية للحرب بجذورها انطلاقا من الخبرات المأساوية لألمانيا في الحربين العالميتين فضلا عن النظر بعين الشك في مايقوله الذين يفضلون القيام بعمل عسكري ومن الثابت بوضوح في مسألة العراق ان الهدف الرئيسي للعمل العسكري هو البترول.
العودة إلى الجذور
على الرغم من ترافق الشعور الشعبي الألماني مع رفض خطط الحرب التي يطرحها شرودر وفيشر الا ان الموقف الرسمي للحكومة يتخذ جذورا مختلفة جدا حيث ان انتقادها لسياسة واشنطن يعبر عن مصالح المانية محددة في منطقة الخليج. ان شرودر وفيشر يواصلان العمل من اجل تحقيق أهداف سياسة خارجية وضع بذورها اسلافهما المستشار هيلموت كول من حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي ووزير الخارجية هانز ديتريش جينشر وكلاوس كينكل وكلاهما من الحزب الديموقراطي، وفي أعقاب إعادة توحيد ألمانيا عام 1990 وانتهاء الحرب الباردة شرع هؤلاء المسؤولون في بذل جهود مكثفة من أجل إعادة نفوذ ألمانيا الى الساحة الدولية.
لقد تطلب تحقيق هذا الهدف قدرة ألمانيا على التدخل العسكري الدولي بشكل مستقل فضلا عن قدرتها على شن الحرب وفي هذا الصدد فان برنامج السياسات الخارجية والأمنية لحكومة ائتلاف الحزب الاشتراكي الديموقراطي وحزب الخضر يظهر ان ألمانيا تحركت كثيرا باتجاه ضمان تحقيق ذلك طوال سنواتها الأربع التي أمضتها في الحكم بشكل أكبر مما حققه المستشار هيلموت كول خلال فترة حكمه التي استمرت طوال ستة عشر عاما وفي ظل حكومة شرودر وفيشر أصبحت القوة ا لعسكرية مرة أخرى أداة من أدوات السياسة الخارجية الألمانية.
ولعل أبرز دليل على ذلك ان المستشار شرودر قال بفخر واعتزار في مقابلة أجرتها معه مجلة دي.زايت الاسبوعية في العام الماضي «إن حكومتي ابتعدت كثيرا عن المحظورات العسكرية» وخلال مناقشة جرت مؤخرا مع ادموند شتويبر مرشح حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي لمنصب المستشارية تفاخر شردور بان نفقات الجيش الألماني في ظل قيادته زادت عشرة أضعاف فيما يخص عمليات التدخل الدولي وان عدد الجنود الالمان العاملين في الخارج يزيد على عدد جنود أي دولة أخرى باستثناء الولايات المتحدة وانه على مدى السنوات الأربع الماضية شارك الجنود الالمان في حربين هما: حرب الناتو ضد يوغسلافيا في أواخر التسعينات الماضية والحرب في افغانستان عام 2001 كما انهم ينتشرون حاليا في 16 اقليما ودولة مختلفة وهناك احتمالات باجراء زيادة كبيرة في ميزانية الدفاع الالماني عقب الانتخابات.
بين أوروبا وأمريكا
إن استمرار السياسة الخارجية للائتلاف الحاكم في ألمانيا بين الحزب الاشتراكي وحزب الخضر على نهج سلفه الائتلاف الليبيرالي المحافظ تبدو واضحة في ضوء دراسة التطورات الأخيرة في إطار تاريخي أوسع نطاقا، ومن الثابت ان السياسة الخارجية الألمانية كانت تتحرك عقب هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية في اطار ضيق محدد سلفا يدور حول التحالف مع الولايات المتحدة من ناحية او الاندماج مع أوروبا من ناحية أخرى. و لقد نظرت النخبة الالمانية الى المظلة العسكرية الامريكية طوال سنوات الحرب الباردة على انها امر لا مفر منه ووافقت على الدور المهيمن لامريكا على حلف الناتو.
خروج ألمانيا من القمقم
وفي الوقت نفسه احتاجت الصناعة الألمانية الآخذة في الاتساع على نحو سريع الى حرية دخول الأسواق الأوروبية لذا كان من الضروري تجنب كل تكاليف العزلة السياسية والاقتصادية التي عانت منها ألمانيا عقب هزيمتها في الحرب العالمية، وعلى هذا الاساس وافقت كل الأحزاب الألمانية على تشجيع اندماج ألمانيا في أوروبا.
وعلى الصعيد الدولي سعت ألمانيا الى تأكيد نفسها كعنصر هام في السياسة الدولية فقد قام المستشار الالماني ووزير خارجيته بجولة زارا خلالها مختلف بقاع الأرض من أجل تحقيق مصلحة التجارة الألمانية وكان برفقتهما لفيف من رجال الأعمال حيث تم تناول إقامة الشراكة مع هذه الدول وتأمين حصول ألمانيا على المواد الخام ودخول سلعها الى أسواق التصدير وقواعد الانتاج الجيدة في آسيا وأمريكا اللاتينية وشرق أوروبا.
وعلى النقيض من الدول الكبرى الأخرى كانت ألمانيا في فترة ما بعد الحرب عاجزة عن تحقيق مصالحها من خلال استخدام القوة العسكرية لذا اقتصرت المانيا على ممارسة نفوذها الاقتصادي في الوقت الذي سعت فيه الى استخدام أساليب الاقناع والتكيف والوساطة ملتزمة بالتواضع غير انها اتسمت بالمرونة والقدرة على المناورة وحافظت على علاقات وثيقة مع الانظمة اليمينية في آسيا وأمريكا اللاتينية فضلا عن النظم الستالينية في الاتحاد السوفييتي والصين وشرق أوروبا وأقامت علاقات مع اسرائيل والدول العربية وشاه ايران وخلفه الإمام الخميني ووسط كل ذلك حافظت ألمانيا على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ولم تحاول قطع علاقاتها بها.
اصبح تعبير «الجنشرية» نسبة الى وزير الخارجية السابق مرادفا لهذا الأسلوب المرن في السياسة الخارجية الألمانية حيث كان من مصلحة التجارة الالمانية تحويل البلاد الى الدولة رقم واحد في التصدير على مستوى العالم على أساس نصيب الفرد من الناتج القومي الاجمالي.
كفى حروباً
انتهجت ألمانيا سياسة خارجية تقوم على أساس معارضة الحرب لدرجة ان الدوائر المحافظة قبلت شعارات من قبيل «كفى حروبا» وكان هناك اجماع عام بان دستور 1949 تضمن قيودا على قيام الجيش الالماني بأي عمل خارج نطاق أراضي حلف الناتو حتى جاء عام 1994 عندما قضت المحكمة الدستورية الألمانية بانه بالإمكان السماح بالقيام بمثل هذه الأعمال من التدخل.
أدى انتهاء الحرب الباردة وتفسخ الاتحاد السوفييتي وانهيار حلف وارسو وإعادة توحيد ألمانيا الى حدوث تحول مفاجىء في الأسس الموضوعية للسياسة الخارجية الألمانية واصبح للاقتصاد الألماني ثقل ووزن في الوقت الذي استعادت فيه ألمانيا سيادتها الكاملة وانتقلت من موقعها على الهامش الغربي لأوروبا لتحتل مكانا بارزا في مركزها. ومع نهاية الحرب الباردة فقد حلف الناتو مبررات وجوده بينما أدى التنافس على الفوز بالأسواق العالمية الى زيادة حدة التوتر مع الولايات المتحدة وعندئذ عمدت حكومة المستشار كول ووزير خارجيته جينشر الى اعادة توجيه سياستها الدولية نحو تحقيق هدف واحد يتمثل في التغلب على الهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية الأمريكية. الا ان كول تجنب بحذر الدخول في مواجهة علنية مع واشنطن المنافس البعيد لالمانيا.
حذر ألماني ودين أمريكي
كان مبعث هذا الحذر جملة من الاعتبارات المحلية والدولية حيث ان النظام السياسي الفيدرالي الألماني الذي حافظ على وجوده في السلطة لأطول فترة في الحكم منذ أول توحيد لالمانيا وتأسيس الرايخ عام 1871 مدين بشكل كبير في استقراره للحليف الأمريكي الرابض على الشاطىء الآخر للاطلنطي وبالتالي فان اندلاع صراع علني مع الولايات المتحدة يمكن ان يهدد هذا الاستقرار فضلا عن ان ألمانيا الموحدة ليس لديها القوة الكافية لتحدي الولايات المتحدة عسكريا واقتصاديا.
تتجنب الحكومة الألمانية في بياناتها الرسمية الاشارة من قريب أو بعيد لوجود صراعات مع القوة العظمى على الجانب الآخر من الاطلنطي وفي نفس الوقت اثارت الطلب الخاص بالحقوق المتساوية بصوت صاخب مع الاشارة الى الولايات المتحدة على انها القوة المهيمنة أو القوة العظمى بشكل منتظم، ويتم تناول أي بيان يصدر عن واشنطن يهدف الى تعزيز التفوق الأمريكي بكل حذر وعناية.
وعلى سبيل المثال فقد تم نشر كتاب زبجنيو برزنسكي الصادر تحت عنوان رقعة الشطرنج الكبرى والذي يفترض ضمنا الهيمنة الأمريكية على منطقة او راسيا. تم نشره تحت عنوان ألمانيا هي القوة الوحيدة في العالم وكتب مقدمة الكتاب وزير الخارجية الألماني جينشر.
الدور الأوروبي المطلوب
اتفقت الدوائر الحاكمة في ألمانيا على انه ليس بوسع بلادهم التصرف بمفردها في تحدي الوضع الأمريكي المهيمن نظرا لان ذلك يتطلب التصرف في اطار الاتحاد الاوروبي لقد أعلن المستشار كول عقب اعادة توحيد ألمانيا ان توحيد أوروبا أصبح شغله الشاغل الذي سوف يكرس له كل حياته وفي عام 1992 وقع قادة الاتحاد الأوروبي معاهدة ماسترخت التي تحدت الولايات المتحدة في كل المجالات الحيوية وكانت ألمانيا وفرنسا قد وقعتا عليها بالأحرف الأولى. وواجه الدولار الأمريكي لأول مرة منافسة خطيرة بادخال العملة الأوروبية الموحدة كما ان تشكيل سياسة خارجية مشتركة وتشكيل قوة مسلحة مستقلة، كل ذلك كان يهدف الى تمهيد الساحة السياسية لمواجهة الولايات المتحدة.
وعندما تقرر توسيع نطاق الاتحاد الأوروبي ليشمل دول أوروبا الشرقية. أصدرت حكومة المستشار كول ما سمي «خطوط دفاعية عريضة» جديدة ولأول مرة يتم وصف الجيش الألماني ضمنا بانه أداة لتأمين المصالح السياسية والاقتصادية للبلاد فقد شملت مهامه ترويج وحماية الاستقرار السياسي والاقتصادي والعسكري والبيئي على الساحة الدولية والدفاع عن التجارة الحرة في العالم والحصول على المواد الخام ذات الأهمية الاستراتيجية.
التدخل العسكري من منظور ألماني
لقد تحدث المفتش العام كلاوس ناومان واضع الخطوط الدفاعية العريضة عن عمليات التدخل العسكري ووصفها بانها أداة كلاسيكية في السياسة ..كما كتب كلاوس كينكل الذي تولى حقيبة الخارجية بعد جينشر عام 1992 عمودا في صحيفة فرانكفورتر الجماينة تسايتونج أكد فيه على الطموحات الجديدة لألمانيا بعد ان تفوق النفوذ والتوسع على سياسة التواضع القديمة.
قال كينكل إن الظروف الراهنة تملي علينا بذل جهود جبارة لتعزيز وضعنا في السوق العالمي من أجل تأمين مستقبلنا وبنفس القوة أشار كينكل الى الزعم الخاص بهيمنة ألمانيا على أوروبا الشرقية قائلا نظرا لوضعنا المحوري وحجمنا وعلاقتنا التقليدية بشرق ووسط أوروبا فقد كان مقدرا علينا الاستفادة من عودة هذه الدول الى أوروبا وفي عام 1991 وضع جينشر حرية العمل الجديدة لألمانيا محل اختبار في منطقة البلقان التي تعد المجال التقليدي لنفوذ الاستعمار الألماني وفي مواجهة المعارضة الدولية الكبيرة سارع جينشر الى الاعتراف بكرواتيا وسلوفينيا كدولتين مستقلتين وهي الخطوة التي مهدت للتفسخ الدموي ليوغسلافيا.
كان لهذه المبادرة التي جاءت للتعبير عن القوة كان لها في البداية تأثير عكسي فقد شعرت بريطانيا وفرنسا بالضيق والغضب إزاء هذه الدبلوماسية القوية في الوقت الذي انتقدت فيه أمريكا الاعتراف أصلا بكرواتيا واتجهت الى التعاون الوثيق مع زغرب وروجت لاستقلال البوسنة وفي السنوات التالية أظهرت البوسنة وكوسوفا عجز الحكومات الأوروبية عن تطوير موقف مشترك وأظهرت اعتمادها العسكري على الولايات المتحدة.
منذ ذلك الوقت تركزت السياسة الخارجية الألمانية على المشاركة في عمليات التدخل العسكري من أجل الدفع بنفوذها الى المقدمة في عملية إعادة تنظيم منطقة البلقان في المستقبل وبينما ظل اشتراك الجيش الألماني في العمليات العسكرية الهجومية صغيرا الا انه لعب دورا كبيرا فيما يسمى مهام السلام، ومن ناحية الممارسة العملية فان هذه المهام ترقى الى مستوى اقامة المحميات. ففي البوسنة وكوسوفا والى حد ما في مقدونيا يتم اتخاذ كل القرارات السياسية والاقتصادية الهامة عن طريق إدارات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي التي تقوم بتحديد الفصائل التي تتولى المواقع المؤثرة وتلك التي يتم استبعادها.
شرودر وفيشر على الدرب معاً
واصل المستشار شرودر ووزير خارجيته فيشر السير على نهج سياسة سلفيهما حيث أكدا في بداية حملتهما الانتخابية عام 1998 على استمرارية السياسة الخارجية الألمانية بل ان الحزب الاشتراكي الديموقراطي وحزب الخضر صوتا في البرلمان قبل ان يتولى الائتلاف الحكم وعقب الانتخابات مباشرة لصالح الحرب في يوغسلافيا مما اثار معارضة شعبية واسعة وانشقاقا داخل الحزبين الاشتراكي والخضر وكان الثمن الذي حصل عليه حزب الخضر مقابل ذلك هو انضمامه للائتلاف وفوزه بحقيبة الخارجية.
عمل وزير الدفاع رودولف شاربينج من الحزب الاشتراكي الديموقراطي وفيشر حزب الخضر معا عقب توليهما منصبيهما من أجل تبرير الحرب ضد يوغسلافيا ولعب فيشر بالتعاون الوثيق مع وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت في ذلك الوقت دورا رئيسيا في مؤتمر رامبوييه الذي اتاح حجة فورية للحرب في يوغسلافيا عن طريق اصدار تحذير غير مقبول ليوغسلافيا وفى نفس الوقت تم تصعيد حزب يو سى كي الانفصالي الالباني الذي كان يوصف بانه ارهابي الى وضع الشريك للناتو في مؤتمر رامبوييه وقام شاربينج بنشر روايات لا أساس لها عن مذابح وخطط لطرد ذوي الأصول الألبانية.
قوة أوروبية مستقلة ..
لماذا ؟
لقد ذهب الجيش الألماني لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية الى ماوراء مجرد تقديم الدعم اللوجستي فقد شارك بقاذفاته في العمليات الهجومية وعمل شرودر وفيشر بشكل مكثف للإسراع بتشكيل قوات مسلحة أوروبية مستقلة وقررت قمة الاتحاد الأوروبي التي عقدت تحت رعاية ألمانيا عام 1999 في كولون تشكيل فرق أوروبية يتراوح قوامها بين 50 60 الف جندي بحلول عام 2003 ومن المقرر ان يتم تجهيز هذه القوات بأسلحة متقدمة لاتقل في مستواها عن تلك التي تستخدمها القوات الأمريكية.
يلخص المفتش العام هيرالد كوجات الذي عينه شاربينج الغرض من هذه الإجراءات في كلمة تنصيبه في نوفمبر 2000 بقوله اذا كان لألمانيا ان تلعب دورا في أوروبا وما وراءها يتناسب مع موقعها الجغرافي ومصالحها ووزن شعبها البالغ تعداده ثمانين مليون نسمة في وسط اوروبا فانه يجب عليها تطوير قواتها المسلحة تبعا لذلك فيما يتعلق بحجمها ومجالها وتجهيزاتها وتدريبها.
وعقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر اكتسب التوسع العسكري بعدا جديدا ووفقا لخط التضامن المطلق مع الولايات المتحدة الذي وعد به المستشار شرودر تم نشر اعداد كبيرة من الجنود الالمان لأول مرة في مناطق لم يكن يجرؤ أي شخص على التفكير فيها قبل عام في أفغانستان وشمال شرق أفريقيا والخليج وانضمت وحدات متخصصة بشكل كبير وتعمل سرا الى جانب نظرائها من الوحدات الأمريكية في مطاردة مقاتلي طالبان والقاعدة دون صدور كلمة احتجاج في البرلمان.
وشرح شاربينج بنفسه الأهداف الأساسية من هذه العمليات في كلمة له أمام البرلمان بقوله كلنا يعلم على سبيل المثال ان الاستقرار والأمن الاقتصادي العالميين يمكن ان يتأثرا بقوة بهذه المنطقة التي تحتوي على 70% من مصادر الطاقة البترولية و40 % من مصادر الغاز في العالم .
وهم التضامن مع أمريكا !
سرعان ماثبت ان التضامن مع أمريكا ليس سوى وهم هذا على افتراض انه كانت هناك نية جادة في تحقيقه. ان ميل واشنطن للعمل دون الالتفات لحلفائها والمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة أو الأخذ في الاعتبار القانون الدولي تسبب في خوف برلين على المصالح الألمانية ومع تهديد إدارة بوش بالإطاحة بالنظام العراقي من خلال شن حرب وقائية فقد وصلت الصراعات مستوى لم يعد هناك مجال لإخفائه.
وان الحكومة الألمانية لاتخشى فقط خسارة الأسواق وموارد الطاقة الهامة. حيث ان حدوث أزمة بترولية جديدة سوف تكون بمثابة ضربة قوية للاقتصاد الأوروبي الذي لايتسم بالاستقرار التام ويعاني من ارتفاع معدلات البطالة ومظاهر العجز في الميزانيات العامة وبالتالي فان اندلاع حرب من شأنه زعزعة استقرار المنطقة بأسرها وإحداث موجة جديدة من طوفان اللاجئين اضافة الى الأزمات الاجتماعية الأخرى.
وأخذت السياسة الخارجية الأوروبية في التحلل تحت وطأة الضغوط المتزايدة من جانب الولايات المتحدة كما ان الاتحاد الأوروبي يواجه خطر الانقسام وقد اتضح ذلك بصورة جلية في اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين الأخير في اليسنور في الوقت الذي كانت تميل فيه الحكومات البريطانية والاسبانية والايطالية نحو إدارة الرئيس بوش وضع الألمان انفسهم على رأس قائمة المعارضين لهم.
لقد رد المستشار شرودر على هذه الميول المندفعة بعيدا عن مركز الاتحاد الأوروبي بالتأكيد على الاسلوب الألماني ففي الوقت الذي أكد فيه شرودر على الأهمية المحلية لشعار الانتخابات الدفاع المفترض عن رفاهية الدولة الا ان معارضيه ومؤيديه على السواء فسروا الشعار في ضوء السياسة الدولية وبدلا من الترويج للاندماج الأوروبي كما فعل كول من خلال الاقناع والاتفاقيات مع باريس والإسهامات المالية السخية إلا ان شرودر استخدم بشكل متزايد الثقل الاقتصادي والسياسي الألماني للضغط على أعضاء الاتحاد الأوروبي وتنفيذ مصالح برلين.
من يدفع ثمن الصراعات الدولية؟
يمكن ان تؤدي هذه السياسة فقط الى جولة جديدة من الصراعات الدولية بمافيها المواجهات العسكرية التي سوف يدفع ثمنها الشعب في صورة ارتفاع في النفقات العسكرية ونمو الروح العسكرية وتضحية الجنود بأنفسهم في ميادين المعارك ويترافق مع كل ذلك القضاء على الحقوق الديموقراطية وتعزيز القوى السياسية الرجعية ان بيان السياسة الخارجية والعسكرية لحكومة الحزبين الاشتراكي الديموقراطي والخضر يظهر ان معارضة شن حرب ضد العراق لايمكن ان يقوم على أساس هذين الحزبين فقط ويصدق ذلك على حزب الاشتراكية الديموقراطية الذي تأسس على انقاض الحزب الستاليني السابق الذي كان يحكم في ألمانيا الشرقية. والذي جعل المعارضة لمثل هذه الحرب بندا محوريا في برنامجه الانتخابي.
يرد حزب الاشتراكية الديموقراطية على سياسة الحرب الامريكية بالمطالبة بتعزيز الدور السياسي والعسكري للاتحاد الأوروبي فقد كتب اثنان من شخصياته البارزة هما جريجور جيسي واندريه براي رسالة مؤخرا الى أوسكار لافونتين رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي السابق يطالبانه بوضع سياسة دفاعية وخارجية أوروبية مشتركة حقيقية وإطلاق يد الاتحاد الأوروبي في شؤون الدفاع والسياسة الدولية ويعني ذلك ببساطة بناء امبريالية أوروبية لمواجهة الامبريالية الأمريكية.
ان القيام بنضال فعال ضد خطر الحرب يمكن ان تقوم به قوى الشعب العامل الموحدة على جانبي الاطلنطي ويجب ان يقوم ذلك على اساس برنامج اشتراكي يتعهد بالنضال المستمر ضد كل الحكومات الاشتراكية الديموقراطية والمحافظة التي تريد من الطبقة العاملة ان تدفع ثمن الأزمات الدولية ان الرد على الضغط الأمريكي المتزايد لايكمن في تقوية الاتحاد الأوروبي. وهو أداة للمصالح الاقتصادية والمالية للطبقة الحاكمة الأوروبية بل في إقامة الدول الاشتراكية الموحدة في أوروبا.

..... الرجوع .....

اعرف عدوك
قضية العدد
تحت الضوء
الطابور الخامس
تكنولوجيا الحرب
فن الادراة
النصف الاخر
الطب البديل
تحت المجهر
تربية عالمية
الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
كتاب الاسبوع
ثقافة عالمية
رياضة عالمية
الفيروسات والاختراقات
نادي العلوم
هنا نلتقي
الصحة والتغذية
ملف الحدث
عالم الغد
الاخيرة
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved