الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 16th May,2006 العدد : 173

الثلاثاء 18 ,ربيع الثاني 1427

اللهم لا تزدنا جهلاً فوق جهلنا!!
يقول محافظ مؤسسة النقد ما معناه: إن اقتصادنا قوي، وإن أداء البنوك جيد، وإنه لا تأثير على انخفاض قيمة الأسهم عليها..
فشكراً لمعاليه على هذه المعلومة التي لم نكن نعرفها من قبل؛ إذ كنا نعتقد (خطأ) قبل تصريح معاليه ولا نزال أن انهيار السوق وتأثر الملايين من المواطنين بتداعياته المدمرة، له علاقة بالاقتصاد الوطني وسلامته من التأثيرات السلبية، فاللهم لا تزدنا جهلاً فوق جهلنا!!
***
لكن.. ليسمح لي معاليه بأن أسأله: كيف يكون الاقتصاد الوطني قوياً وممتازاً، فيما أن سوقنا المالية خلال الفترة الماضية كانت تمر بمرحلة من الإنهاك باتجاه المزيد من الخسائر؟..
وإذا كانت بنوكنا - كما هي أغلب الشركات - تقدم أداء ممتازاً، والوضع الاقتصادي في بلادنا يتمتع بأحسن حالاته - وهذه حقيقة مؤكَّدة - فكيف به لا يؤثِّر إيجاباً في سوق مالية هي الكبرى والأكثر أهمية في المنطقة، إلا إذا كانت سوق الأسهم لا تعني مؤسسة النقد وليست ضمن أجندة اهتماماتها.
***
وهؤلاء الملايين - يا معالي المحافظ - الذي يتعاملون مع سوق الأسهم، وقد فقدوا كل أو بعض ما كانوا يملكونه من مال قلَّ أو كثر، كيف يمكن لمسؤول كبير مثلكم أن ينأى بنفسه عن مواساتهم ولا يفكر في التخفيف عنهم - ولو بالكلام - من الصدمة التي تعرضوا لها، حين تنفض يدك من المسؤولية في هذه المشكلة، مكتفياً بكلام معاد ومكرر عن بنوكنا واقتصادنا الوطني، بدلاً من تطمينهم من خلال خطوات تقترحونها لتساعد السوق في استرداد عافيته ومقاومة ذلك الانهيار.
***
خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ظل يتابع وضع السوق رغم مشاغله الكثيرة، ومثله كان يفعل سمو ولي عهده الأمين؛ بهدف إصلاح ما تعانيه هذه السوق من خلل واضح، وبالتالي طمأنة الناس، وإعطاء المزيد من الأمل والثقة لهم بالمستقبل الموعود والمبشِّر بالخير إن شاء الله.
***
بينما تأتي اجتهادات محافظ مؤسسة النقد، محطمة لكثير من هذه الآمال؛ إذ إن كلامه يحمل كل مؤشرات اليأس والإحباط، وكأنه يقول (لا تنتظروا شيئاً)؛ كما لو أنه على ثقة بأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان..
مع أنه كان في غنى عن أن يتحدث بمثل هذه اللغة المتشائمة، وهو الذي يعرف أن المطلوب من مسؤول مثله أن يزرع الأمل والثقة والاطمئنان في نفوس كثيرة آذاها أداء السوق منذ بداية الانهيار.
***
إن التصحيح الحقيقي لسوق الأسهم بدأ - إن شاء الله - بدأ منذ صدور الأمر الملكي الكريم بتكليف قيادة جديدة لإدارة السوق برئاسة الدكتور عبد الرحمن التويجري..
ونحن على ثقة بقدرة الرئيس المكلَّف على تمكين السوق من عبور هذا النفق المظلم، بعد أن غابت المبادرات الضرورية من هيئة سوق المال في وقتها المناسب لإيقاف هذا الزلزال المدمر.
***
كما أننا على ثقة بأن هذا التغيير سوف يضع حداً لمعاناة الكثير من المواطنين مع سوق واعدة قابلة لاسترداد عافيتها في ظل مناخ اقتصادي واستثماري لا يضاهى..
كما أننا على ثقة بأن قيادة هيئة سوق المال الجديدة بإمكانها أن تعيد الابتسامة وتغيّب الحزن عن مواطنين صدموا وخسروا وتأثروا من هذه السوق..
وعندئذ لن يكون هناك أي كلام عن شكوى أو تذمر بعد ترميم بيت هيئة سوق المال من الداخل.
***
ومع كل هذا فجميل أن يرتفع المواطن فوق جراحه..
ويتجاهل همومه لبعض الوقت..
وينشغل عن مأساته بانتظار أمر ملكي منقذ لمعاناته..
وها هو صبره قد كلّل بواحد من أهم القرارات: أمر ملكي بتكليف الدكتور عبدالرحمن التويجري برئاسة هيئة سوق المال..
فشكراً أبا متعب، وكل التوفيق لك يا عبدالرحمن.


خالد المالك

كاتب إسرائيلي في مقال نشرته ( فورين افايرز ) :
تناقض الحلم الصهيوني أدخل الفلسطينيين واليهود في مأزق تاريخي !

* إعداد - أحمد عبداللطيف
رغم أن حرب يونيو1967، انتهت باحتلال إسرائيل لغزة والجولان والضفة الغربية، فإن إسرائيل لم تكن في الواقع تضع في حساباتها الاستيلاء على الضفة الغربية عندما بدأت الحرب، ذلك أن غاية ما كانت تصبو إليه في تلك الأيام هو الاستقرار على أساس خطوط الهدنة لعام 1949م.
ولكن الكثيرين من الإسرائيليين لم يتوقفوا عن الحلم بإسرائيل الكبرى، مع بعض الاختلافات في الأسباب التي تدعوهم إلى ذلك، سواء بنيت هذه الأسباب على أسس استراتيجية أو قومية أو دينية.
ورغم أن هؤلاء بقوا خارج الرأي العام السائد في إسرائيل فإن كلا التوجهين مارسا نفوذا كبيرا، سياسيا وأخلاقيا، طوال فترة العشرين عاما الأولى من عمر إسرائيل.
جاء ذلك في مقال للكاتب الإسرائيلي بصحيفة (هآرتس) العبرية توم سيجيف ونشرته دورية (فورين افايرز) الامريكية المرموقة مفندا كتابا لكاتب إسرائيلي يدعى غورنبيرج.
يقول تيم سيجيف في بداية مقاله: (لقد اشتملت كتابات غورنبيرج على تحليل متعمق للقوى المؤثرة في إسرائيل، بما في ذلك المتطرفين في حزب العمل الذين ظلوا يعترضون على فكرة التقسيم منذ عام 1920م وواصلوا اعتراضهم بعد قيام إسرائيل، واستند غورنبيرج في تحليلاته على آراء كبار الحاخامات اليهود الذين كانوا يأملون أن تعيد إسرائيل احتلال الجدار الغربي والمواقع المقدسة الأخرى التي آلت إلى الأردن في عام 1949م).
ويضيف توم سيجيف قائلا: ولا يعير غورنبيرج اهتماما يذكر لقوة أخرى مهمة ألا وهي نفوذ حزب حيروت اليميني بقيادة مناحيم بيجن، الذي بذل منذ عام 1948م، على المستوى السياسي، في سبيل الحفاظ على فكرة إسرائيل الكبرى، أكثر مما بذلته القوى الإسرائيلية الأخرى.
كان بيجن عضوا في حكومة الحرب الإسرائيلية التي شكلت على عجل في حزيران 1967م، ومن موقعه أدى دورا مهما في القرار المصيري الذي اتخذته إسرائيل لاحتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، وهو القرار الذي جاء كنتيجة طبيعية للحرب، بعد أن تمكنت إسرائيل في الساعة الأولى للحرب من القضاء على أكبر تهديد عسكري لإسرائيل بتدميرها للطائرات الحربية المصرية الرابضة على ارض المطار.
ومنذ ذلك الوقت لم يعد هناك من سبب لأن تخشى إسرائيل أي تهديد على وجودها، فلماذا أصرت إذن على احتلال الضفة الغربية؟!
***
تحذير مخابراتي
ويتابع: لقد حذرت المخابرات الإسرائيلية من ضم الضفة الغربية لأن ذلك يعني السيطرة على منطقة تشتمل على كثافة سكانية كبيرة من الفلسطينيين المناوئين لإسرائيل، ولكن الحكومة لم تعر اهتماما لهذا النصح مبررة احتلالها باستفزازات الجيش الأردني الذي لم يبد اهتماما بالتحذيرات الإسرائيلية بالتوقف عن الهجوم على القطاع الإسرائيلي من القدس. ويرى غورنبيرج أن هذا التبرير لا أساس له لأن الضفة الغربية لا دور لها في هجمات الأردن، ويخلص من ذلك إلى أن هذا الاحتلال كان عملا خاطئا وضد المصالح الإسرائيلية.
ولا تفسير لهذا العمل الأخرق من جانب إسرائيل إلا الشعور بالقوة التي انتابت حكومة الحرب الإسرائيلية بعد انتصارها الخاطف على الجبهة المصرية، حيث غابت الحكمة والبعد الاستراتيجي، ولم يسأل أي من الوزراء الإسرائيليين نفسه عما إذا كان احتلال الضفة الغربية والقدس القديمة في صالح إسرائيل. لقد دفع الانتصار الدولة كلها إلى حالة من الجنون انتاب معها الكثير من الإسرائيليين شعور بأن قوة معجزة قد خلصتهم من الإبادة وأنهم أصبحوا يعيشون عصر الانعتاق، مفسرين ما حصلوا عليه من نصر بأنه هبة من الله.
ويدل على ذلك مطالبة حاخام الجيش الإسرائيلي شلوموغورين بتفجير المساجد المبنية على جبل القلعة، وطلب بن غورين، أول رئيس وزراء لإسرائيل، بتدمير جدران المدينة القديمة، وتفكير ليفي أشكول، رئيس وزراء إسرائيل، بتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى العراق.
***
صدمة ورعب
ويتابع توم سيجيف مقاله بالإشارة إلى تفجر الخلاف بين أعضاء حكومة إسرائيل فيما ينبغي عمله، حيث رأى الحمائم بقيادة وزير المالية بنهاس سابير إعادة معظم الأراضي مقابل السلام، بينما رأي الصقور، بمن فيهم بيجن ونائب رئيس الوزراء إيجال ألون ووزير الدفاع موشي ديان الاحتفاظ بمعظم هذه الأراضي، وظل أشكول نفسه مترددا وغير قادر على اتخاذ قرار.
وفي الوقت نفسه انقسم المواطنون الإسرائيليون حول أنسب الإجراءات التي يمكن اتخاذها، غير أن معظمهم كانوا يرون ضرورة ضم القدس الشرقية وقطاع غزة بصفة دائمة إلى إسرائيل، بالإضافة إلى الاحتفاظ بجزء من الضفة الغربية على أقل تقدير.
وفكرة استيطان هذه الأراضي فكرة قديمة في الأدبيات الصهيونية، كما أن فكرة العودة عميقة الجذور في الإرث اليهودي والصهيوني.
فالصهيونية ترى أن إسرائيل ولدت عندما عاد الإسرائيليون من المنفى إلى أرض الأجداد، كما أن معظم الإسرائيليين يشعرون بحقهم في الأرض، كل الأرض، وظلت فكرة الاستيطان حجر الزاوية في الأدبيات الصهيونية منذ قدوم الرواد الأوائل إلى العيش في المنطقة.
ويشير غورنبيرج إلى سبب جديد من أسباب الحماس الذي اعترى المستوطنين الجدد من الإسرائيليين بعد عام 1967م، حيث يورد بعمق، دون تحيز أو انتقاد، العديد من الحوارات التي أجراها مع العديد من هؤلاء المستوطنين، واضعا خبراتهم في إطار عدم الاستقرار الذي ساد أوروبا والولايات المتحدة في ستينيات القرن العشرين.
فحسب غورنبيرج شهدت أنحاء العالم المختلفة معاناة الشباب، الذين ساهموا في تأسيس اليسار الجديد، من (عقدة عدم الشرعية)، وانتاب شعور بالخيبة هؤلاء الشباب الذين نشؤوا في أجواء مضطربة على حكايات آبائهم حول بطولات اليسار القديم.
وبالمثل نشأ طلاب المدارس في إسرائيل على حكايات بطولات المؤسسين الأوائل لإسرائيل، بينما كانت حياتهم الشخصية تتسم بالنعومة.
ومع حلول الستينيات كان هؤلاء قد كبروا، وانطفأ وهج التحديات الباكرة، وحل محل الدراما الصهيونية أخبار إسرائيل العادية، ما أدى إلى شعور في أوساط الشباب بأن إسرائيل لم تعد تقدم إليهم مغامرات الآباء الأسطورية.
وفي الحقيقة لم تتوقف الهجرة إلى إسرائيل خلال هذه الفترة ولكن الآلاف من الشباب الإسرائيليين بدؤوا في ترك إسرائيل لمستقبل أفضل في دول أخرى، وبصفة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
***
صهيونية جديدة
ويقول غورنبيرج: إن انتصار 1967م غير كل ذلك، حيث اكتشف العديد من الشباب فجأة (صهيونية جديدة) بنفس الطريقة التي اكتشف بها الشباب في سائر أنحاء العالم اليسار الجديد. هؤلاء المتطرفون اعتبروا أنفسهم أسلاف الرواد الأوائل من الصهاينة، ومثلما كان يفعل الرواد شرعوا في زراعة الأرض الجديدة، حيث كانوا ينظرون إلى الزراعة باعتبارها عملا أخلاقيا وبطوليا وليست مجرد وسيلة حياة.
وهذا التشبيه بين اليسار الجديد والصهيونية الجديدة الذي يشير إليه غورنبيرج مهم وأصيل ولكنه في الإطار العام للتاريخ الإسرائيلي لا يشتمل على تفسير شامل؛ فإسرائيل شهدت فعلا أزمة أجيال في الستينيات، ولكن الصراع هناك لم يصبح جزءا من صراع الرؤى الذي هز الغرب الصناعي.
وبالإضافة إلى ذلك استمر الإسرائيليون في الاستيطان في الضفة الغربية لفترة طويلة بعد اضمحلال وهج الستينيات، وما زالوا يمارسون الاستيطان حتى الآن. وفهم طبيعة المستوطنين لا يتطلب نظرية الأجيال التي ذهب إليها غورنبيرج؛ وذلك لأن الكثيرين منهم كانوا ذوي دوافع دينية وقومية.
وفي الحقيقة كان لانتصار عام 1967م أثر في تحويل الدوافع الدينية إلى تيار عام بين بعض الإسرائيليين المتشددين، والشباب منهم بصفة خاصة، حيث اعتقد هؤلاء الصهاينة الجدد، مثل زملائهم الكيبوتزيين، أن على اليهود أن يتخلوا عن مظاهر الضعف ويرجعوا إلى الأرض ويتبنوا العمل اليدوي والقوة العسكرية. ولكن بعد عام 1967م رفض هؤلاء الصهاينة الجدد التخلي عن التقاليد اليهودية مثلما فعل الكيبوتزيون.
وبعبارة أخرى أوجدت لأحداث عام 1967م نوعا من الاتحاد بين الوطنية الإسرائيلية والاعتقاد الديني، مؤدية بذلك إلى ميلاد نوع متشدد من المستوطنين.
***
الحبوب السامة
ولأنه حصر نفسه في العشر السنوات التالية للحرب افتقد غورنبيرج للأسف إلى حد كبير قصة المستوطنين غير المؤدلجين الذين جاؤوا فيما بعد.
فالعديد من الإسرائيليين توجهوا إلى مشاريع إسكانية جديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة لسبب بسيط هو رخص المساكن هناك وتطور مستوى الحياة هناك مقارنة بالمناطق الأخرى. وكانت نسبة كبيرة من هؤلاء المستوطنين مهاجرين جدد، وخاصة من كتلة الاتحاد السوفييتي، لم يكونوا يرون فارقا يذكر بين العيش في إسرائيل أوالأراضي المحتلة.
وعلى غرار محدودية تركيزه حصر غورنبيرج نفسه في حكومات حزب العمل بقيادة أشكول وغولدامائير ورابين.
ويبدو أنه مؤيد للنظرة التقليدية التي ترى أن سماح هذه القيادات بالاستيطان لم يكن نابعا عن رغبة متأصلة في المشروع ولكنهم اتخذوها وسيلة للاستمرار في الحكم.
ويقول غورنبيرج: إن الكثيرين يرون أن بناء المستوطنات أخذ منحى جديا مع مجيء مناحيم بيجن للسلطة في عام 1977م، ولكن يتضح من الوصف الدقيق لسياسات بيجن، حسبما يرى غورنبيرج، أن ازدياد الاستيطان في عهده كان مجرد تصعيد للتوجهات السابقة. ولكن هذا الادعاء ليس صحيحا على إطلاقه.
فرغم أن المستوطنين كانوا قد بدؤوا في التحرك إلى تلك المناطق بمجيء عام 1977م، حيث كان عددهم في ذلك الوقت أقل من 60 ألفا، عاش 40 ألفا منهم في القدس الشرقية، فإن هذه الأرقام ازدادت بشدة خلال حكم بيجن، ما أدى إلى خلق واقع استراتيجي جديد. وبإهمال هذه الفترة ينحصر تناول غورنبيرج على النصف الأول من قصة الاستيطان فقط، رغم أن النصف الثاني كان أخطر من ذلك بما لا يقاس.
وغورنبيرج محق في تركيزه على دور حكومات حزب العمل، ولكن كل الحكومات الإسرائيلية شجعت على الاستيطان، وكذلك معظم الإسرائيليين.
ففي كل الانتخابات الإسرائيلية التي تلت عام 1967م كان الإسرائيليون يمنحون فرصة اختيار أحزاب مناوئة للاستيطان، ولكنهم كانوا يختارون دائما الحكومات المنحازة للاستيطان وتعمل بذلك ضد المصالح لإسرائيل وضد تقليد قديم تبنته الصهيونية.
فرغم أن الصهيونية تبنت دائما الاستيطان فإنها كانت تفعل ذلك مع ملاحظة مهمة تنص على أن احتلال المزيد من الأراضي يشكل خطرا على السكان، وبناء على ذلك تبنت الحركة استراتيجية أساسية عرفت باسم (أقصى مساحة ممكنة من الأرض مع أدنى عدد ممكن من السكان)، وكان معظم مفكري الصهيونية يؤيدون استبقاء الغالبية اليهودية في الأراضي التي يحكمها اليهود بدلا من السيطرة على أراضي واسعة يقطنها العرب.
ويفشل غورنبيرج في توضيح السبب الذي أدى إلى هجر الكثيرين من الإسرائيليين لهذا المبدأ بعد حرب حزيران. والموضوع في الواقع صعب ولا نستطيع إرجاع الأمر إلى التعطش الاستعماري أوالمعتقد الديني، يقول سيجيف: كما أن الاعتبارات الاستراتيجية وحدها لا توضح المسألة.
وقد تكمن الإجابة الصحيحة في تناقض ينطوي عليه الحلم الصهيوني نفسه، الذي لا يمكن تحقيقه إلا بتركه جزئيا.
فالصهيونية تنص على أن كل الأراضي الموعودة في التوراة هي أراض مملوكة لليهود، ولكن الصهيونية في نفس الوقت خاضعة للديمقراطية، ويعتقد معظم الذين يعترضون عليها أن المحافظة على دولة قابلة للنمو والتطور، التي تتصف بأنها يهودية وديمقراطية في نفس الوقت، يقتضي التخلي عن الأراضي التي يقطنها العرب بنسبة عالية.
وفي رأي هؤلاء أن ضم مثل هذه الأراضي إلى إسرائيل سوف يجعل اليهود أقل عددا والدولة أقل ديمقراطية وقد يؤدي إلى الاثنين.
قد ظل الإسرائيليون يكافحون لعدة سنوات لوضع حد لمسائل وضع الخط الفاصل، وإلى أي حد يمكن استيطان أراض جديدة دون توجيه تهديد للشخصية الديمقراطية واليهودية لإسرائيل.
***
عقبة المستوطنات
ويرى غورنبيرج أن المستوطنات قد ألغت تقسيم عام 1949م، حيث يعيش العرب واليهود الآن معا في المنطقة الواحدة، وهذا أسلوب غريب في تفسير العنف المستمر الملازم للمستوطنات والانتهاكات الظالمة التي ترتكب في حق الفلسطينيين.
ويقول غورنبيرج أيضا: (في الوقت الذي نرى فيه أن المستوطنات ليست هي السبب الوحيد وراء إجهاض الجهود الدبلوماسية الساعية إلى وضع حل للصراع العربي الإسرائيلي فإنها قد عقدت مهمة وضع خطوط تقسيم جديدة باعتبارها جزءا من مثل هذا الحل).
وهذا فهم قاصر لأن المستوطنات ظلت باستمرار عقبة كأداء أمام أي حل معقول بين إسرائيل والفلسطينيين.
وقد تضرر كل من الفلسطينيين واليهود على السواء من المستوطنات بأكثر مما يعترف به غورنبيرج.
فمن الناحية المالية استهلكت المستوطنات الكثير من الموارد التي كان من الممكن استخدامها في تحسين الخدمات الاجتماعية في إسرائيل.
ونتيجة لذلك تدهورت نوعية الخدمات الصحية والتعليمية في إسرائيل في السنوات الأخيرة، وهي الخدمات التي كانت إسرائيل تفخر بأنها من أهم إنجازاتها.
ونتيجة لذلك أيضا حلت جيوب كبيرة من الفقر محل المساواة الاجتماعية التي كانت في السابق من مفاخر إسرائيل أيضا.
وفي نفس الوقت أدت الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة إلى اتسام المجتمع الإسرائيلي بالوحشية في كل مناحيها تقريبا، كما أنها شوهت صورة إسرائيل كثيرا في الخارج.
كذلك أدى الصراع إلى تعميق الفجوة بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل بدرجة خطيرة، كما أنها تسببت في حدوث موجات متوالية من (العنف) الفلسطيني والانتقام الإسرائيلي أدت بدورها إلى مقتل آلاف الفلسطينيين والإسرائيليين.
ومنذ عام 1967م حدث تزايد كبير في أعداد الإسرائيليين المتفهمين للأخطار الناجمة عن الاحتلال، ويفسر هذا الدعم الواسع للحدث المهم الذي شهده شهر أغسطس من عام 2005م، ونعني بذلك انسحاب شارون من غزة، وهو الحدث الذي أفرد له غورنبيرج الجزء الأخير من كتابه.
وإمعانا منه في عدم الوضوح الذي لازمه حتى آخر صفحات كتابه يحاول غورنبيرج أن يتجنب الحديث عن حكمة هذا القرار بقوله (يمكن رصد هذا القرار بأنه القرار الذي أحيا جهود السلام أو باعتباره الحد الفاصل قبل نشوب معركة جديدة على الأرض الممزقة).
ولا يدري أحد إلى أي حد كان شارون سيأخذ الصراع العربي الإسرائيلي لو لم يتعرض للنوبة التي يرقد بسببها منذ أواخر عام 2005م.
فمن غير المحتمل أنه كان سينجح في التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، وخاصة بعد اكتساح حماس لانتخابات الجمعية التشريعية الفلسطينية في يناير الماضي.
فقد ظل شارون طوال حياته يعامل الفلسطينيين باعتبارهم أعداء بدلا من اعتبارهم شركاء أصيلين.
أما انسحابه من غزة من جانب واحد فقد كان قرار جنرال ينسحب تحت كثافة النيران، وليس قرار رجل دولة يعمل في سبيل السلام.
وأيا كان السبب فإن هذا الانسحاب كان أول تفريغ للمستوطنات مما ظل يعتبر في نظر الإسرائيليين أرض الميعاد.
وقد يكون كسر هذا الاعتقاد المقدس أهم إنجاز لشارون، وقد يتلوه انسحاب آخر من الضفة الغربية رغم أنه من غير المنظور أن تختفي بعض المستوطنات، وخاصة تلك التي تقع حوالي القدس.
ولا يتوقع أن تؤدي مثل هذه التغيرات إلى وضع حل للصراع، ولكنها قد تجعل الحياة سهلة إلى حد ما بالنسبة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين.
وعلى الإسرائيليين أن يشكروا شارون على أنه استطاع أن يقنعهم بأن الانسحاب من المستوطنات أقل إيلاما.
فرغم أن مستوطني غزة عانوا من صعوبات كبيرة بسبب القرار فإن بقية أجزاء إسرائيل لم تشعر بأي ضرر.
وعلى المدى البعيد لن تترك مستوطنات غزة أي بصمة على المسعى القومي الإسرائيلي.
أما في تاريخ الصهيونية فإن هذه المستوطنات لن تستحق أي إشارة سوى أن تفكيكها ربما كانت الخطوة الأولى في سبيل العودة إلى الحقيقة الصهيونية التي تخلت عنها إسرائيل بعد عام 1967م.

..... الرجوع .....

تربية عالمية
الفن السابع
فن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
رياضة عالمية
أنت وطفلك
خارج الحدود
الملف السياسي
غرائب الشعوب
استراحة
اقتصاد
حياتنا الفطرية
منتدى الهاتف
مجتمعات
روابط اجتماعية
صحة وغذاء
شاشات عالمية
تميز بلا حدود
سوق الانترنت
الحديقة الخلفية
غرافيك
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved