Al Jazirah Magazine Tuesday  15/01/2008 G Issue 249
الافتتاحية
الثلاثاء 7 ,محرم 1429   العدد  249
المراجعة مطلوبة!

أَشْجَع الناس من يتراجع عن موقف تبيَّن له فيما بعد خطأ التشبث به، سواء أكان هذا الموقف سياسياً أو اجتماعياً أو ثقافياً أو غير ذلك، فالرجوع إلى الحق لا التمادي في الباطل فضيلة وشجاعة يحمد عليها من يكون هذا تصرفه.

* * *

والإنسان عادة تتبدل مواقفه ووجهات نظره من الأشياء بحسب تدرج عمره، وما يصاحب ذلك من تنامٍ في الخبرة والوضوح لكل ما كان غائباً عنه من أمور ومعلومات أثرت في مواقفه وتوجهاته وقناعاته في كثير من الأشياء، فكان أن جاء الاستدراك منه ولو كان متأخراً.

* * *

ولا يعيب المرء إذا ما أعاد النظر في بعض القناعات التي كان يؤمن بها، فاستبدلها بما هو أحسن منها، ضمن مراجعة جسورة وشجاعة منه لما أظهرته تجاربه والمستجدات التي وقف عليها من ضرورة لأخذ هذا الطريق أو ذاك من كل رأي أو موقف كان عليه.

* * *

غير أن ما يثير الاستغراب والشعور بالألم، أن يعيب بعضنا على هؤلاء مثل هذا التوجه الجميل، فيكتبون ويتحدثون بما يُفهم منه أنه قد أغضبهم هذا التطور الإيجابي في مواقفهم، بينما كان يجب أن يشجعوا ويؤيدوا بأفضل عبارات يمكن أن تقال عن هذا المنحى الجديد في مواقفهم.

* * *

فرجوع أي مواطن إلى الحق، واستعداده لسماع الرأي الآخر، وأخذ الموقف الصحيح من كل القضايا، بما في ذلك إعلان براءته مما سبق أن نافح ودافع عنه، هو تصرف حكيم وعاقل صدر عنه بعد أن أثّرت فيه التجارب وتراكم الخبرات خلال مدى من السنوات، وعلينا أن نقابل كل ذلك بالترحيب والاحتفاء وشد أزره في ذلك.

* * *

ذلك أن للإنسان حقه في اختيار الموقف الذي يراه، وبالتالي فلا يجوز أن نضيق عليه ونذكره بآراء سابقة ونعيبه عليها طالما أنه تخلَّى عنها، ونحلّل موقفه الجديد بتأويلات وتفسيرات لا معنى لها، وبخاصة حين يكون التعاطي مع مواقفه الجديدة أشبه ما يكون بمحاكمة ظالمة وغير حكيمة لإنسان يجب أن يحتفى بتوجهاته الجديدة.

* * *

ولسنا بهذا ضد الاختلاف في وجهات النظر، أو التباين في الحكم على الأشياء، بل من حق كل إنسان أن يأخذ الموقف الذي يناسبه والرؤية التي تستجيب لقناعاته، لكنا ضد الوصاية على الإنسان والحجر على فكره، وإغلاق الفرص أمامه ليعبِّر من خلالها عن بعض توجهاته، مثلما أننا ضد استعداء الآخرين عليه باستحضار مواقف له أصبحت من الماضي الذي لا تلزمه بشيء.

* * *

يجب أن تتاح كل الخيارات للجميع ودون اعتراض ليراجع كل منا موقفه باستقلالية تامة ودون تدخل من الآخرين، طالما أن مثل هذه المراجعة لتلك الآراء ووجهات النظر مما كان يلتزم بها سوف تقود إلى ما هو أفضل في ظل مستجدات وأحداث بيَّنت ما كان موضع شك أو يقين لديه، فأخذ بموقف يمثِّل قناعاته الجديدة وبما ينسجم مع قناعات مجتمعه وبلاده.

* * *

إننا بهذا نشجع على التسامح، ونقوِّي من روابط الأخوة بين المواطنين، وندفن الخلافات فيما بيننا، ونجنب البلاد أموراً شائكة هي في غنى عنها، ونمنع التدخل الأجنبي في حشر نفسه في أمور لا تعنيه، ويبقى المواطن والوطن قويين في الدفاع عن مكتسباتنا وحقنا في العيش الكريم في وطن واحد وموحّد.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244

خالد المالك


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة