الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 29th June,2004 العدد : 87

الثلاثاء 11 ,جمادى الاولى 1425

الافتتاحية
لغة الحوار..!
ليس هناك من طريق آخر تصحح به أخطاء بعض الكتَّاب متى وجدت..
ويعالج من خلاله ما قد يكون مجال ملاحظة سلبية في أي شأن من شؤون الحياة..
غير الحوار المتوازن..
وبالمناقشة الهادئة الهادفة..
وبتقبل مبدأ احترام الرأي الآخر وإن لم يوافق قناعاتنا..
***
وبالحوار القائم على المحبة..
والتناصح فيما بيننا..
والابتعاد عن التأويل والتأويل المضاد..
وعدم الذهاب إلى أكثر مما يعنيه أو يقصده المرء حين يكون له رأي أو وجهة نظر..
بهذا تكون نقاط الالتقاء فيما بين الأطراف المختلفة أكثر من نقاط الاختلاف وهذا هو المطلوب..
***
لا بد من احترام الرأي الآخر..
وخلق الأجواء المناسبة له..
دون تبرم أو تذمر أو انفعال..
مع الالتزام بالأسس السليمة لكل حوار..
من حيث ملامسته لأي مشكلة..
أو معالجته لمستجد غير مقبول..
وعند مواجهته مع أي تصرف غير مستحب..
وبالاتكاء على هذه الأسس نكون قد اخترنا الطريق الأمثل والأصح..
***
ومن المؤكد أنه ليس كل من يطرح وجهة نظر يفترض من الجميع أن يسلّم بها..
وأن يقتنع بها الكل..
ويتبناها كل أفراد المجتمع..
إذ إنها قد لا تكون بالمواصفات والقياسات المفيدة للوطن..
وقد تكون خالية من المقومات التي تصب في خدمة المواطن..
وربما خالف صاحبها برأيه العرف المستحب والعادة الجميلة ولم يراع بها التعاليم الإسلامية..
***
وفي مقابل ذلك، فهناك وجهات نظر جيدة ينبغي أن تلقى القبول..
وربما كان الاحتفاء بها لهذا السبب مطلوباً..
بل ومن الإنصاف أن تكون مثل هذه الآراء ضمن القائمة التي ربما كان من المناسب أن تقابل بشيء من الاهتمام..
وكل هذا يأتي ضمن الفهم الواعي والمتزن والعاقل لكل الآراء التي أرى ضرورة استيعابها..
***
لقد قالوا قديماً: إن الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية..
وأنا أريد أن يكون الود هو الثروة الحقيقية التي تقود هذا المجتمع النقي إلى ما هو أفضل..
وأن يكون الحب النظيف بين أفراده هو العلامة المميزة فيما بين أطياف هذا المجتمع..
ولتتباين بعد ذلك وجهات النظر فيما بين الأفراد والمجتمعات والمؤسسات، طالما أنها لاتمس الثوابت، وطالما أن هذا التباين يعمق المزيد من وشائج القربى، والتقارب والتحاب فيما بين الجميع.
خالد المالك
بقيادة الصين وروسيا والهند
نظام عالمي متعدد الأقطاب قيد التشكل!

* إعداد إسلام السعدني
شيئاً فشيئاً يتكشف للعيان حجم المأزق الذي تمر به الولايات المتحدة في العراق، ذلك المأزق الذي يرى الكثيرون أنه بات عصياً على الاحتواء بعد أن أصبحت بلاد الرافدين بمثابة مستنقع جديد للعم (سام) ليس على الصعيد العسكري فحسب وإنما على الصعيد السياسي أيضاً في ضوء الخسائر الفادحة التي تتكبدها إدارة الرئيس (جورج بوش) جراء إقدامها على غزو لم تحسب حسابه بشكل دقيق ولم تعد له العدة كما ينبغي.
ومن بين الكتاب الذين تناولوا بالتحليل ذلك الموقف العصيب الذي تواجهه الولايات المتحدة حالياً في العراق الكاتب (مايكل وينستين) الذي يتناول أبعاد هذا الموقف والعوامل التي أدت إليه والتداعيات الناجمة عنه سواء على الساحة الداخلية في أمريكا أو على الصعيد الدولي.
يؤكد (وينستين) في بداية مقاله أن أسوأ ما نجم عن المغامرة الأمريكية الفاشلة في العراق أنها كشفت بوضوح عن حدود القوة العسكرية التي تمتلكها الولايات المتحدة وكذلك عن نقاط الضعف في هذه القوة، مشيراً إلى أن غزو العراق أدى إلى العديد من الإخفاقات المتنوعة التي يمكن أن يعزى البعض منها إلى سوء التخطيط والتفاؤل المفرط وهما العاملان اللذان يرى الكاتب أنهما يرجعان إلى الإيديولوجية (الطوباوية) المثالية المفرطة التي يتبناها (المحافظون الجدد)، فيما يوضح أن البعض الآخر من هذه الإخفاقات يكشف عن وجود نقاط ضعف هيكلية تعاني منها الولايات المتحدة.
ويستعرض (وينستين) هذه الإخفاقات قائلاً: إنها تتمثل في (الاعتماد على مقاولين من القطاع الخاص لأداء مهام رئيسية في العراق بأسعار مبالغ فيها، ووجود ثغرات استخباراتية، إلى جانب الإفراط في الاستعانة بقوات الاحتياط، فضلاً عن القيام بعمليات إعادة انتشار للقوات الأمريكية التي كانت مرابطة في كوريا الجنوبية ونشرها في الأراضي العراقية، بالإضافة إلى تمديد فترة بقاء الجنود الأمريكيين في ساحة القتال في العراق).
وأشار إلى أن كل ما سبق يلفت الانتباه إلى المشكلة الرئيسية التي يعاني منها الجيش الأمريكي حاليا وهي أنه ليس على استعداد للاضطلاع بمهمة ضخمة كإعادة إعمار بلد مزقته الحروب في ضوء محدودية خبراته في هذا الصدد.
ومضى الكاتب قائلا: إن احتلال العراق كشف النقاب عن العديد من أوجه القصور لدى الولايات المتحدة ومن بينها أنها غير قادرة على كبح جماح حركات المقاومة أو إدارة السجون بفعالية، كما أنها عاجزة عن الحصول على معلومات استخباراتية دقيقة أو تنفيذ حملات علاقات عامة ناجحة.
وأشار (وينستين) إلى أن العالم بات يدرك الآن أنه من غير المنتظر أن تقدم أمريكا على شن حرب استباقية على المدى القصير أو المتوسط، قائلا: إن المشكلة لا تقتصر على تورط واشنطن في العراق، ولكنها تشمل أيضاً ظهور افتقار الولايات المتحدة إلى الاستعدادات والتجهيزات اللازمة لإعادة إعمار بلد يعد أضعف بلدان (محور الشر) وهو المحور الذي يضم أيضاً إيران وكوريا الشمالية.
ويضيف الكاتب ان العجز الأمريكي عن الاضطلاع بهذه المهمة جاء على الرغم من النظام الحاكم في العراق كان منهك القوى بفعل جراء العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليه، كما أن هذا النظام كان يواجه شعباً غير راضٍ عن سياساته ربما باستثناء البعثيين ومن كان على صلة بهم من قبائل وعشائر.
خيارات صعبة
وأشار (وينستين) إلى أن الولايات المتحدة تواجه اختياراً صعباً في الوقت الراهن ما بين أن تقوم بإعادة تأهيل قواتها المسلحة لتصبح قادرة ليس فقط على الوفاء بأعباء خوض الحروب بل أيضاً مواجهة التداعيات الناجمة عنها، وبين أن تتخذ موقفاً دفاعياً بشكل أكثر وتتجاهل عمليات إعادة التأهيل تلك، وهو ما يفتح الباب أمام ظهور نظام دولي متعدد الأقطاب.
وأوضح أن لكل خيار من هذين الخيارين سلبياته وإيجابياته، مشيراً إلى أن اتباع أي منهما سيعتمد على القرارات التي يتخذها المسؤولون الأمريكيون على هذا الصعيد، إلى جانب قدرة هؤلاء المسؤولين على إقناع مواطنيهم بتقبل سياساتهم في هذا الشأن أو حتى إجبارهم على قبول هذه السياسات.
وقال (مايكل وينستين) إنه من المرجح أن تسعى الإدارة الأمريكية القادمة سواء كان على رأسها الرئيس الحالي (جورج بوش) أو (جون كيري) المرشح الديموقراطي الأكثر بروزاً حتى الآن إلى تبني سياسة خارجية متعددة الأطراف تصبح الولايات المتحدة فيها شريكاً مهيمناً له سطوته على باقي الشركاء على الساحة الدولية، مشيراً إلى أن هذه الإدارة ستسعى أيضاً على الأرجح لإعادة بناء القوات المسلحة الأمريكية بالشكل الذي يتلاءم مع الوفاء بمهام إعادة الإعمار إلى جانب المهام القتالية.
وأضاف أن تحقق هذا الاحتمال على أرض الواقع سيجعل من الضروري أن تتم زيادة حجم القوات المسلحة، وأن يتم التركيز على تجهيزها بالعناصر المدربة الخبيرة في بعض المجالات مثل الاستخبارات والشرطة العسكرية والشؤون المدنية، موضحاً أن المشكلة التي ستنشأ جراء اتخاذ هذه الخطوات هي كيفية استقدام العناصر المؤهلة للقيام بهذه المهام، وكذلك كيفية تدبير الموارد المالية اللازمة لزيادة عدد أفراد الجيش الأمريكي.
ويضيف الكاتب أن تقديم الولايات المتحدة ومواطنيها تضحيات في سبيل استعادة أمريكا قوتها على الصعيد الدولي لن يلعب دوراً كبيراً في الحملات الانتخابية التي ستسبق انتخابات الرئاسة المقبلة والمقرر إجراؤها في نوفمبر القادم، إلا أنه يؤكد أن هذه القضية ستطفو على السطح بقوة بمجرد أن تتولى الإدارة الأمريكية الجديدة زمام الأمور في البلاد.
أسئلة ولا إجابات
وبعد أن يستعرض (مايكل وينستين) المشكلات الداخلية التي ستنجم عن محاولة السعي لتعديل قوانين الخدمة العسكرية في الولايات المتحدة بهدف زيادة عدد قواتها المسلحة، يشير إلى أن أي محاولة لتوسيع الجيش الأمريكي بدون إجراء تعديلات تشريعية ستجعل من الحتمي على المسؤولين الأمريكيين تقديم إغراءات أكثر للمتطوعين للخدمة العسكرية وخاصة من ذوي القدرة على التعلم واكتساب الخبرات حتى يقبلوا الانضواء تحت لواء الجيش، قائلاً: إن هذه الإغراءات لابد وأن تتضمن تقديم رواتب أعلى، وكذلك تخفيف الشروط الصارمة الخاصة بالتطوع في القوات المسلحة وهو ما سيقود في النهاية إلى زيادة تكاليف عملية التوسيع، مما يدفعه للقول: إن أي سيناريو لإعادة تأهيل وبناء القوات الأمريكية من أجل أن تصبح قادرة على الاضطلاع بمهامها سواء في ساحات القتال أو في مضمار إعادة إعمار البلدان سيكون باهظ التكاليف.
ومن الصعيد الداخلي الأمريكي الذي يرى (وينستين) أنه قد لا يرحب بإجراء عملية إعادة بناء الجيش، إلى الصعيد الخارجي الذي يؤكد الكاتب أن الولايات المتحدة لن تجد فيه شركاء يمدون لها يد العون في هذا الشأن، مشيراً إلى أن الحلفاء التقليديين لأمريكا على الساحة الدولية سيكونون مترددين في التعاون معها بدافع من الشكوك التي تراود الرأي العام في هذه الدول إزاء الأهداف التي ترغب أمريكا في تحقيقها من وراء عملية إعادة الهيكلة العسكرية هذه، بل ويضيف أن بعض الدول مثل روسيا والصين والهند قد تحاول أن تلعب دوراً معوقاً في هذا الصدد.
ويختتم الرجل رؤيته في هذا الشأن بالقول: إن صناع القرار في الولايات المتحدة سيواجهون معضلة حقيقية فيما يتعلق بتلك القضية بعد انتخابات الرئاسة القادمة، حيث سيتعين عليهم من وجهة نظره الاختيار ما بين المضي قدماً على طريق إعادة البناء وهو ما سيتطلب تقديم تضحيات من قبل المواطنين الأمريكيين أو الإحجام عن ذلك، موضحاً أن الخلافات التي ستنشب جراء اتخاذ قرار بإعادة هيكلة القوات المسلحة الأمريكية ستؤدي إلى تعميق الانقسامات الموجودة بالفعل في المجتمع الأمريكي، فضلاً عن إيجاد انقسامات جديدة مما سيسفر عن إضعاف قوة الولايات المتحدة على المدى القصير على الأقل وذلك من خلال زعزعة المساندة الداخلية للسياسة الخارجية للبلاد.
ويضيف (مايكل وينستين) أنه على الرغم من أن اتباع الخيار الثاني وهو الخاص بالإحجام عن عملية إعادة الهيكلة لن يؤدي إلى أن تتقوقع الولايات المتحدة على نفسها، إلا أنه يشير إلى ان هذا الإحجام سيقود إلى أن تفقد أمريكا نفوذها لصالح عدد من القوى الإقليمية في العالم، وهو ما سيسفر عن تعزيز الاتجاه نحو عالم متعدد الأقطاب.
النفوذ الأمريكي الضائع
ويؤكد الكاتب أن الأزمة التي ستتضح معالمها بعد انتخابات نوفمبر ستتمحور حول إيجاد إجابة مرضية لتلك المعضلة، في ضوء أن كل التيارات الفكرية في الولايات المتحدة على اختلافها تتفق على ضرورة أن تكون البلاد قادرة على مواجهة التهديدات التي تتعرض لها، تلك التهديدات التي تتمثل في دول مارقة كما يرى مفكرو تيار (المحافظون الجدد) أو التي تتمثل في البلدان الفاشلة أو الحركات الثورية العابرة للحدود كما يرى المفكرون المناصرون لتعاون أمريكا مع المجتمع الدولي.
و أكد (مايكل وينستين) أن الإخفاق الذي حاق بالمغامرة الأمريكية في العراق أدى أيضاً إلى فشل تجربة الولايات المتحدة مع انتهاج سياسة التحرك أحادي الجانب على الصعيد الخارجي، مشيراً إلى أن هذا الفشل قاد العالم إلى العودة إلى النموذجين الرئيسيين لعلاقات القوى الدولية وهما التحرك في إطار جمعي أو إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب.
وأوضح الكاتب أنه بصرف النظر عمن سيكون شاغل المكتب البيضاوي بعد الانتخابات الرئاسية القادمة فإن الرئيس الأمريكي المقبل سيكون مطالباً بأن يستعيد النفوذ الذي فقدته الولايات المتحدة جراء استغراقها في أوهام ونزوات (المحافظون الجدد).
ويشير (وينستين) إلى أنه يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال السعي إلى إعادة بلورة إجماع دولي حول إقامة نظام عالمي تحتل فيه أمريكا موقع الريادة من خلال اضطلاعها بمهمة تأمين النظام الرأسمالي العالمي بفضل قوتها العسكرية، دون أن تسعى في الوقت نفسه إلى استخدام هذه القوة في فرض سياساتها سواء على الدول الحليفة لها، أو على البلدان التي تربطها بها علاقات تعاون في حدود معينة مثل روسيا والصين.
وأوضح الكاتب في مقاله أنه في ظل النظام العالمي القديم القائم على أساس العمل الدولي الجماعي كانت الولايات المتحدة تحجم عادة عن القيام بتحركات تلقى معارضة من قبل باقي القوى الدولية الكبرى، مضيفاً أن خروج الولايات المتحدة عن هذا السياق وإقدامها على غزو العراق أظهر أن التحرك بشكل أحادي الجانب يؤدي إلى عزلها عن البلدان الحليفة لها والمتعاونة معها، ويقود أيضاً إلى تآكل مصداقيتها ونفوذها، وهو ما يبين كما يؤكد (وينستين) أن النظام العالمي التعددي يبقى السبيل الأمثل لتعزيز وتدعيم القوة الأمريكية إلى أقصى حد على الصعيد الدولي.
نقطة التحول
ويمضي الرجل قائلاً: إن السؤال المطروح هنا (هو ما إذا كانت الحرب في العراق ستعد نقطة تحول في عالم السياسة الدولية أم لا، وهل ستكون نقطة التحول هذه إيذاناً بتغير اتجاه مجريات الأحداث في العالم من السير نحو نظام عالمي تعددي يقوم على تحرك جماعي يتم الاتفاق عليه من خلال تحالفات أو منظمات مثلما جرى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي إلى التحرك تجاه نظام عالمي متعدد الأقطاب أم لا ؟).
ويُوضح الكاتب أنه بدا قبل اندلاع الحرب في العراق أن دولاً مثل فرنسا وروسيا والصين تفضل نظاماً متعدد الأقطاب لا يفسح مجالاً للقيادة الأمريكية للعالم، بل يستبدل هذه القيادة بتوافقات وتفاهمات بين مراكز القوى الإقليمية، مشيراً إلى أن النتائج التي تمخضت عن الحرب ربما تكون قد رجحت بالفعل كفة التوجه نحو مثل هذا النظام.
ويفسر توجهات تلك البلدان بالقول: إن حكومات هذه الدول تسعى إلى ضمان السيطرة بأقصى قدر ممكن على المناطق والأقاليم التي تقع فيها وذلك حتى يتسنى لها أن تقف في وجه أية محاولة أمريكية للتدخل في هذه البقاع، طالما أنها لا تستطيع الوثوق في أن واشنطن ستضع مصالحها في الحسبان عند تحديد ملامح السياسة الاستراتيجية الأمريكية، حتى وإن كانت هذه البلدان تعد من بين الدول الحليفة للولايات المتحدة أو المتعاونة معها.
ويضيف الرجل أنه على الرغم من أن لكل قوة إقليمية مصالحها الخاصة بها إلا أن كل هذه القوى تتفق على رفض الإملاءات الأمريكية، وهو ما يدفعها لإقامة تحالفات دفاعية فيما بينها.
ويؤكد (مايكل وينستين) أن النظام العالمي متعدد الأقطاب يعد بمثابة محاولة لاحتواء الولايات المتحدة، تلك القوة العظمى التي بدت واضحة نقاط الضعف التي تعاني منها والحدود التي تحكم قوتها العسكرية.
ويقول: إن السيناريو الأكثر احتمالاً للنظام الذي سيحكم العلاقات الدولية في العقد القادم أن يتحرك العالم شيئاً فشيئاً نحو ظهور نظام متعدد الأقطاب خاصة وأنه بات من العسير أن تستطيع أمريكا استعادة وضعها السابق ك (قوة عظمى وحيدة) في هذا العالم.
وعلى الرغم من هذه التوقعات، إلا أن الكاتب يشير إلى أن إقامة مثل هذا النظام سيظل مجرد حلم لن يتجسد على أرض الواقع ما لم تكن هناك قوة عسكرية تدعم المحاولات الرامية لتحقيقه، قائلاً: إن المؤشر الأول الذي قد يومئ إلى وجود توجه نحو إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب يمكن استخلاصه من السياسات العسكرية التي ستنتهجها القوى الإقليمية التي ستكون ركائز هذا النظام.
ويوضح أن القوتين الأكثر بروزاً في هذا المضمار وهما روسيا والصين قد أعلنتا بالفعل التزامهما ببناء وتحديث جيشين متطورين، وهو ما تعهدت به أيضا الهند ومثلها باكستان بقدر ما تسمح مواردها المحدودة.
ثم ينتقل الكاتب لتناول القوى الإقليمية الأوروبية قائلاً: إن الصورة بالنسبة لهذه القوى تبدو أكثر تعقيداً، حيث يشير في هذا الشأن إلى أنه فيما يتعلق بفرنسا وألمانيا على سبيل المثال فإن هاتين الدولتين لا تزالان تعولان على القوة العسكرية لحلف شمال الأطلنطي (الناتو) خاصة في ظل المعارضة التي تلقاها محاولاتهما للاضطلاع بدور قيادي في القارة الأوروبية.
ويضيف (وينستين) أنه بينما تمكنت الولايات المتحدة من الحيلولة دون ظهور قوة إقليمية كبرى في أوروبا من خلال استغلال الخلافات الناشبة بداخل الاتحاد الأوروبي بين ما يمكن أن يطلق عليه أوروبا القديمة وأوروبا الجديدة، إلا أنه قد لا يكون بوسعها استخدام نفس الأسلوب في بقاع أخرى من العالم.
ويخلص الكاتب للقول: إن روسيا والصين ستقودان التحرك نحو إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، وأن باقي القوى الإقليمية في العالم ستسير على دربهما متى رأت أن هذا التوجه يتفق مع مصالحها.
التنين الصيني يترقب
ويشير إلى أن منطقة شرق آسيا سيكون لها الدور الأكبر في ظهور مثل هذا النظام، حيث يقول إن الاتجاه نحو نظام متعدد الأقطاب تلعب فيه القوى الإقليمية دوراً مهماً تمخض عن فراغ القوة الجزئي الذي نجم عن إدراك أن هناك حدوداً تحكم سطوة وهيمنة القوة العسكرية الأمريكية، إضافة إلى تآكل مصداقية الولايات المتحدة بين دول العالم كحليف وصديق جدير بالثقة، وكذلك تآكل مصداقيتها الأخلاقية كمدافع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان وحتى عن قيم الرأسمالية العالمية.
ويؤكد (وينستين) أن القوة الإقليمية الأقدر من غيرها على استغلال مثل هذا الفراغ هي الصين، ليبدأ بعد ذلك في الحديث عن القوى الإقليمية التي يشير إلى أنها ستسعى إلى تغيير اتجاه النظام العالمي باتجاه نظام متعدد الأقطاب خلال السنوات القادمة.
بادئاً بالصين التي يؤكد أن إمكانية نشوب صراع بينها وبين الولايات المتحدة كان المحور الرئيسي لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2002، مضيفاً أن هذه الإمكانية كانت المبرر الأقوى للرؤية الأمريكية المنادية بالسعي للحفاظ على التفوق العسكري للولايات المتحدة خلال السنوات القادمة.
ويقول الكاتب إن الهدف الأساسي للاستراتيجية التي تتبعها بكين يتمثل في أن تتمكن من بسط سيطرتها على بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان وأن تبعد الولايات المتحدة عن ممارسة أي نفوذ عسكري في هذه المنطقة، وأن تحرمها في الوقت نفسه من الاستفادة من الموارد الاقتصادية المتوافرة هناك بأي شكل من الأشكال.
ويوضح أنه من المتوقع أن تسعى الصين للسيطرة على أكبر قدر ممكن من مقدرات المنطقة التي تقع فيها وأن تتعايش مع أوضاع هذه المنطقة وما بها من استثمارات أجنبية وما يسودها من علاقات تجارية.
ويضيف (وينستين) أن أي توجه من جانب الصين لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب ستبدو مؤشراته واضحة من خلال اتخاذ بكين سياسة متشددة حيال تايوان وهونج كونج، قائلاً: إن النظام الصيني سيحقق معظم أهدافه الاستراتيجية في هذا الصدد إذا ما تمكن من استمالة تايبيه إلى جانب بكين من خلال التلويح بالقوة العسكرية التي قد تترافق مع منح تايوان حكماً ذاتياً لن يكون سوى قناعاً يخفي وراءه تبعية حقيقية للصين.
وأشار الكاتب إلى أن نجاح المحاولات الصينية على هذا الصعيد سيكون له تأثيره بالقطع على باقي دول المنطقة، موضحاً أن الصين قد تسعى أيضاً لاستغلال الأزمة الناجمة عن الطموحات النووية لكوريا الشمالية، وذلك من خلال عرقلة مساعي أمريكا لتحقيق انتصار سهل في هذه الأزمة، ويشير أيضاً إلى أن بكين ستحاول تقويض مصداقية واشنطن في مواجهة بيونج يانج من خلال انتزاع تنازلات من أمريكا.
ويتحدث (وينستين) بعد ذلك عن التداعيات التي ستنجم عن نجاح محاولات الصين لبسط سيطرتها على دول شرق آسيا، قائلاً: إن هذه البلدان لن تشعر بارتياح إزاء تلك المحاولات ومن ثم فإنها ستسعى إلى طلب الحماية من أمريكا، على الرغم من أنها ثقتها في فعالية هذه الحماية لن تكون قوية كما كانت من قبل.
ويضيف الكاتب أن هذا الوضع قد يقود اليابان وكوريا الجنوبية إلى المضي قدماً نحو امتلاك أسلحة نووية، خاصة إذا ما ترافق مع فشل المحاولات الرامية لتفكيك الترسانة النووية لكوريا الشمالية وكذلك مع مواصلة الصين سعيها الحثيث للسيطرة على تايوان، مشيراً إلى أن كل ذلك من شأنه دفع طوكيو وسول للتعامل مع بكين بشكل مختلف، مما سيؤدي في النهاية إلى تقليص النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة.
وقال إن الولايات المتحدة ستجد نفسها حينئذ في مواجهة سؤال حاسم مفاده :هل لديها العزيمة السياسية والموارد الاقتصادية والعسكرية الكافية لمواجهة الصين في وضعها الجديد أم لا؟.
بوتين واستعادة المجد
وينتقل الرجل بعد ذلك إلى روسيا التي يصفها بأنها الدولة الثانية المرشحة لأن تكون قوة إقليمية ذات شأن في أي نظام عالمي متعدد الأقطاب، ويوضح أن هذا البلد في عهد الرئيس الحالي (فلاديمير بوتين) عاد لانتهاج سياساته الاستراتيجية التقليدية القائمة على السعي لاحتواء محاولات التطويق والحصار التي يتعرض لها، والعمل في الوقت نفسه على توسيع نطاق نفوذه إذا كان ذلك في الإمكان أو بالأحرى استعادة هذا النفوذ.
ويلفت (وينستين) الانتباه إلى أن بوتين يسعى إلى أن تستطيع بلاده تنمية نفسها بنفسها على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، وأن تتمكن أيضاً من انتهاج سياسة خارجية مستقلة إلى جانب المضي قدماً على طريق تحديث القوات المسلحة الروسية، مؤكداً أن هذه التوجهات تستهدف بشكل استراتيجي استعادة روسيا سيطرتها على الدول المحيطة بها، وذلك من خلال حمل أوكرانيا وبيلا روسيا على الدوران في الفلك الروسي وإعادة مد نفوذ موسكو إلى الجمهوريات السوفيتية السابقة في منطقة القوقاز ووسط آسيا، وذلك حتى يتسنى للدب الروسي إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في هذه المنطقة وبسط سيطرته ولو جزئياً على الموارد النفطية في البحر الأسود.
إلا أن (مايكل وينستين) يعود ليتحدث عن المعوقات التي قد تحول دون نجاح موسكو في تحقيق أهدافها في هذا الشأن، مشيراً إلى أن هذه المعوقات تتمثل في الاقتصاد الروسي المتداعي، واعتماد البلاد الكبير على عائدات النفط، إلى جانب انغماسها في الحرب في الشيشان، فضلاً عن عدم كفاءة قواتها المسلحة.
وقال: إن قدرة روسيا على تبوء مركز مرموق في نظام عالمي متعدد الأقطاب مرهون بنجاحها في تحسين أوضاعها الاقتصادية وتحقيق فائض يمكنها من الوفاء بتعهداتها فيما يتعلق بتحديث الجيش الروسي.
ويضيف أن الولايات المتحدة سيتعين عليها أيضا فيما يتعلق بروسيا أن تطرح على نفسها ذات السؤال الذي سبق وفرض نفسه عليها في حالة الصين ألا وهو هل لديها العزيمة والموارد الكافية لبسط سيطرتها على المنطقة المحيطة بالدولة الروسية ؟.
الاخوة الأعداء
ومن روسيا يطير (مايكل وينستين) إلى شبه القارة الهندية وهي الموقع الثالث الذي يرى الرجل أنه مرشح للقيام بدور إقليمي محوري، حيث يستعرض ملامح الوضع في هذه المنطقة قائلاً: إن كلاً من الهند وباكستان متمسكتان بالمضي قدماً على طريق تعزيز ترسانتيهما العسكرية خاصة مع استمرار النزاع القائم بينهما حول إقليم كشمير، وذلك في ضوء أن الحرب في العراق أدت إلى إضعاف جهود الوساطة التي كانت تقوم بها الولايات المتحدة بشأن هذا النزاع.
ثم يلقي الرجل الضوء على أن الهدف الاستراتيجي لنيودلهي يتمثل في أن تتمكن من حماية نفسها من أي تهديد عسكري، وذلك من أجل تدعيم استقلالها الداخلي وكذلك قدرتها على انتهاج سياسة خارجية مستقلة، في نفس الوقت الذي تقوم فيه بتطوير اقتصادها حتى يكون بوسعها أن تدخل الساحة الاقتصادية العالمية كلاعب رئيسي.
أما فيما يتعلق بإسلام أباد، فإن الكاتب يرى أن قدراتها مقيدة بفعل تحالفها المفروض عليها تقريباً مع أمريكا، وهو التحالف الذي يؤدي إلى نشوب نزاعات داخلية في البلاد، وذلك مع الأخذ في الاعتبار كما يوضح أن الاقتصاد الباكستاني أضعف كثيراً من الاقتصاد الهندي، وأن نظامها السياسي أقل استقراراً من نظيره في نيودلهي.
ويقول (وينستين) إنه طالما ظلت الولايات المتحدة متورطة في العراق ستحاول الهند ممارسة ضغوط أكبر على باكستان بشأن كشمير، موضحاً أن من شأن نجاح هذه الضغوط زعزعة استقرار النظام الحاكم في إسلام أباد بشكل كبير، والتأثير بالسلب على العلاقات الباكستانية الأمريكية.
ويشير إلى أنه هناك احتمالات ضئيلة لأن تؤدي مثل هذه التطورات إلى نشوب نزاع على المستوى النووي بين الجارتين اللدودتين، مرجحاً أن يكون مثل هذا النزاع على مستوى أقل من ذلك.
وأوضح (وينستين) أن قدرة أمريكا الحالية على التدخل لوضع حد لمثل هذا النزاع ستكون أقل بكثير من قدرتها على القيام بذلك قبل إقدامها على غزو العراق، مضيفاً أن واشنطن ستجري في مثل هذه الحالة موازنة بين مصالحها الاقتصادية مع الهند ومصالحها الاستراتيجية مع باكستان.
محور بلا أنياب أما فيما يتعلق بأوروبا، فيؤكد الكاتب في أن من العسير على المحور الألماني الفرنسي أن يشكل نواة قوة إقليمية في القارة الأوروبية في إطار أي نظام عالمي متعدد الأقطاب، وذلك لأن الولايات المتحدة لا يزال لديها حلفاء جديرون بالثقة بين دول القارة، مشيراً إلى أن هؤلاء الحلفاء يتخذون مواقف معارضة لمحاولات الهيمنة الفرانكو ألمانية على الاتحاد الأوروبي.
بالإضافة إلى هذه العوامل، يوضح (وينستين) أن المصالح المشتركة للأنظمة الرأسمالية على جانبي الأطلنطي تجعل من غير المحتمل أن يسعى المحور الفرنسي الألماني لإقامة نظام عالمي بديل للنظام التعددي الذي ساد طيلة سنوات طويلة.
ويشير الكاتب إلى أن من أبرز أوجه القصور في هذا المحور افتقاره إلى قوة عسكرية مستقلة، وهو ما سيحول دون أن يتمكن التحالف الفرنسي الألماني من أن يحقق لنفسه اكتفاء ذاتيا من الوجهة الاستراتيجية.
ويخلص الكاتب للقول إن على الولايات المتحدة السعي لاستعادة دورها الريادي السابق على جانبي الأطلنطي، مؤكداً أن التحول نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب في القارة الأوروبية سيتم بشكل تدريجي وعلى مدار سنوات طويلة، وسيعتمد على مدى التكامل الاقتصادي والسياسي بداخل الاتحاد الأوروبي، وهو التكامل الذي سيقود في حالة حدوثه إلى أن تصبح بلدان القارة قادرة على تحقيق استقلالها العسكري.
الحركات المسلحة
آخر القوى التي يتحدث عنها (مايكل وينستين) في استعراضه لملامح النظام العالمي متعدد الأقطاب الذي يمكن أن يشهده العالم في السنوات القادمة هي الحركات المسلحة التي يتحدث عن أن الإدارة الأمريكية تذرعت بها بشكل ما لشن الحرب في العراق من خلال ما ردده المسؤولون الأمريكيون من أن الرئيس العراقي المخلوع كان على استعداد لتزويد الإرهابيين بأسلحة دمار شامل، وهي المقولات التي أدت إلى أن تفقد أمريكا مصداقيتها في العالم الإسلامي.
ويقول: إن هذه الحركات العابرة للحدود لم تتلاش بعد أن تم إسقاط النظام العراقي السابق مشيراً إلى أن كل التقارير تؤكد أنها تزداد قوة، على عكس الحملة التي تقودها أمريكا ضد الإرهاب والتي أدى غزو الأراضي العراقية إلى إعادتها خطوات إلى الوراء.
وبعد هذا الشرح المستفيض يخلص (مايكل وينستين) للقول إن الولايات المتحدة سيكون عليها خلال العقود القادمة مواصلة تكريس مواردها العسكرية والاقتصادية ونفوذها الدبلوماسي لاحتواء المد الاصولي.
ويشير إلى أنه لا توجد نهاية وشيكة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما أنه من العسير الحديث عن وجود إمكانية كبيرة لظهور عراق موحد ومستقر تسوده ديموقراطية السوق، ومن ثم يشير إلى أن الأوضاع في الشرق الأوسط ستظل تشغل بال أمريكا في الوقت الذي ستسعى فيه باقي القوى الإقليمية في العالم لاغتنام أي فرصة سانحة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية المتعلقة ببسط سيطرتها على المناطق المحيطة بها.
أزمات قادمة
ويوضح (وينستين) في الختام أنه على الرغم من أن تآكل المصداقية الأمريكية وإدراك العالم للقيود التي تحكم قوتها العسكرية لا يشكل تغيراً جذرياً على طريق ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب، إلا أن هذين العاملين يسهمان في حدوث تحول تدريجي في هذا الاتجاه، موضحاً أن المؤشرات الدالة على هذا التحول ستتمثل في انتهاج الصين سياسة أكثر عدوانية حيال تايوان، وتبني الهند توجهات أكثر صرامة إزاء باكستان، إضافة إلى سعي روسيا بشكل حثيث وجاد نحو تعزيز قدراتها العسكرية.
ويؤكد في الختام أن البقاع الثلاثة السابقة هي تلك النقاط الساخنة التي منيت فيها الهيمنة الأمريكية بانتكاسات فعلية خلال الفترة الماضية ،مشيراً إلى أن هذه المناطق الواقعة خارج الشرق الأوسط ستمثل على الأرجح أزمات حقيقية من المنتظر أن تشكل تحدياً جدياً لمصالح الولايات المتحدة وقدراتها.

..... الرجوع .....

الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
رياضة عالمية
نادي العلوم
المستكشف
خارج الحدود
الملف السياسي
فضائيات
السوق المفتوح
استراحة
أقتصاد
حياتنا الفطرية
منتدى الهاتف
بانوراما
طب
من الذاكرة
جزيرة النشاط
روابط اجتماعية
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved