Al Jazirah Magazine Tuesday  30/01/2007 G Issue 204
الملف السياسي
الثلاثاء 11 ,محرم 1428   العدد  204
 

أمريكا ووصمة غوانتانامو
المعتقل يسبب حرجاً للحقوقيين في الدولة العظمى

 

 
* إعداد - أشرف البربري:

ما يزال معتقل غوانتانامو الذي تحتجز فيه الولايات المتحدة المئات من المسلمين بتهمة التورط في أنشطة إرهابية يشكل هاجسا مقلقا لشرفاء العالم باعتباره نموذجا لانتهاك حقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين.

ويدور جدل كبير في الولايات المتحدة نفسها حول هذا المعتقل وما يسببه من تشويه لصورة أمريكا وحرج لدى المهتمين بحقوق الإنسان فيها. ونورد هنا أحد أهم المقالات التي أوردتها الصحف الأمريكية حول هذا الموضوع، وفيه ناقشت كاتبة المقال الأمريكية هيلينا كوبنا، مؤلفة كتاب (العفو بعد التعذيب: علاج الأمم بعد المذابح وجرائم الحرب)، مسألة المعتقل وجددت فيه الدعوة إلى وضع حد لهذه الجريمة. نشرت المقال صحيفة كريستيان سيانس مونيتور، وهو جدير بالاطلاع لأنه يعبر عن وجهة نظر مخالفة تماما لما تنتهجه الإدارة الأمريكية الحالية.

افتتحت الكاتبة مقالها بتذكير قرائها بحلول الذكرى الخامسة لفتح معسكر الاعتقال الأمريكي السيئ السمعة في غوانتانامو بوصول أول دفعة من المعتقلين إلى هذا المعسكر الذين بلغ عددهم 700 معتقل. وبعد إطلاق سراح وترحيل عدد من المعتقلين وصل عددهم اليوم إلى 395 معتقلا، ولم يتمتع أي منهم حتى الآن بأي شيء يمكن اعتباره محاكمة عادلة. وفي الوقت نفسه لم توجه السلطات الأمريكية أي اتهامات رسمية إلا لحوالي 10 في المئة فقط من النزلاء. ويحتجز الكثيرون منهم في زنازين فردية، بحيث يكونون معزولين عن بقية النزلاء بصورة شبه تامة. وعلى مدى السنوات الماضية تحدث العديد من العاملين في المعسكر، والمعتقلون الذين أطلق سراحهم، عن المعاملة غير الإنسانية للنزلاء في المعتقل. والمعتقل في الواقع سبة في جبين أمريكا، وكما شوهت فضيحة تعذيب المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب سمعة أمريكا في العالم فإن معسكر غوانتانامو، وما تجري فيه من انتهاكات، لا يقل تأثيره عن تأثير فضيحة أبو غريب. وقد اعترف الرئيس الأمريكي جورج بوش نفسه بهذه المشكلة وأعرب عن رغبته في إغلاق معتقل غوانتانامو في وقت لاحق. ويجب على الرئيس بوش، كما يجب على الكونجرس، العمل من أجل الإسراع بالوصول إلى حد لما يحدث في هذا المعتقل وتخليص أمريكا مما يسببه لها من متاعب.

ورغم هذه المطالبة فإن الكاتبة تقول: إن الجيش الأمريكي يقوم حاليا ببناء المزيد من الزنازين في المعسكر. وهناك توجه تقول الكاتبة إنه قد يقود لبناء غرف محاكمة في المعسكر يمكن أن تساعد في تقديم بعض المعتقلين للمحاكمة، ولكن بعض المسؤولين الأمريكيين أكدوا أن عددا قليلا جدا من المعتقلين هم الذين يمكنهم التمتع بالمحاكمة، كما أن هذه المحاكمات سوف تتم وفقا لقانون اللجان القضائية العسكرية الذي وافق عليه الكونجرس في سبتمبر الماضي، وحيث تم الطعن عليه أمام المحكمة العليا في أمريكا فإن الأمر قد يتطلب شهورا عديدة قبل صدور قرار المحكمة بشأن دستورية هذا القانون، ما يعني أن حياة هؤلاء المعتقلين مازالت في دائرة الإهمال. فمازال مئات الأشخاص يعيشون في ظروف مأساوية ولا يمكنهم رؤية أي نهاية واضحة لمعاناتهم، ولا يمكنهم، حتى الآن على الأقل، الرد على الاتهامات والأدلة التي توجهها الحكومة الأمريكية لهم، وهذه مشكلة حقيقية بالنسبة للشعب الأمريكي الذي يعتبر نفسه شعب سيادة القانون، وعمل في الماضي من أجل سيادة القانون على الصعيد الدولي. ومن القواعد الأساسية لسيادة القانون هو أن أي حكومة تستطيع حرمان شخص ما حريته وفقا لظروف معينة تحددها قوانينها الداخلية أو القانون الدولي في حالات معينة تحددها معاهدات جنيف الخاصة بأسرى الحرب. وحسب الأنظمة القضائية المحلية يحق للأفراد الحصول على محاكمة عادلة خلال فترة زمنية معروفة بدرجة ما بحيث يمكنهم الرد على الاتهامات الموجهة لهم والأدلة التي تقدمها الحكومة لإدانتهم. ووفقا لمعاهدات جنيف لا يحق للمحاربين الذين يتم أسرهم أثناء الحرب الحصول على المحاكمة، ولكن يجب أن يكون احتجازهم في ظروف إنسانية ويتم إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى بلادهم عندما تنتهي الحرب.

وتستطرد الكاتبة قائلة: إن أمريكا بعد غزوها لأفغانستان في أكتوبر 2001م وجدت نفسها وقد أسرت آلاف الأشخاص في ساحات المعارك أو بالقرب منها، وأعلنت إدارة الرئيس بوش أن هذه الحرب (موجهة ضد الإرهاب)، وأنها تختلف عن كل الحروب السابقة، ولذلك فإن أسراها لن يخضعوا لقواعد معاهدات جنيف والحماية التي توفرها هذه المعاهدات لمثل هؤلاء الأسرى، وفي المقابل طبقت معاهدات جنيف على أسرى الحرب الأمريكية ضد العراق عام 2003م.

ويعني ذلك - كما تقول الكاتبة - أن المسلحين الذين اعتقلتهم القوات الأمريكية في أفغانستان وقعوا فيما يمكن اعتبارها الثقوب السوداء التي تلتهم الأجرام السماوية فلا يظهر لها أثر، وليست هذه الثقوب السوداء بالنسبة للكثيرين من هؤلاء المعتقلين سوى غوانتانامو. ويردد المستشارون القانونيون للحكومة الأمريكية على مدى سنوات أن النظام القضائي الأمريكي لا ينطبق على معتقلي غوانتانامو بحجة أن المعتقل ليس مشيدا على أرض أمريكية، بل على جزيرة تابعة لكوبا تستأجرها واشنطن منذ عشرات السنين. ولكن المحكمة العليا الأمريكية أصدرت في يونيو الماضي حكما يؤكد خضوع هؤلاء المعتقلين للنظام القضائي الأمريكي، وإن أكدت أنهم لن يتمتعوا بكل ما يتمتع به المواطن الأمريكي من حقوق وفقا للنظام القضائي.

وتقول الكاتبة: إن الكونجرس الأمريكي عندما أصدر قانون اللجان القضائية العسكرية (المحاكم العسكرية) في سبتمبر الماضي كان يحاول تحديد حقوق المعتقلين وكيفية محاكمتهم، ولكن محامي الحكومة يقولون إنهم لا يريدون الكشف عن الأدلة التي تدين هؤلاء المعتقلين في المحكمة لأسباب أمنية، وهو ما يعني أن عددا من المعتقلين لن يحصلوا على حقوقهم في المحاكمة في كل الأحوال. وربما يشعر المحامون الأمريكيون الذين يتولون الادعاء ضد المعتقلين ببعض القلق بشأن إمكانية الكشف عن العديد من الأدلة السرية التي تقول الإدارة الأمريكية إنها تملكها ضد المتهمين، ومصادر هذه الأدلة، وربما لا يريد هؤلاء المحامون الذين يمثلون الإدارة الأمريكية الكشف عن ظروف استجواب المعتقلين. ويبدو أن مشاكل هذا المعتقل لا يوجد لها أي حل قريب، خاصة وأن قانون المحاكم العسكرية لم يطالب بإغلاق سريع للمعتقل، كما أن استمرار الحرب ضد ما تسميه أمريكا بالإرهاب يعتبر مبررا لاستمرار احتجاز المعتقلين دون محاكمة.

وتختتم الكاتبة مقالها بقولها: إن معتقل غوانتانامو يمثل تحديا أخلاقيا كبيرا بالنسبة للشعب الأمريكي، ولذلك يجب على هذا الشعب العثور على طريقة مناسبة لإغلاق المعتقل الذي جلب العار لأمريكا بانتهاكاتها وجرائمها ضد الإنسانية، كما يجب محاكمة المعتقلين الذين توجد ضدهم أدلة ملموسة، وإدانتهم إذا كانوا يستحقون الإدانة، وإطلاق سراح الذين لا تتوفر ضدهم أدلة إدانة، وإعادة تأهيلهم نفسيا بعد كل ما عانوه من عذاب وامتهان. فهل يمكن أن ينهض الكونجرس بهذه المهمة؟


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة