Al Jazirah NewsPaper Tuesday  09/10/2006G Issue 12429الثقافيةالأثنين 17 رمضان 1427 هـ  09 أكتوبر2006 م   العدد  12429
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

فـن

الثقافية

دوليات

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

تغطية خاصة

الرأي

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الطبية

مدارات شعبية

وطن ومواطن

الأخيــرة

كتب
متابعة - تركي إبراهيم الماضي

صدر حديثاً عن دار (شرقيات) بالقاهرة جديد ناعوت
(الكتابة بالطباشير، في الفنِّ والحياة) هو عنوان أحدث إصدارات الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت. صدر مؤخرًا عن دار (شرقيات) للنشر والتوزيع بالقاهرة. قدّم للكتاب المفكر المصري الكبير محمود أمين العالم في مقدمة نقدية ضافية بعنوان (تحذير ومقاربة). حذّر فيه القارئَ من تصديق عنوانه الذي يوحي بأنه كتابة طباشيرية عابرة، إذ إنها مقالاتٌ عميقة كتبتها مؤلفتها بوعي وعلم ودراية فسبرت أغوار الموضوعات التي تناولتها عبره حول التشكيل والعمارة، وهو تخصص الشاعرة، والترجمة واللغة وحرية التعبير وحرية المرأة ومفهوم المواطنَة والنسوية والحجاب وغيرها من الموضوعات الإشكالية. في صفحة الإهداء كتبت المؤلفة: (إلى الشِّعر، الذي سمحَ بكتابة هذا الطباشير، على هامشه). وظهر على الغلاف الخلفي الذي صمّمه الفنان التشكيليّ المصري وليد فكري مقتطفٌ من مقدمة العالم يقول فيه: (والحق أن قراءتي لفصول هذا الكتاب كانت لحظةً معرفيّةً حضاريّةً متنامية، تجمعُ بين تراثِ الماضي الإنسانيّ بعامة، وأزمةِ الحاضر وجسارةِ استشرافِ المستقبل. فلقد وجدتني في حضرةِ كاتبةٍ على مستوى رفيعٍ من الامتلاك العميق الحيّ لثقافتنا العربية، لا من حيث لغتها رفيعة المستوى فحسب - وهذا أمر ندُرَ عند العديد من كتابنا- بل في تراثِها الإبداعيّ الفكريّ والأدبيّ والبلاغيّ كذلك، فضلاً عن معرفتها وتمثّلها الجوانب المهمة من التراث الثقافي الإنسانيّ الغربي والشرقيّ على السواء). ويذكر أن لفاطمة ناعوت ديوانًا تحت الطبع بعنوان (قارورة صمغ) يصدر قريباً عن دار (ميريت) بالقاهرة.
***
المنسي... ذاكرة في الحاضر
المنسي عمل أدبي للطيب صالح صدر عن دار الريس للنشر عام 2004، هو سرد يتناول الذاكرة والسيرة الذاتية. يلقي الضوء على مرحلة من حياة الكاتب، عبر شخصية تمتاز بالملاحة والظرف وهو المنسي أو الدكتور مكايل أو لا هم، فبطل العمل حالة ذات تتميز، تتفرد وتتعمم. بذلك تكون أمام نموذج للشخصية العربية في محاولة للإلمام بها من جميع جوانبها وفي سياق ظروفها.
الطيب صالح، القامة الروائية العربية العالية، صاحب موسم الهجرة إلى الشمال ودومة ود حامد وضو البيت وعرس الزين، لا يقدم عملاً روائياً في المنسي، بل يقدم سرداً قصصياً جميلاً يتناول فيه نموذجا للشخصية العربية باعتبارها ذاتا تتفاعل مع واقعها المليء بالتعقيدات والهزائم، شخصية تتميز بالقدرة على الشطارة والقدرة على الأونطة، بعدم الجاهزية وانتفاء التخطيط.
المنسي يُقدم على الوقائع التي تواجهه معتمداً على الفهلوية وسياسة الحلبسة كما يطلق عليها المنسي بطل الرواية.
يحقق المنسي انتصارات بهذه السياسة ويصاب بانكسارات، تدخله في القضايا العامة وتجعله يخوض مواجهات في الندوات ومحافل الحوار من على منابر مهمة، ومحطات ذات قيمة في المجتمع الدولي. فينقض ليدافع. يبرع ببعض القضايا لكنه لا يراكم، وينهزم بكثير من الأحيان، لكنه لا يعتبر. ورغم ذلك يمتلك القدرة على الإبحار بنفس العقلية والحيوية والنشاط.
الدين حالة تفاعل إيجابي للتعايش والتفاعل. لا فوارق تبرز في هذا التعايش بل حالة من التماهي التام. قد يكون المنفى؟ الغربة؟ فليس هناك حالة نفي في الرواية إلا إذا لعب المكان والثقافة محوراً في تجسيد دوائر للنفي السيكولوجي بمعنى الشعور الباطني بعدم الاندماج في الجديد. وهذه لا تبرز لدى المنسي، بل على العكس فهو مغرق بحالة الاندماج، حالة تتجلى في الندية بالتصدي للآخر، إلا أن هذه الندية خليط من الادعاء وشعور خفي بالدونية. تتجسد هذه الحالة بارتداء الأقنعة. أقنعة كثيرة، لا تبدأ بالتظاهر الخارجي على شكل اللباس، ولا تنتهي بالمعرفة السطحية كأن يردد أسماء المشاهير وأسماء كتبهم. المسيحي يتحول لداعية إسلامي، والمنسي... ليس انتهازياً. المنسي... حالة الشعور البيئي المشبع بالذاكرة المبنية على التفاعل والتعايش، وهذا يبرز في المنفى دائما. فالعرب يتفاعلون مع بعضهم بحميمية ظاهرة، حميمية ترجع الدين للماوراء تلغيه وتهمله، بانتظار بيئته وثقافته. المنسي هنا إسراف في التوغل بالحياة لإثبات الذات بالفطرة غير المتساوقة مع العصر، لذا فهي تتطاول وتتداخل بعفوية تامة، لا تعبأ كثيراً عندما ينكشف زيفها ولا تتردد من المغامرة ثانية وثالثة.
الكاتب هنا منحاز للمنسي منحاز للإنسان في المنسي، للقدرة على الحياة والغرف منها. منحاز لتبسيط الأمور لدى بطله، حيث يدرك تماما الجوهر الكامن فيه. يتسامح معه رغم شدة المقالب والإحراجات التي يوقعه فيها، يحنق عليه ويثور إلا أنه لا يفتأ أن يغفر له ويدخل بالدور الذي يرسمه المنسي له ليلعبه راضياً راضخاً ومندمجاً. حالة الغضب والحنق تذوب وتتلاشى مع أول محطة يجلسان بها ويتناولان طعاما أو شرابا.
ما المميز في هذه الشخصية التي لازمت كاتبنا الطيب صالح؟ ولماذا سكنتالطيب وألحت عليه وشكلت له قلق الكتابة؟ لاشك أن الطيب صالح مشغول بشخصية المنسي، ولكنه مسكون أيضا بالعام فيها، العام الذي يؤرخ للزمن وللسياق الذي تشغله الشخصيات. فالبطلان يواكبان النهوض القومي ونكسة حزيران وأحداث لبنان من زاوية الإعلام، فالشخصيتان تعملان لمحطة إذاعية بريطانية، ويتفاعلان مع الخارج ونظرته للداخل، والداخل وتصديه لقضاياه.
الطيب صالح لا يقدم هنا زوربا عربيا، بقدر ما يقدم عقلية، تتعامل بالشطارة والفهلوة في التعبير عن وجودها، بتبسيط الأمور، بالقفز عن الواقع، بالتطفل على الموضوعي المحكوم بالقوة. القوة التي تحدد تجاوز الواقع، ثورة العقل وتطور الصناعة والسيطرة على الطبيعة وتسخيرها.
كل هذا أمام الحلبسة. سياسة الحلبسة العربية، التعبير المحبب لبطل الطيب صالح، ثقافة مبنية على التسلق والقفز غير المتسق وغير العقلاني، قد تصل إلا أنها لا تنجز أثراً.. المنسي ينتهي كأي برجوازي طفيلي، يمتلك مزارع وشركات في أمريكا ولندن. لكنه ذو جذور من قش في منطقته. روح المرح والتفاعل مع الأصدقاء والطيب صالح منهم، وقد أكون أنا منهم وغيري ممن يعيشون المنفى. وقد يكون أكثر من منسي في دوائرنا. منسي نأنس له ونتفاعل معه ونحن إليه، ولكنه لا ينقذ دارفور، ولا يوصل طريقاً حراً وكريماً إلى دمشق. قد أكون حملت رواية الطيب صالح أكثر مما ينبغي، وقد أكون قولته ما لا يريد، والطيب صالح له في نفسي ووجداني الكثير. وكم فرحت عندما التقيته في إحدى الأماسي ببرلين، ممتنا بذلك لصديقي الطيب الذي أحب، الدكتور حامد فضل الله، الذي عرفني على الكثير من السودانيين الطيبين. أقول قد أكون حملت العمل قراءة قد لا تكون في وارد الطيب، إلا أن الأعمال الأدبية الممتازة هي التي تحمل أكثر من تأويل وأكثر من اجتهاد، وعمله المميز موسم الهجرة إلى الشمال ما زال في متناول البحث والنقد والسبر وهذا ما جعلني أتجرأ في تناول المنسي.
عودنا الطيب صالح على إدخال أسلوبه السلس الصافي المتسق مع الحدث بجمالية في سبك الفكرة، فأنت لا تقف على الكلمة بقدر ما تنساق مع الحدث، وبذلك تكون الصياغة عملا تناسبيا معجونا بروح الحدث. وبهذا يبقى عمل المنسي للطيب صالح من الأعمال الجميلة، تتمازج السيرة الذاتية فيه مع إفصاحها عن البيئة وتعرية الذات من أجل الالتصاق بالآخر والدخول إليه، قدمها الطيب صالح لنا بجهد مبذول وبسلاسة عالية وانسجام في الفكرة والأسلوب. وبالتأكيد وكما في كل كتابات الطيب صالح، تغادرها وتبقى آثار المتعة ملتصقة بخلاياك منها، تفاجئ بالبساطة لكنها تدخلك إلى العميق العميق. حقيقة كم من مرة راودتني بعض التفاصيل وضحكت في سري وشاهدت هذا المنسي يتجسد بكثير من الشخصيات التي حولي وبي في بعض الأحيان. لذا وكي أصل وتصل أنت إلى نتيجة لا بد من قراءة العمل ثانية وثالثة للإحاطة به.

محمد زكريا السقال/ برلين




نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved