Al Jazirah NewsPaper Tuesday  24/10/2006G Issue 12444مقـالاتالثلاثاء 02 شوال 1427 هـ  24 أكتوبر2006 م   العدد  12444
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

فـن

دوليات

متابعة

منوعـات

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

زمان الجزيرة

الأخيــرة

ما أُريكم إلا ما أرى
رحمة خادم الحرمين الشريفين بطلاب العلم
الجوهرة آل جهجاه

لقد كان للمكرمة الملكية بتقديم الإجازة لموظفي الدولة إلى 18 رمضان بتقويم أم القرى هذا العام أثر كبير مُبهِج على المنتمين لميدان التعليم والتعلُّم إضافة إلى قطاعات الدولة الأخرى جميعها، وازدانت الصحف اليومية بمشاعر المواطنين والمواطنات شُكرًا لهذه المكرمة التي جاءت وفق منهجٍ مميزٍ لخادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -، وهو منهج يقوم على: تحسس المشكلة المُسبَّق، وانتقاء الحل الأمثل؛ لتحقيق الهدف الأمثل أيضا مع التنويه الجليّ به.
لقد جاء البيان واضحًا في تحديد الهدف الذي ينبغي ألا يغيب عن كلّ مواطنٍ نبيلٍ من مواطني هذا البلد الآمن الكريم - كما هو الظن الحسن بهم -؛ إذ أكد خادم الحرمين الشريفين خلال رئاسته جلسة مجلس الوزراء مساء الاثنين العاشر من رمضان الجاري بقصر السلام بجدة أن هذا التوجيه يأتي حرصا منه - أيده الله - على أن (يتوجَّه الجميع نحو الاستزادة من فضل هذا الشهر الكريم وثوابه وأجره).
كثيرون منّا تمنّوا هذه المكرمة، واختلفت الأهداف من تمنّيها؛ فكانوا بين: راغبٍ في استثمار الزمن للعبادة الخالصة لوجهه الكريم؛ لأن شهر رمضان شهر وحيد في العام، وبين طامعٍ في الراحة من عناء العمل وهو غير قادرٍ على تناوُل ما يُعينه ويُنشّط بدنه وذهنه، ومُستعجلٍ على الاستعداد للعيد السعيد بكل جديد وأنيقٍ - وربما غريب -، ومُتلهِّف للقاء الأهل والأصدقاء - ولربما الغُرباء أيضا - في بلاد الله الواسعة، ومُعتادٍ على استراحةٍ هذا أوانها، ولا بأس من زيادتها بضعة أيام،... إلخ من أهداف نختلف فيها: كيفًا وكَمًّا، وُضوحًا وغُموضًا، إقبالاً وإدبارًا، دُنيويّةً وأُخرويّةً.
إن الهدف الذي أحاط به خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - جنبات هذا التوجيه السامي النَّضِرة يصبُّ في رصيد الآخرة، الرصيد الوحيد الذي يبقى ويُخلّد ويزيد بمجرّد النية الصادقة رحمةً من الله وفضلاً وكرمًا ومَنًّا. وهذا مصداقٌ لقوله صلى الله عليه وسلم: (كُلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤولٌ عن رعيّته). فهذا هو الملك يهتمّ بشعبه في أمر دُنياهم وأُخراهم، ولا يكتفي بمجرد الإكرام بتقديم الإجازة، وإنما يُتمم هذا ويُتوّجه ببيان الهدف، والتذكير بالغاية السامية، التي هي أمانةٌ عزيزةٌ في عُنقه تجاه شعبٍ يُحبهم ويُحبّونه.
ولعلنا لاحظنا أن احتفاء الأوساط التعليمية كان أكبر من أي وسط؛ لأن العملية التعليمية تحمل طرفين: طالب العِلم، ومُعلِّم العلم، وكلاهما يعملان بجهد على مادة العلم: فهمًا وإفهامًا، تحضيرًا ومتابعةً، تفكيرًا وتأمُّلاً، هُدوءًا في حركات الجسد ونشاطًا في حركات العقل. والبيوت تكاد تضيقُ بعبء الأبناء والبنات الدّارسين في ضوء زحام الوقت الرهيب الذي يضع الإنسان أمام تحدٍّ صعب، تحدٍّ في أداء حقوق العمل كاملة، وحقوق الأبناء كاملة، وحقوق المجتمع كاملة، وحقوق المعبود الفرد الصّمد في شهرٍ فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهر، فإن كانت هذه الليلة بهذا القدر والمكانة، كيف بكل ساعة من رمضان، وكل نهارٍ، وكل ليل؟!.
هذا الاحتفاء التعليمي يأخذنا إلى ملحظٍ بارز، وهو رفق خادم الحرمين الشريفين بطُلاّب العلم، ذلك الرِّفق الذي يُداني لمسة الأب الحاني الحكيم، والمحبوب المهيب، الملتزم بمنهج البُشرى في كل خطابٍ من خطاباته وتوجيهاته - حفظه الله -.
إننا - طُلاّب الدراسات العليا بخاصة - نشعر بشكلٍ عميقٍ وحميمٍ بدعمٍ قوي من لدن خادم الحرمين الشريفين لمقترحات تطوير التعليم العالي، وتطوير اللوائح الدراسية بما يزيد من فُرصنا للإنجاز العلمي المبكر والمُقنَّن والحديث، ويجعلنا نشعر بأننا لسنا أقلّ من باحثي أي دولةٍ مُتقدِّمةٍ في العالم؛ فالإمكانيات متوفرة بحمد الله، والنُّظُم تُساير احتياجاتنا يومًا بعد يوم، وإن كُنّا ما زلنا نُعَدُّ دولةً حديثة عهدٍ بالتعليم العالي مُقارنةً بالدول التي قطعنا شوطًا سريعًا واثِق الخُطى للحاق بركبها.
لا زلتُ أحتفظُ بالقصاصات الإخبارية لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث؛ لما فيه من صورة حية لقلبه النابض بحب العلم وبنيه، وتيسير طريقهم وطرُق اكتسابه، ولا سيما ما خَصَّ به ذوي الظروف والأوضاع الخاصة، فهؤلاء فئة عزيزة تَقصر ذات يدها عن تحقيق طموحاتها التي تتوقد بها مواهب ثمينة وعقليات خصبة، قد يُرهقها ألا تجد الرعاية والعناية، ولكن الحمد لله الذي هيّأ لها من أمرها رشدًا، ورزقها هذه الرعاية والعناية والتشجيع. وهذا لا يُشجّع هذه الفئة التي هي على أبواب جديدة من الحياة العلمية والعملية فقط، وإنما يُشجِّع على منهج نتّخذه في حياتنا من جهتين: الجهة الأولى: إن كُنّا قادرين على دعم طُلاّب العلم، فكُلٌّ منّا جوادٌ كريمٌ بما يستطيع من مالٍ أو قرارٍ أو إعزازٍ نفسيٍّ ومعنوي، والجهة الثانية: إن كُنّا طُلاّب علمٍ معوزين أو لا نملك ما يجعلنا نطمئن لزرع بذورنا في المستقبل، فلنتوكّل على الجواد الكريم، ولنسعَ بصدق وإخلاص وفألٍ حسن وحُبٍّ لطلب العلم، ولن يُخيّبنا الله عندما نصل لعتبة الحلم؛ لأن التكافل الاجتماعي - بأوسع معانيه - سمةٌ من سمات مجتمعنا الذي أنعم الله عليه بنعمة الإسلام.
مثل ذلك ما طالعتنا به (مرآة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في شهر ربيع الأول من هذا العام بشأن تنفيذ الأمر السامي (بخصوص العمل على الحَدّ من ظاهرة تنامي بيع البحوث العلمية والجامعية ولُجوء الطلاّب إلى شرائها من المكتبات ومحلات خدمات الطالب)؛ فالأساس المنهجي في هذا الأمر السامي واضح لمن يتأمله، فإن كانت رؤية الملك عبدالله أن (التعليم هو الأساس لكل تقدّم)، فإن التقدم العلمي والمعرفي لا ينفصل عن التقدم الأخلاقي والنزاهة والشرف وإخلاص العمل. وهي مشكلة علمية تحتاج أن تُفرد بالحديث عنها لاحقًا، والذي يعنينا هنا هو حرص الملك على طهارة النبتة العلمية، وسموّ فروعها، ونقاوة ثمارها الزكية؛ فهو حريصٌ على الا يُؤذي طُلاّب العلم أنفسهم بشيءٍ قد يستره الله عليهم في الدنيا، ولكنه سينفضح فيما تجنيه أيديهم وأقدارهم وأرزاقهم في الدنيا وفي الآخرة يوم العرض والحساب على رؤوس الأشهاد.
ربما يستغرب قارئي هذا التطواف في أبعاد الموقف والمكرمة، ولكن كُلّ إناءٍ بما فيه ينضح! فالحمد لله الذي يكتب لراجي رحمته الفرج من حيث لا يعلمون؛ فقد كنتُ على وشكِ السعي في تنفيذ قراري بالاعتذار عن مواصلة السعي الحثيث في استكمال متطلبات نيل درجة الدكتوراه التي سبق أن عاشت (الجزيرة) معي كيف صَلَيت نفسي على جذوة الماجستير لأصل إليها بما يناسب حياتي الراهنة، ومع أداء آخر اختبارات السنة المنهجية آخر شعبان، وبدء العودة إلى تدريس الطالبات والأنشطة الجامعية التي لم تتوقف، وأمامي انتظارٌ مُحرِقٌ للنتيجة، ومخاطرة أخرى لخوض غمار الاختبار الشامل المتعلق بتسجيل موضوع رسالة الدكتوراه.. وبدخول شهر رمضان.. شعرتُ - على غير العادة - أنه قد أُحيط بي، وأن الزمن قرر أن يغتالني هذه المرة، ولابد أن أترجّل عن صهوة جوادي بعدما أخذ الإرهاق نصيبه، ودبّ التوتّر، وتضخيم الحدث القادم... والأقسى أنني أكاد أحصي ما أحتاج أن يجود به الوقت في ثلاثة أيّام أو أربعة - فقط - أُرتّب فيها خطواتي من جديد إن كنتُ سأواصل الركض... والروح لا تكاد تطمئن لقرار التوقف المؤقت، وتُشاكس بين حينٍ وآخر تُذكّرني بنعمة الجامعة التي احتوتني احتواء الأُم الرحيمة، وأعانتني على خوض مضمارٍ جميلٍ وجديد توّجتني بحصاده الرائع بالرغم من كل العقبات والآلام، وتُذكّرني بأسئلة تلك الباحثة الفرنسية المستشرقة (إيميلي ليوناردو) من المعهد السياسي الوطني بباريس، التي التقتنا قبل أشهر أثناء دراستنا الفصل الماضي، وهي تسعى لمعرفة أثر منهج خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - على توجّهاتنا العلمية والعملية والاجتماعية، وربما أطالت التوقّف والتدقيق عند مسألة اختياري دراسة آراء المستشرقين النقدية في سياق (حوار الحضارات) وأنا فتاة! وفي داخل البلاد لم أُبتعث للخارج!.. وكان الأبرز لي - وأنا أُعيد التفكير في أمري، وهي تُدوّن إجاباتي - أنني واحدةٌ من أبناء شعبٍ سمع كلماتٍ من مليكه، فعَلِقَها قلبه، وأراد أن يُسهِم في غرس نخيلها ونشر بيارقها في أرجاء الدنيا.... أريد أن أتوقف مؤقتا.. ولكن ماذا أقول لها وهي ستعود هذه الأيام، وقد وعدتها بجديدي؟!
حيرةٌ كبرى ومؤلمة، فصعبٌ أن يحرق الإنسان قدميهِ ركضًا لأجل هدفٍ نبيلٍ وواضح، ثم يجدهُ مضطرًّا للتوقف؛ بسبب ضراوة الزمن، التي شكوتها سببا مُرًّا لتوقفي المُنتَظر، وأنا أكرّ وأفرّ في محاولةٍ لإقناع شيخي الأستاذ الدكتور: أبي علي، محمد بن علي الصامل - حفظه الله - بأن هذا هو الحل الوحيد، وهو يؤكد إخلاصه في رعاية طُلاّب العلم الجادّين، ومن منطلق هذا الإخلاص لن يأذن بهذا التوقف، فقط.. يجب أن أثق أن الله سيعطيني على قدر نواياي!
الحمد لله.. جاءت هذه المكرمة فرجًا مُفاجئًا مُفرِحًا، جلا الغُمَّة، وأسعدنا بالتقاط الأنفاس، وانطراح الأرواح بين يدي الرحمن في فترات الصيام والصلاة، وشحذ الهمم، وإعادة البسمة والعزيمة، فطريق العلم محفوف بالرحمات مثلما أنه محفوفٌ بالمخاطر والتحديات.. موقفٌ كبيرٌ أحفظ أحرفه في صندوق ذاكرتي؛ لأرويه موثَّقًا لجيلٍ قادمٍ لن يعرف شيئًا من عنائنا - بإذن الله -.. موقفٌ يُعزز فينا منهج الرحمة بطُلاّبنا وطالباتنا، واتخاذ منهج الإكرام أساسا، والتيسير نبراسًا، جزا الله مليكنا الخير كلّه، وأطعمه ثمار كفاحنا وسلواه ومنّه، وسدد على الخير خطاه ومكارمه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات!.

محاضرة في قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved