Al Jazirah NewsPaper Saturday  02/12/2006G Issue 12483مقـالاتالسبت 11 ذو القعدة 1427 هـ  02 ديسمبر2006 م   العدد  12483
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

المجتمـع

فـن

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

الطبية

تحقيقات

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

المنشود
ساعة أم أحمد!
رقية سليمان الهويريني

قررت السيدة (منال) أن تأوي إلى سريرها قبل موعد النوم - المعتاد - بساعة واحدة فأطفأت الأنوار وجلست مع نفسها في محاولةٍ لاسترجاع أحداث يومها.. ست عشرة ساعة مضت منذ استيقظت صباحاً وحتى هذا الوقت، حيث طلبت منها ابنتها في الصباح أن تُصلح من هندامها وتعمل ضفيرة لشعرها كبقية الطالبات، إلا أنها نهرتها ووجّهتها إلى الخادمة لكي تقوم بهذا العمل (التافه).
يأتي ذلك متزامناً مع بكاء ابنها الصغير محتجاً على نوع الفطيرة فهو لا يريدها محشوة بالجبن كل يوم، فقد ملَّ من الجبن وبحاجةٍ إلى جرعةٍ من الشجاعة! أو المربى وكذلك زوجها، لم تُلق له بالاً، حيث كان يود استشارتها في موضوع مهم يتعلق بعمله، ولكن لم يكن ثمّة وقت لمناقشة أي موضوع!
وخرجت للعمل، وهناك صادفت وجوهاً متعددة من الموظفات والمراجعات وأمامها مجموعة من المعاملات تحتاج لاطلاع وتوقيع ورد على الاستفسارات والبت في الإجازات المختلفة.. ولم ينقض وقت الدوام إلا وقد أصبحت كومة من التعب والتوتر، فعادت إلى منزلها محملة بهموم العمل لتجد الخادمات في المنزل وقد كسرن أطباقا وخربن آلات كهربائية في المطبخ، فتبدأ بإصدار أوامر لهذه الخادمة ومعاتبة لتلك على تقصيرها. وما أن يحضر أولادها من مدارسهم حتى تبدأ طلباتهم المدرسية والشخصية خلال فترة الغداء. التي تليها فترات مثقلة بالزيارات التي يتحتم عليها الإعداد لها! ويدور دولاب أحداثها اليومي بفوضوية دون تركيز لدرجة أنها تؤدي صلاتها دون خشوع وتمضغ طعامها بلا استمراء! وعندما تحين ساعة النوم ترتمي على سريرها وتستيقظ مراراً بين فزع ووجل فلديها دوما اجتماعات وقرارات مهمة فهي أبداً يلوكها التعب ويلفظها النصب!
تذكرت (منال) في هذه اللحظات عاملة المقصف (أم أحمد)، حيث تملك من الوقت الكثير، ومن الحكمة أكثر! تذكرت هدوءها النفسي ونظراتها المريحة، التي بها أصبحت صديقة للجميع، فعلى الرغم من أنها من بلدٍ عربي مجاور ولا تربطها بهؤلاء الموظفات رابطة قرابة بيد أن من يراها بينهن يُحسُّ وكأنها من نفس النسيج ولاسيما حين تردُ على لسانها بعض الكلمات باللهجة المحلية تنطقها ممزوجة بلهجتها الأصلية، وحين توردُ بعض الحكم والأمثال بأكثر من لغة تجد نفسك مبهوراً يوقظك من هذا الشعور حديثها عن ابنها أحمد ومشاكساته مع إخوانه وطرفه وحكاياته المألوفة لمثل سنه حتى ليخيل إليك أنها لم تتجاوز - مطلقاً - عتبة منزل والدها إلا إلى منزل زوجها دون المرور على مدارس المناهج والحياة! وحين تُطيل النظر في جبينها تجده يحكي لك تجارب أودعت بها الحكمة المسكونة في عقلها!
أم أحمد أصبحت أحد رموز العمل وملاذ البائسات ولا سيما حين تريد إحداهن أن تتخفف من أحزانها أو تودع أسرارها. إضافة إلى أنها صاحبة فلسفة رائعة في الحياة حتى باتت من سماتها الشخصية، وهذه الفلسفة تكمن في محاسبة الذات في آخر ساعة من كل يوم. وهي تعزو نجاحها في عملها ومحافظاتها على صداقاتها وإدارتها منزلها الصغير بعد توفيق الله إلى التزامها بهذه الساعة من يومها، فهي تسميها تارة ساعة التقويم، وتارة أخرى ساعة التهذيب، وثالثة ساعة اللوم والتقريع، حتى أصبح النوم لا يغشى جفنيها إلا حين تدور عقارب الساعة دورتها الكاملة معلنة عن انقضاء ستين دقيقة فتخلد إلى نوم هادئ لذا حرصت على أن تقنع كل من حولها بالتزام هذه الساعة الذهبية من اليوم وبفعل العدوى أصبح هذا القانون الفلسفي مسلكاً يميز ذوات المبادئ السامية من الموظفات.
لذا عقدت (منال) العزم على السير على نهج أم أحمد فأخذت تراجع حساباتها، حينئذ أدركت أن ابنها (نبيل) قد مل فعلاً من فطيرة الجبن التي تجهزها الخادمة بلا مبالاة، لذا قررت أن تقوم بهذا العمل بنفسها، ولن تنهر ابنتها (مها) حين تطلب منها أن تربط ضفيرتها بل ستجعلها تبدو دائماً بمظهر لائق، وستناقش زوجها في موضوع الترشيح لمجلس الإدارة وستحفزه على ذلك وتشد من أزره فهو يستحق أن يتسلم هذا المنصب، وقد شعرت بالخجل فعلاً عندما استرجعت ما حدث صباحاً من طلبه الاستماع لرأيها ومشاركته طموحة، ولكنها لم تفعل بل طلبت منه إرجاء الأمر!
وعلى صعيد العمل: ستمنح الموظفة (منى) الوقت الكافي لشرح ظروفها بعد أن أغلقتُ معها باب النقاش وقررت قبول طلب إجازتها لرعاية مولودها الجديد بعد أن انتهت إجازة الوضع ولم تنتهِ حاجته إلى رعايتها!!
وكانت (منال) مسترخية فجلست في محاولة لتذكّر ما قرأت من آياتٍ في صلاة العشاء، ولما لم تستطع وجدت أن لديها اختلالاً بين كسب عرض زائل وإهمال مواجهة خلود مقيم! نعم لقد أدّت صلاتها على عجلٍ لتلحق بالزيارات المتكررة لأخواتها وصديقاتها لذا قررت تنظيمها، فهي تلتهم جُلّ الوقت فترجع متأخرة مما لا يمكنها من الإشراف على عشاء أبنائها ونومهم، وتذكرت بامتعاض ارتيادها الدائم للأسواق بلا هدف محدد، وقفزت على الفور في مخيلتها تلك الساعات المهدرة في المكالمات الهاتفية الطويلة بلا مبرر، لذا عزمت على عدم استخدام الهاتف إلا لحاجة، وعزت ذلك كله إلى وجود الفراغ. تُرى أي فراغٍ؟! إن لديها خادمتين فلابد من الاستغناء عن واحدةٍ لتتمكن من الإشراف على منزلها بنفسها وليكن دافعاً لها للشروع في تنفيذ القرارات بجديّة.
أسندت رأسها المثقل بالآمال ليتحول إلى أحلام منامية!! حتى فوجئت برنين المنبه واستيقظت فزعة لتؤدي صلاتها وكأنها في سباق اختراق الضاحية، وأسرعت لترتدي ملابسها، وابنها (نبيل)
ما زال محتجاً على الفطيرة وابنتها (مها).
ترفع يدها بالمشط تتوسل إليها لعمل الضفيرة وهي تنهرهما وتشير إلى الخادمة.. أما زوجها فكان يأمل في تهنئتها له بعد أن أصبح رئيساً لمجلس الإدارة بيد أنها لم تكترث به!! واكتفت بإلقاء أوامرها للخادمات بالاستعداد للعشاء الليلة حيث دعت زميلاتها لحفلة (مرام) التي تزوجت حديثاً.
وبعد عودتها من عملها تناولت سماعة الهاتف وراحت تؤكد دعوتها لزميلاتها للحضور. وفور الانتهاء من المكالمات التي استغرقت وقتاً طويلاً توجهت للسوق لتشتري لها فستاناً يناسب ساعتها الثمينة التي كانت قد اشترتها في وقت سابق.
وفي المساء.. اجتمعت المدعوات وكان محور حديثهن الثناء على أناقة السيدة (منال) وملائمة فستاها وعقدها وحذائها وربطة الشعر لساعة الألماس القيّمة.. عندها طلبت إحداهن الاطلاع على الساعة متسائلة عن نوع ماركتها، ناولتها (منال) الساعة وأطلقت ضحكتها المجلجلة، وكانت إجابتها المفاجئة: أن اسمها (ساعة أم أحمد) وقد نسيت أن تغير بطاريتها كأغلب ساعاتها فهي تشير أبدا إلى الساعة العاشرة وعشر دقائق.. تماماً كابتسامة أم أحمد العذبة!

ص.ب: 260564 - الرياض: 11342

rogaia143@hotmail.com



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved