Al Jazirah NewsPaper Tuesday  26/12/2006G Issue 12507مقـالاتالثلاثاء 06 ذو الحجة 1427 هـ  26 ديسمبر2006 م   العدد  12507
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

الغزالي

منوعـات

نوافذ تسويقية

القوى العاملة

الرأي

الركن الخامس

عزيزتـي الجزيرة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

زمان الجزيرة

الأخيــرة

خواطر تنموية ساخنة (4)
دبي.. تواصل همساتها في أذن أخواتها!
د.عبدالله البريدي

(1)
تقول دبي بأنها باتت تقول شيئاً تنموياً وتفعله!، كيف ذلك؟ يشرحه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم -في رؤيته المدهشة- بقوله؛ لا بل بفعله: (لو قلنا للعاقل المتزن قبل 15 سنة إننا نفكر بتطوير السياحة في دبي لكان طاح على ظهره من الضحك، كما نقول في الخليج، دبي الآن تستقبل ستة ملايين سائح في العام، وقلنا إننا نخطط لرفع العدد إلى 15 مليون سائح بحلول العام 2010 ، لكننا لم نسمع ضحكاً. لماذا؟ لأن الناس يعرفون أننا إذا قلنا إننا سنفعل شيئاً فسنفعله بإذن الله، لذا تراهم صامتين ينتظرون أن نقول لهم كيف سنحقق ذلك).. لا يكتفي مهندس دبي المبدع بهذا المثال، بل يجلب لنا أمثلة متعددة وبألوان تنموية زاهية من خزانتها المكتظة، فهو يقول: إن أفضل خيول السباق كانت تتدرب في أوروبا ولعقود متطاولة، وقد أضحى ذلك عرفاً سائداً؛ لا يسع أحداً الخروج عنه، ولكن دبي تعودت على أن تخرج عن المألوف، والعجيب أنها تجاسرت على أن تقول: (لا) لأصحاب العيون والكرفتات الزرق!، فها هو آل مكتوم يمسكنا طرفاً آخر من القصة: (عندما قلنا إن هذا العرف لم يعد يناسبنا وإننا قررنا كسره وتدريب خيولنا في دولة عربية)، استعظم ذلك بعض المدربين الدوليين وقالوا: إننا سنخسر الجولات القادمة.. ولكن دبي تقول العكس، حيث بدأت دبي بتدريب خيولها مع مواصلة حصدها للجوائز وحيازتها للذهب، ولم تكتف بذلك، بل أغرت دبي بعض (القبائل الأوربية) فجاءت بخيولها (العربية) إلى دبي..! وطائرات دبي أيضاً كان لها نصيبها من الإبهار، حيث أقدمت دبي على شراء 58 طائرة جديدة بقيمة 15 مليار دولار بعد أحداث سبتمبر؛ مع أن كثيراً من شركات الطيران جعلت تقلص أساطيلها، والحصيلة أن دبي زدات من غلتها، في حين توزعت الخسائر على كبريات الشركات العالمية!
بهذه الرؤية المبهرة تستحقين، دبي، دون جدل أن تواصلي همساتك التنموية لأخواتك: المدينة العربية، الغنية منها وغير الغنية..أحسب أننا نطيق سماع المزيد.
(2)
تطرح دبي نفسها لا على أنها الأنموذج الأمثل القابل للتعديل لدول العالم الأوسط فقط، بل تعد رؤيتها ومشروعها التنموي دليلاً يبرهن على صحة ما تذهب إليه من إمكانية إحداث التقدم والنمو الاقتصادي في منطقة العالم الأوسط، أي في الأطراف وبعيداً عن المركز، وهي فرضية يعارضها بعض الباحثين في المسألة التنموية ك(فرانك)، كما في دراساته على البرازيل وتشيلي، والباحث العربي (سمير أمين) (انظر كتابه التطور اللا متكافئ) وغيرهم، والحقيقة أن المنطق، بل الواقع يؤيد إمكانية وقوع تلك الفرضية بدليل نماذج النمور الآسيوية التي استطاعت أن تسلك - بكثير من الدهاء والعناء - سبلاً تنموية تتميز بقدر متزايد من الاستقلالية عن المركز سواء في البنية الصناعية أو الاقتصادية أو المالية فضلاً عن التعليم والتقنية في عالم قائم بشكل رئيس على الاقتصاد الرقمي والمعرفي؛ عالم يتيح خلق مزايا تنافسية غير قابلة للمحاكاة من خلال ممارسة الإبداع واللعب بأدوات العولمة بشكل احترافي!
وإمعاناً في اتجاه الانعتاق الاقتصادي من دول المركز أو القطب، استطاعت دبي أن تجعل الصين الشريك التجاري الأول في عام 2004م بقيمة 18 مليار درهم وحلت الهند شريكاً ثانياً بقيمة 17 ملياراً ثم اليابان بـ10 مليارات، ولا سيما أن دبي بذكاء أدركت أن معظم أكبر عشرين دولة في تجارة الصادرات وإعادة التصدير موجودة في العالم الأوسط كالهند والسعودية وإيران والعراق وإندونيسيا وتركيا وباكستان وغيرها (آل مكتوم، رؤيتي). ويشير تقرير (دبي في عالم التنافسية 2005)، الذي أعدته دائرة التنمية الاقتصادية في دبي بالتعاون مع المعهد الدولي للتنمية الإدارية IMD بسويسرا إلى أن اقتصاد الإمارة يحتل المرتبة (17) بين أقوى (61) اقتصاد دولة حول العالم.
وأكد التقرير أن دبي تعد واحدة من بين أقوى عشر مناطق تتمتع باقتصاد ذي مزايا تنافسية، فقد احتلت المرتبة الخامسة في تسهيل إقامة المشاريع، والثانية في التوظيف، والأولى في السياسة المالية، والتاسعة في المالية العامة، والثامنة في سوق العمل، والثالثة في مرونة السياسات الحكومية، والرابعة في إدارة المال العام، والخامسة في تطبيق القرارات الحكومية.
(3)
من أسرار التميز لدبي، ما حققته على مستوى القطاع الحكومي، والنهوض بأدائه وتحقيق أعلى درجات الجودة والشفافية والسرعة، عبر وسائل مبتكرة من أهمها (برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز)، ذلك البرنامج الذي قلب كثيراً من المعادلات في حقل الإدارة العامة، ليس على المستوى المحلي، بل الإقليمي والدولي، حيث تمكنت دبي وبطرائق شديدة الذكاء من رفع مناسيب الأداء والجودة في المؤسسات الحكومية خلال مدة قصيرة وبشكل فاق كل التوقعات.
ولعلنا نسلط الضوء على بعض شفرات ذلك النجاح المدوي، فمن ذلك ما يسمى ببرنامج (المتسوق السري)، والذي يعد من الأدوات الفعالة التي يستخدمها البرنامج في رصد أداء المؤسسات الحكومية العاملة، حيث يساعد على التعرف على أسلوب تعاطي المؤسسات مع طلبات الجمهور وسرعة إنهاء معاملاتهم والرد على استفساراتهم وتلبية احتياجاتهم، وبالتالي رفع مستويات رضاهم.. وقد أظهرت النتائج لعام 2005 عن حصول (دائرة الأراضي والأملاك) على أعلى معدل لرضا الجمهور بنسبة وصلت إلى 82%، ولكن هل تعير أخواتك - دبي - اهتماماً يكفي لذلك النوع من الرضا على نحو يبرر استجلاب تجاربك الفريدة في هذا القطاع الحيوي؟
(4)
ودبي حين تقدم على اقتناص أي مشروع؛ فإنها تحرص على أن تكون متسمةً بعدة خصائص أهمها:
(1) القدرة على تحمل المخاطر، فليس ثمة مشروع كبير ومربح إلا إذا كان منطوياً على قدر كبير من المخاطرة، ولكن دبي تفرّق جيداً بين (المخاطر المحسوبة) و(الانتحار الاقتصادي)، (2) الاستعداد لمواجهة التحديات، بل إن دبي تستمتع ب(اللعب مع التحديات) وتنظر إلى ذلك كوسيلة تجعلها مكتنزة باليقظة الدائمة!، (3) الأصالة في التصميم كبرج العرب وجزر النخلة وغيرها، (4) صناعة الأسواق، فدبي مثلاً جعلت (الفرنسيس) يشترون عطوراتهم من متاجرها لأنهم أدركوا أنها أرخص من متاجر باريس وغير باريس! كما أن دبي أضحت أكبر سوق للسيارات المستعملة ذات المقود اليمين، مع أنها لا تستخدمها، (5) تحقيق الامتياز، فدبي تبرهن كل حين على أنها مدينة للامتياز، وتكشف دبي لنا سراً آخر حين تقرر بأن (أضمن طريقة لإدامة التميز أن يعتاد الناس عليه ويصبح جزءاً من السلوك والتفكير في التجارة والصناعة والزراعة وفي البيت والعمل والمدرسة... إذا أردنا الامتياز أن يورق وينمو ويثمر يجب أن نزرعه في عقول الناس) (آل مكتوم)، وهنا أجدني أتذكر قصة مدينة عربية أخرى، حين عمد فيها أحد أصدقائي وهو أستاذ جامعي إلى ابتكار وسيلة لتطبيق شيء من مبادئ تلك البرمجة، فتقدم إلى دائرة المرور في تلك المدينة، وقال لهم: لم لا نضبط سلوك طلاب الجامعة - الذي يقدر عددهم بعشرات الآلاف - في قيادة السيارة في مسارات محددة، بحيث نلزمهم بالتقيد التام بالأنظمة المرورية والذوق الجمالي في القيادة في تلك المسارات طيلة العام الدراسي، الأمر الذي سينعكس حتماً على سلوكهم بشكل دائم ومن ثم التأثير على بقية شرائح المجتمع، بطبيعة الحال لم تكن تلك المدينة مستعدة للنظر في إمكانية التطبيق، بل تكن معنية باستماع حقيقي لتلك الفكرة المبتكرة!
كما أن دبي نحتت لنفسها معنى جديداً لعبارة قديمة، نسمعها دوماً، وهي العبارة التي تلتصق بالمنجر الصناعي، فمثلاً نسمع كثيراً: (صنع في ألمانيا)، و(صنع في كوريا الجنوبية)، إلا أن دبي أرادت بمشئيتها التنموية أن تعكس عبارة (صنع في دبي) طريقة دبي في عمل الأشياء، وتقرر دبي بكل فطنة أن (صنع في دبي) أضحت علامة تجارية فائقة؛ تلك العلامة التي لا يمكن الحصول عليها بمجرد تنظيم الحملات الإعلانية الضخمة، بل من خلال الامتزاج برؤية تسعى لتحقيق أعلى درجات الجودة والتميز وبناء (طوابق للثقة) في عقول الناس، وفي العالم أجمع!
(5)
وبنظرة تنموية أوسع، تقرر دبي أن (العالم العربي) يتوفر على شرطين من شروط إقامة (الدول القوية) هما: (الدين) و(اللغة المشتركة)؛ ويتبقى شرطان آخران هما: (العلم) و(القيادة القوية). وفي غضون ذلك التحليل وتلك الوصفة التنموية تتأمل دبي ملياً وتفرك ذقنها وتدرك أن ثمة نقطة يجب تقريرها قبل أن تسدل الستار عن بقية فصول رؤيتها الجريئة لتقول: (لا تقولوا رجاء إن دبي مدينة وإن الإمارات دولة نفطية صغيرة لذا تستطيع أن تفعل كل هذا. الرؤية الصحيحة والفاعلية وإتقان استخدام الموارد المالية والبشرية لا علاقة لها بالحجم أو النفط. توجد دول نفطية كثيرة لا تحتمل درجة نموها المقارنة بنمونا، والشركة الصغيرة التي تحقق الأرباح العالية أفضل من بكثير من الشركات العملاقة التي لا تحقق الربح. أعمدة نهضة الغرب خلال الحروب الصليبية وبعدها قامت على المدن: البندقية وجنوا ومارسيليا وبيزا وغيرها) (آل مكتوم).
وتعاود دبي شحنتها الفكرية والنفسية لتقرر أن ثمة (فرصة تاريخية لكي يفيق الحلم العربي من غفوته ويصبح رؤية وحقيقة)، نعم نطيق ذلك بشرط (أن نستعيد تلك الخصلة التي أضعناها: الريادة. الريادة في القيادة: على القائد العربي أن يكون وفياً لشعبه وبلده ملتزماً بتحقيق أحلام وطموحات شعبه وفق رؤية واضحة تواكب العصر. الريادة في المجتمع: يجب أن نزيل مظاهر التخلف وكل العتيق والبالي الذي لم يعد مناسباً اليوم) ثم تمنحنا دبي تركيبة أخرى لوصفة الدول العظمي: (الأمن وسيادة القانون والقرارات الاقتصادية الصائبة والابتعاد عن الارتجال في التخطيط والتنفيذ والكف عن لوم الآخرين على قصور نحن سببه الأول.. الإدمان على إضاعة الفرص العظيمة علاجه العودة إلى اقتناص الفرص المتاحة وإتاحة المجال لصناعة الفرص التنموية الأعظم)، كل ذلك يتأكد وزيادة إذا تذكرنا على أن الأموال العربية التي تستثمر في أمريكا وأوروبا تزيد على التريليون دولار (المرجع السابق)، مع وجوب استحضار تصريح دبي الدائم على أن تنميتها هو للعرب كافة، أي ل(دبي وأخوات دبي)!

Beraidi2@yahoo.com



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved