Al Jazirah NewsPaper Tuesday  22/04/2008 G Issue 12990
الثلاثاء 16 ربيع الثاني 1429   العدد  12990
التجديد العقدي عند د. حسن حنفي!! (1-2)
عبدالله بن محمد السعوي

التجديد سنة إسلامية لازمة لضمان حيوية الشريعة، واطراد ديناميكيتها، واستمرار صلاحيتها عبر الزمان والمكان، ولكن هذا التجديد يجب أن يجري من خلال التمييز بين الثابت والمتغير، فثمة حدود بين ما يجب أن يبقى وبين ما يمكن.

أن يتغير وثمة عناصر ثابتة كالعقائد والأخلاق والعبادات والشعائر والأحكام القطعية فهذه لا يجوز المساس بها تحت أي ظرف كان بل هي مساحة مغلقة لا معنى للتطوير فيها وهناك ما يقبل التغيير مثل آليات البحث والتقاليد والعادات التي لازمت بعض الأمور الدينية ذات غفلة ما فهذه وأمثالها يسوغ امتداد الفعل التغييري إليها من أجل الارتقاء بها وتجاوز ما فيها من سلبيات، أيضا لا بد أن يحتوي المجدد على أهلية عالية في فهم الحقائق الدينية، وأن يكون لديه براعة كافية في رد المسائل إلى أصولها، وإحاطة متعمقة بالأدلة الشرعية، مع مهارة كثيفة في استنطاق النصوص، وإسقاطها على الواقع، والإلمام بالمتغيرات، واستيعاب المستجدات، وأن يتميز بألمعية بحثية، وتفرد في معاينة الظواهر. هذه الضوابط الاجتهادية ليس لها أدنى اعتبار لدى ثلة من الكتاب، يأتي من أبرزهم الدكتور حسن حنفي، فهو يقدم ذاته عبر كثير من كتبه التي من أبرزها كتابان هما (من العقيدة إلى الثورة) و(التراث والتجديد) بوصفه مفكرا ذا توجه إسلامي، مسكون بهم الأنا الجمعية، وبوصفه فقيها من علماء الأمة! يجدد لها دينها، ويعمل على صياغة رقيها عبر مقاربة التراث، والاشتغال على مفرداته، وتفسيره طبقا لحاجات العصر، وهو في كتابه (من العقيدة إلى الثورة) يفصح عن كل ما يختلج في ذهنه من مفاهيم وأطروحات يسارية، وهو لا يعلن وبصراحة متناهية أنه شيوعي ماركسي حيث يقول (أنا ماركسي شاب وهم ماركسيون شيوخ) انظر (الإسلام والحداثة)، فالعقيدة التي بطبيعتها تتمحور حول الذات الإلهية وشخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هي بمنظور حنفي تراث يجب القفز عليه، وهو في هذا الكتاب كما يؤكد (علي حرب): (يثور على العقيدة بالتحرر من مقدماتها الإيمانية، وأسسها الثابتة، من أجل إعادة البناء والتأسيس. ولا نبالغ إذا قلنا إنه يقوم بنقد المقدمات والأصول، وزعزعة أكثر البديهيات القارة في العقل العربي الإسلامي) انظر (نقد النص) ص30 التأمل الاطلاعي في أطروحات الدكتور حسن حنفي يوقفنا على مغالطات معرفية حادة، مغالية في مناهضتها للعقيدة، وموغلة في مناهضتها للممكن العقلي، حيث إنه يقود حركة تمرد ضد إملاءات الفقه الأكبر، ومصادمة عنيفة لمقتضياته العقدية، ويتعذر في مقالة محدودة كهذه، الإحاطة بكافة السقطات المعرفية التي يتشكل منها المنطق الداخلي، والبنية العامة لهذا الطرح المربك للوعي الإنساني، ولكن يكتفى بذكر بعض الملاحظات التي تمدنا بانطباع عام عن التوجه الأيديولوجي لهذا الطرح.

يذهب الدكتور حسن حنفي في كتابه (التراث والتجديد) ص54 إلى إبداع تعريف حديث للإلحاد لم يكن باستطاعة غيره العثور على مثل هذا التعريف!، فهو يرى أن الإلحاد (هو المعنى الأصلي للإيمان لا المعنى المضاد، والإيمان هو المعنى الذي توارده العرف حتى أصبح بعيدا للغاية عن المعنى الأصلي إن لم يكن فقداً له؛ لأن الإيمان تغطية وتعمية عن شيء آخر مخالف لمضمون الإيمان، والالحاد هو كشف القناع وفضح النفاق) وفي ص67 يقول: (الالحاد هو التجديد، وهو المعنى الأصلي للإيمان)، إن غياب النص الشرعي كمصدر أساس لإثراء الفكر عن وعي حسن حنفي، ولد لديه تشوها في الخطاب، وإرباكا في الآلية، وتزييفا في المفاهيم، أفضى به إلى الاعتقاد بأن واقعنا المعاصر يفرض علينا تجاوز كون الأولوية لحكم الله بل يجب تنحية الله (تعالى الله وتقدس) جانبا والتفرد بزمام السيطرة! حيث يقول في كتابه (التراث والتجديد): (لقد ساد الاختيار الأشعري أكثر من عشرة قرون وقد تكون هذه السيادة أحد معوقات العصر لأنها تعطي الأولوية لله في الفعل وفي العلم وفي الحكم وفي التقييم في حين أن وجداننا المعاصر يعاني من ضياع أخذ زمام المبادرة منه باسم الله مرة وباسم السلطان مرة أخرى).

إذاً حنفي ينطلق من منطلق الرافض لسلطان السماء وسلطان الأرض فهو ثائر وكذلك اليسار معارض ثائر، بل يرى أن لفظ الجلالة (الله) وألفاظ مثل (الرسول، الدين، الجنة، النار): (لم تعد قادرة على التعبير عن مضامينها المتجددة طبقا لمتطلبات العصر نظراً لطول مصاحبتها للمعاني التقليدية الشائعة التى تريد التخلص منها) انظر (التراث والتجديد) ص110 إذاً لفظ الجلالة لفظ أجوف لا يعبر عن حقيقة، ولا ينطوي على مدلول في نظره! ولذا فلا بد من التخلص منه ورفض الإله جملة وتفصيلا! ويقرر هذه الفكرة مرة أخرى حيث يؤكد على أن لفظ الجلالة (الله): تعبير أدبي أكثر منه وصفا لواقع، وتعبير إنشائي أكثر منه وصفا خيريا، وما زالت الإنسانية كلها تحاول البحث عن معنى للفظ الله) انظر (التراث والتجديد) ص114 لاحظ هنا عزيزي القارئ أسلوب الإسقاط حيث يعمم حنفي تجربة جزئية محدودة، ويسقطها على الواقع الإنساني العام، بمنهج يتنافى مع أبرز اشتراطات الموضوعية، ويتناقض مع مقتضيات البحث العلمي، وضوابط الطرح الأكاديمي الذي ينتمي إلى سلوكه! علوم الوحي ليس لها حيز في ذهن حسن حنفي، فهو لا يمتلك بصيرة محدودة فضلا عن أن تكون بصيرة مفصلة بأدبياتها ومفرداتها وطبيعة تركيبتها العامة، إن وعيه لها وعي بدائي، يدرك ذلك من لديه أدنى معرفة بالعلوم الشرعية، رغم أن حنفي قد أخذ على عاتقه مهمة التفصيل والتنظير في هذا المجال، الأمر الذي غر بعض بسطاء المثقفين فاعتقدوا أنه فقيه عملاق يمثل التوجه الإسلامي المستنير! هذا الوعي البسيط لطبيعة الشريعة، هي التي جعلت حنفي يذهب إلى أن العلمانية هي أساس الوحي حيث يقول في (التراث والتجديد): (العلمانية إذاً أساس الوحي فالوحي علماني في جوهره، والدينية طارئة عليه من صنع التاريخ) إذا الدين طارئ والعلمانية هي الأصل!

أيضا يتطاول حسن حنفي وباندفاع متهور على الذات الإلهية ويصف أسماء الله الحسنى المهيمن، والمتكبر، والجبار بأنها أسماء تدل على الدكتاتورية للذات الإلهية، وأنه يجب حذف تلك الأسماء. الشهادتان في نظر حنفي ليس لهما مدلول حقيقي وليسا (إعلانا لفظيا عن الألوهية والنبوة بل الشهادة النظرية والشهادة العملية على قضايا العصر وحوادث التاريخ) انظر (من العقيدة إلى الثورة) 1-17 حنفي يؤكد على أنه وضعي، ويتقاطع مع الوضعية كمذهب فلسفي له موقف مناهض لكل الأشياء الماورائية، والخارجة عن نطاق المحسوس.

يقول حنفي: (إن كل ما يخرج عن نطاق الحس والمادة والتحليل، أضعه بين قوسين) انظر (الإسلام والحداثة) ص219 ويقول أيضا: (إن المرء لكي يكون مسلما لا يحتاج إلى الإيمان بالجن والملائكة فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل) انظر (قضايا معاصرة في فكرنا المعاصر) ص93، ويقول في الكتاب ذاته ص91: (يمكن للمسلم المعاصر أن ينكر كل الجانب الغيبي في الدين، ويكون مسلما حقا في سلوكه) ويقول مشككا بالبعث: (إن أمور المعاد في نهاية الأمر ما هي إلا عالم بالتمني عندما يعجز الإنسان عن عيشه بالفعل في عالم يحكمه القانون ويسوده العدل لذلك تظهر باستمرار في فترات الاضطهاد وفي لحظات العجز وحين يسود الظلم ويعم القهر كتعويض عن عالم مثالي يأخذ فيه الإنسان حقه... أمور المعاد في أحسن الأحوال تصوير فني يقوم به الخيال تعويضا عن حرمان في الخبز أو الحرية في القوت أو الكرامة) انظر (من العقيدة إلى الثورة) 4-600

ويقول أيضا: (إن الجنة والنار هما النعيم والعذاب في هذه الدنيا وليس في عالم آخر يحشر فيه الإنسان بعد الموت، الدنيا هي الأرض والعالم الآخر هو الأرض، الجنة ما يصيب الإنسان من خير في الدنيا والنار ما يصيب الإنسان من شر فيها) انظر (من العقيدة إلى الثورة) 4-601

ويقول في (التراث والتجديد) ص103: (الفاظ الجن والملائكة والشياطين بل والخلق والبعث والقيامة ألفاظ تتجاوز الحس والمشاهدة ولا يمكن استعمالها لأنها لا تشير إلى واقع ولا يقبلها كل الناس).

حنفي وفي جنوح عقدي مأزوم، يكشف عن تصدعات الأنا المتورمة، بفعل تلبسها بالخرافة، يذهب إلى أن الله ليس إلا صورة تخيلها الإنسان وصنعها واعتبرها النموذج الإنساني المثالي الذي يجب أن يصار إليه حيث يقول في كتابه (التراث والتجديد) ص126: (فمع أن علماء أصول الدين يتحدثون عن الله ذاته وصفاته وأفعاله فإنهم في الحقيقة يتحدثون عن الإنسان الكامل، فكل ما وصفوه على أنه الله إن هو إلا إنسان مكبر إلى أقصى حدوده) وهذا الكلام المتناهي الخطورة ليس إلا إنكارا لوجود الخالق جل في علاه!

حسن حنفي يجترح موبق التطاول المقيت على الله حيث يقول: (فالله عند الجائع هو الرغيف وعند المستعبد هو الحرية وعند المظلوم هو العدل وعند المحروم عاطفيا هو الحب، وعند المكبوت هو الإشباع) انظر (التراث والتجديد) ص13حنفي لا يعي قداسة الوحي، وإن وعاه فهو لا يتعامل بموجبه، ولا يقيم وزنا للمفردات التبجيلية في الشريعة، ولذا فهو يتباكى على هذا التسابق إلى الحج، ويسخر بهذه الأمواج البشرية التي تتقاطر من كل حدب وصوب، وتزدحم لأداء شعيرة لا تعدو أن تكون في نظره أحد بقايا الجاهلية! أما التضرع إلى الله، والتوجه إليه بالدعاء، فهو ليس إلا لونا من النفاق والتملق والوهن الذي يجب الترفع عنه والتجافي عن مباشرته! وهو - في نظره - يعادل تملق السلاطين ومحاولة كسب ودهم يقول في (من العقيدة إلى الثورة): (وأحيانا تختلط المقدمات الإيمانية التقليدية بين الحمد والثناء عليه (أي الله) وبين الدعوة للسلطة والتزلف إليها... فلا فرق بين الثناء على الله والثناء على السلطان كلاهما يصدران عن بناء نفسي واحد.. فالثناء على الله تدعيم للثناء على السلطان والثناء على السلطان نابع من الثناء على الله وكلاهما قضاء على الذاتية، ذاتية الأفراد وذاتية الشعوب).

الشريعة الإسلامية ينعتها حنفي بالإيمان السلفي، ويرى أنها عبارة عن أخطبوط ضخم يجب تقليص مداه وتحجيم فاعليته وتحسير قدرته على التمدد يقول: (ونحن منذ فجر النهضة العربية الحديثة وحتى الآن، نحاول أن نخرج من الإيمان السلفي، إلا أنهم أطول باعا في التاريخ منا وأكثر رسوخا ووراءهم تراث حضاري ضخم ونحن الأقلية، كيف نستطيع أن نحجم هذا الأخطبوط الكبير) انظر (الإسلام والحداثة) ص218 .












 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد