Al Jazirah NewsPaper Sunday  04/05/2008 G Issue 13002
الأحد 28 ربيع الثاني 1429   العدد  13002
أوروبا المتدرجة
جوليانو أماتو

روما- منذ عام واحد ما كان لأحد أن يتخيل أن الاتحاد الأوروبي، الذي ما زال يترنح من آثار الصدمة التي أصابته نتيجة لرفض المعاهدة الدستورية في العام 2005، سوف يكون مستعداً للتصديق على معاهدة الإصلاح الجديدة.

التي تبناها الاتحاد الأوروبي في لشبونة في ديسمبر-كانون الأول الماضي. وقد يتصور بعض المراقبين أن مجرد احتمال تصديق المملكة المتحدة على المعاهدة حتى قبل الدول (المؤيدة لأوروبا) تقليدياً، مثل إيطاليا، يعني أن المعاهدة تفتقر إلى المبادرات الجديدة والجريئة اللازمة للتعجيل بعملية توحيد أوروبا.

إلا أن هذا التصور غير صحيح. مما لا شك فيه أن عدم الرضا ونفاد الصبر كانا يشكلان القوة الدافعة وراء عملية التكامل الأوروبي منذ سنواتها الأولى.

ولكن كما كتب روبرت شومان في إعلانه عام 1950، فإن بناء أوروبا ليس من الممكن أن يتم بين عشية وضحاها.

وعلى نحو مماثل، كتب ألتيرو سبينيلّي، أحد الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي: (لولا فضل المفكرين المبدعين لما كانت هناك أوروبا، ولكن ما كانت تصورات هؤلاء المفكرين المبدعين لتتحول إلى واقع ملموس لولا جهود رجال الدولة البرجماتيين).

الحقيقة أن نقاط الضعف التي تعيب معاهدة الإصلاح جلية واضحة.

وربما كان التخلي عن مسمى (الدستور) أمراً ضرورياً لاستمالة كافة الدول الأعضاء.

ولكن ما لم يكن ضرورياً على الإطلاق هو ذلك النوع من عدم اليقين والارتباك بشأن المنبر السياسي المشترك الذي لابد وأن ينطلق منه صوت أوروبا في كل ما يتصل بالسياسة الخارجية.

فضلاً عن ذلك فإن قضايا مثل مساحة الحرية، والأمن، والعدالة ما زالت تتطلب الإجماع في اتخاذ القرارات الأساسية في مكافحة الجريمة والإرهاب، الأمر الذي يؤدي إلى التأخر المفرط في اتخاذ أي قرار. كما لم تنجح المعاهدة في دعم تنسيق الجهود في مجال السياسة الاقتصادية وميزانية الاتحاد الأوروبي.

ولكن طبقاً لنص قرار البرلمان الأوروبي الصادر في العشرين من فبراير-شباط فإن معاهدة لشبونة تمثل تحسيناً ملحوظاً للمعاهدات القائمة، الأمر الذي سوف ييسر للاتحاد تحمل المزيد من المسؤولية الديمقراطية ويعزز من قدرته على اتخاذ القرار.

ولسوف يكون تبني تشريع الاتحاد الأوروبي رهناً بمستوى معين من المراجعة البرلمانية (سواء على مستوى الاتحاد أو على المستوى الوطني لكل دولة) لا يوجد له مثيل في غيره من الكيانات الدولية أو المتخطية للحدود والقوميات.

فضلاً عن ذلك فإن هيئات الاتحاد الأوروبي المختلفة، مثل الشرطة الأوروبية (Europol) ، سوف تخضع على نحو مماثل لقدر أعظم من المراجعة البرلمانية، وسوف تكون الإجراءات الخاصة بالميزانية أكثر تبسيطاً وأقرب إلى الديمقراطية.

ولسوف يكون ميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية ملزِماً قانوناً، وسوف تتعزز الحماية القضائية للمواطنين بفضل تيسير وصولهم إلى محكمة العدل الأوروبية وتوسيع سلطات المحكمة وصلاحياتها القضائية.

أما الدور الذي يلعبه الاتحاد كلاعب عالمي فلسوف يتعزز من خلال الدمج بين منصبي الممثل الأعلى والمفوض المسئول عن العلاقات الخارجية وإنشاء هيئة دبلوماسية منفردة.

قد يستمر سردنا للقائمة إلى ما شاء الله، إلا أننا لدينا من الأسباب الكافية ما يجعلنا نستنتج أن الاستفادة القصوى من المعاهدة الجديدة هو أفضل ما تستطيع أن تفعله البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

كانت المقومات الأولى للهوية الجماعية المشتركة قد حُقِنَت في العضوية الموسعة للاتحاد الأوروبي، التي ما زالت تحيط بها مواقف وحساسيات وتوقعات مختلفة.

والحقيقة أن مطالبة الجميع بالقيام بأكثر مما تم التصديق عليه بالإجماع من شأنه أن يقوض التناغم الأوروبي الهش. ولكن لا شيء يمنع مجموعات أصغر من الدول الأعضاء من السعي إلى تحقيق أهداف أعرض من خلال اتفاقيات منفصلة.

فبنفس الأسلوب ظهرت إلى الوجود معاهدة شينيغين التي أصبحت فيما بعد جزءاً من الجسم القانوني للاتحاد الأوروبي. وفي وقت لاحق كانت اتفاقية برون أساساً لرفع التعاون الشرطي إلى مستوى التكامل الشرطي بين الدول المشاركة.

هناك بعض الأسباب التي تعزز من آمالنا في أن تشرع بعض البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في خوض هذا النوع من المغامرة في مجال مكافحة الجريمة والإرهاب، أو شؤون الدفاع، أو التنسيق المالي والميزانية.

والحقيقة أن التكامل الأقوى بين مجموعات من البلدان الأعضاء في أي من المجالات من شأنه أن يساعد في تعزيز قوة الاتحاد الأوروبي ككل.

ولكن فلنسمح لهذه المجموعات أن تقوم بهذه المهمة على نحو منفصل، وفي نفس الوقت علينا أن نجدد من طاقة الاتحاد من خلال تفعيل التحسينات التي تبناها بالفعل.

وهذا هو الدرس الذي لا بد وأن نستفيد منه الآن بعد مرور خمسين عاماً منذ إعلان شومان.

جوليانو أماتو رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، ورئيس لجنة عمل الديمقراطية الأوروبية
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008. خاص ب«الجزيرة»











 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد