Al Jazirah NewsPaper Wednesday  07/05/2008 G Issue 13005
الاربعاء 02 جمادى الأول 1429   العدد  13005

نبيل الحصين ولوعات الفراق!
عبدالعزيز عبدالرحمن الخريف-حريملاء

 

فَلا تَبكِيَن في إِثرِ شَيءٍ نَدامَةً إِذا نَزَعَتهُ مِن يَدَيكَ النَوازِعُ

ما أقسى لحظات الوداع وما أمرها على النفوس تلك هي فراق الوالدين أو أحدهما، بل وفراق الأحبة والأبناء، ورفاق العمر.

فقد يمكث حزنهم طويلاً في طوايا النفس لا يمحوه تقادم العهد ومر العصور، وقد تجده هواجس النفس بين حين وآخر حينما يخلو المرء بنفسه ويخلد إلى الراحة، ويأذن لشريط الذاكرة أن يتحرك وتدور عجلاته ليسمع عقله الباطني، فيجول بخاطره في فلوات العمر متذكراً حلو أيامه وساعات عمره مع أقرب الناس إلى قلبه، بدءً من عصر الصغر والطفولة بين أحضان والديه الذين حدبا على تنشئته وتربيته ورعايته حتى ترعرع واشتد ساعديه معتمداً، على نفسه وعاش بجانبهما في دعة وسعادة حتى فرق بينهم هادم اللذات ومفرق الجماعات الواحد تلو الآخر.

فيظل بعدهما يجتر بذكرياته الجميلة معهما متحسراً على غيابهما في رحلتهما الطولا:

وكل مصيبات الزمان وجدتها

سوى فرقة الأحباب هَيِّنَة الخطب

وهذا هو شأن الأستاذ نبيل بن عبدالله وإخوته.. عندما أنزلوا والديهم الأستاذ عبدالله الحصين في لحد من الأرض ملقين عليه النظرة الأخيرة، ثم انصرفوا عنه وتركوه وحيداً وهم يحملون بين جوانحهم ألم الفراق الأبدي - رحمه الله - ولقد أيقظ مشاعري وأحزاني المقال الذي يحمل في ثناياه تفجع الأخ الأستاذ نبيل بن عبدالله الحصين على رحيل والده الأستاذ الأديب.. الذي نشر على صفحات الجزيرة، ثم صاغ تلك الكلمة المؤثرة في قصيدة تقطر ألماً ولوعة صور فيها بالغ حزنه وتفجعه، وهو ينزله بكلتا يديه في اللحد متلمساً رخو الثرى ليوسد رأس والده برفق في الطرف الأيمن من ذاك الجدث، وكله ألم وحرقة محاولاً إرواء ناظريه بنظرة وداع من جثمانه قبل أن تخفيه الحفر ويتوارى عن الوجود إلى الأمد الأقصى البعيد، ولك أن تتصور ما بداخل أبنائه وأحبته في تلك اللحظة الحاسمة الوداعية من حزن عميق وتفجع موجع للغاية:

أواسي رأسك العالي في طرفٍ من اللحد

راجيا لك العفو والثبات عند السؤال!

سائلاً رب العباد الكريم سامع الصوت

أن يؤنس وحشتك ويغسلك بالماء والبرد

إن هذين البيتين فيض من براكين نفسه، وما تجنيه أضلاعه من لوعات الفراق، والحقيقة أن جو تلك القصيدة على بساطتها سلسة الأسلوب جيدة النبرات!

توحي بعمق الحزن والأسى على فراق أقرب الناس إلى قلبه ووجدانه.. فالترابط الأبوي ترابط رحمة ومودة لا يماثله ترابط البته.. - كان الله في عونهم وجبر مصيبتهم فيه - ولي مع أبي نبيل ذكريات متعددة الجوانب لا يتسع المجال لذكرها الآن، وكان يتعمدني بالنصح والإرشاد ويدلني على قراءة بعض الكتب التي يستفيد منها المبتدأ أمثالي - آنذاك - :

يقول إنها ترقق أسلوب الكاتب، وتوسع آفاق المعرفة لديه مثل مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي: النظرات - العبرات - ماجدولين - مختارات المنفلوطي، ومن كتب مصطفى صادق الرافعي: رسائل الأحزان - أوراق الورد - وحي القلم، مع تأكيده على حفظ ما نقدر عليه من القصائد الشعرية التي تحث على مكارم الأخلاق وإثراء الحصيلة اللغوية منها، ولقد استفدت من توجيهاته الأخوية - رحمه الله - بتسريح النظر في كثير من بطون الكتب التي تحمل في ثناياها فوائد جمة، وتعتبر بوابة للثقافة والمعرفة.. ولا أملك سوى هذه الكلمة التي سطرتها على هامش قصيدة الأستاذ نبيل بن عبدالله الحصين في رثاء والده راجياً له المغفرة والنعيم المقيم، والصبر الجميل لأبنائه وأسرته ومحبيه.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد