Al Jazirah NewsPaper Wednesday  07/05/2008 G Issue 13005
الاربعاء 02 جمادى الأول 1429   العدد  13005
عقول الشباب أكبر من أن تُستدرج نحو الفتن
حمد عبدالرحمن المانع

يعيش الإنسان وعقله في رأسه الذي يتلقى المعلومات ويحللها بدرجة سريعة، ومن ثم ينشأ التصور ويرسخ الانطباع المبدئي في الذهن ليعبر من خلال هذه المرحلة التأسيس للرأي والذي يعتبر أحد الركائز الرئيسة التي ينبني في ضوئها ما سلامة التوجه عطفاً على الأخذ بأدوات السلامة والعمل بها، وأهم العناصر وأخطرها في نفس الوقت سلامة العقيدة، فهي المبدأ الآمن لتحقيق الهدف السامي النبيل، فكان الحديث الشريف (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) نبراساً يضيء للسالك الطرق المعتمة والتي تشتد وعورتها كلما غفل أو استهان بمبدأ السلامة، كمعيار خلاق يؤسس لبناء العلاقات بمنهجية منصفة هدفها الأسمى تجنب الاعتداء أياً كانت صفته، كما حرمه المولى على عباده، وتتبدل المشاعر في مراحل العمر المختلفة وما يصاحبها من اندفاع وحماس، لاسيما وأنها تكون في الذروة في مرحلة الشباب تحديداً نظراً للتوافق النفسي والفكري مع المعطيات، وبالتالي سهولة تشكيل النمط على هذا الأساس إن خيراً فخير وإن شراً فشر، ويخضع هذا الأمر لطبيعة التشكيل وأهدافه، فقد يكون الحماس لمساعدة الفقراء والمحتاجين، وكفالة الأيتام ونشر الدعوة، والنصح، والإرشاد، وما إلى ذلك من مناشط خيرة تعود عليه وعلى أهله ومجتمعه بالخير والفائدة، وقد يكون للتدمير والتخريب إهلاك الحرث والنسل والتسبب بمشاكل اجتماعية اقتصادية لن يجني منها سوى انزلاقه في دائرة الاعتداء التي حرمه الله، ولن يتجرع أهله ومجتمعه سوى مرارة المصائب والمتتالية، فاتقوا الله يامن تعبثون بعقول الشباب وتزينوا لهم سوء الأعمال، فوالله إن أوزارها عليكم، كما تسنونها لهم فأي خير يكون في تضليل الشباب والزج بهم في الدوائر المظلمة، في حين أن وقودهم في ذلك الأمر قصور الفهم وضعف الإدراك إن تعرية من يعملون في الخفاء لحقن الشباب وتأليبهم ضد أهليهم بهذه الأساليب الموغلة في التسطيح، وتحييد الأبعاد القيمة لدين الإسلام الخالد، ما برح يجر الويلات على المسلمين أنفسهم في مشارق الأرض ومغاربها فضلاً عن تشويه الدين، وربطه بصيغة العداء، في جرأة خطيرة، ونحر للأمانة وإصابتها في مقتل، ولا ريب أن مخاض الأحداث، يوحي بأننا أمام منعطف خطير، ينبئ عن شرخ في القيم الأخلاقية التي يحتويها الدين ويحث عليها، فالاعتداء أياً كان نوعه محرم شرعاً، كما هو وارد في القرآن الكريم صراحة {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} إن البناء والهدم هذان المصطلحان باقيان إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، والفارق بينهما يكمن في النية الصادقة، فيما يكون تسويغ الهدم على أنه بناء، وتصويره بهذه الصيغة يعتبر تلبيساً يحمل في طياته كثيراً من التضليل، فهل في قتل الأنفس بناء، ومن قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً، وهل في حيازة المتفجرات، والأسلحة نية إلى البناء، وهي في الواقع تعد للتدمير والتخريب، لا زال الفهم القاصر، يسوق الشباب إلى حيث الانتهاك المعنوي للقيم، الداعمة لسبل البناء، ومازال احتواء العقول عنصراً يستثمره أصحاب المآرب النفعية، ويجيد هؤلاء اللعب على تضييق الأفق، وحبس العقول في نطاق محدود لا يتجاوز عنصر التزهيد بالدنيا.

وكره الحياة والناس معها، وهم بمخالفتهم يسهمون في مخالفة سيد البشر نبينا محمد الذي حذر من التنطع، ووعد المتنطع بالهلاك، ذلك أن التنطع والرؤية القاصرة، تضعف من سماحة الدين، وتنال من المسار الناصع، للدعوة التي بنيت على أسس ثابتة، يعزز من استمرارها وتوهجها قوة الدين، بنصوصه الواضحة الصريحة، ودلالاته المعرفية الثاقبة، والتي تعنى بكل شؤون الحياة وتنظيمها في إطار من التوازن، بلا إفراط أو تفريط، فكان الوعيد الشديد لمن قتل نفسه، عدا عن خلوده في النار وغضب الله عليه ولعنته إذا قتل مؤمناً متعمداً، فكيف يتم الاستهانة بهذه التحذيرات بهذه السذاجة الفجة والصيغة المعتمة المظلمة ومبدأ الثواب والعقاب، لا يملكه إلا خالق الثواب والعقاب وموجبه على العباد والحساب إنما هو من اختصاص رب العباد فهل بعد ذلك يجرؤ عاقل على مبارزة المولى في أمر خص به نفسه تبارك وتعالى عما يصفون، إن التعقل في هذه الأمور الخطيرة يوجب الحذر، وعدم الانسياق خلف مكامن الجهل المظلمة، والتي تغرق في النظر إلى المجتمعات من زاوية واحدة وأضيق ما تكون بعداً عن الاستقامة والاتزان، والرؤية الموضوعية، فالعصيان موجود.

والعصاة موجودون على مر العصور بتفاوت قلتهم وكثرتهم، وهذا حتماً لا يسوغ إخراج المجتمع والحكم عليه بهذا الحكم المجحف، (ولو شاء ربك لأمن من في الأرض جميعاً) فهل يتنبه الشباب، ويتأملون كثيراً قبل تسليم عقولهم وارتهانها، وهل يمعنون في تفعيل عنصر التفكير السليم وقراءة الأدلة بسياقاتها المنطقية المتزنة، فإذا كانت الحياة تستحق كل هذا الاهتمام، والمحافظة عليها، وعلى الحرث والنسل، في ديننا الكريم (ومن أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً) فهل بعد كل هذا الأمر، يأتي من يستهين بها وبساكنيها إلى هذا الحد المخجل والمؤسف في ذات الوقت.





hamad-yemco@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد