Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/05/2008 G Issue 13020
الخميس 17 جمادى الأول 1429   العدد  13020
ستون عاماً يا فلسطين
عادل علي جودة

كثيرة أحداث تلك الإشارة الضوئية القريبة من منزلي، ففي صبيحة يوم الجمعة 11-5-1429هـ الموافق 16 مايو (أيار) 2008م، صادف وقوفي لدى الإشارة وقوف شاب مؤدب من شباب الحي، الذي ما إن رأى وقوفي يتزامن مع وقوفه وبجواره،

وكان إلى يساري، حتى فتح زجاج نافذته وألقى تحية الصباح، ثم بسرعة قال: (حزين جداً أنا يا أبا علي)، فسارعت بالسؤال: سلامات يا بني العزيز؟، فقال: في هذا الشهر من كل عام يعتصر الحزن قلبي، إنه (مايو)، وفي هذا اليوم، وهذا العام بالذات أجد الحزن يقطع قلبي؛ إذ يصادف مرور ستين عاماً على النكبة! ثم أردف متسائلاً: (بالمناسبة أبا علي، أنقول: (ستون) أم (ستين))؟

الحقيقة إنني لم أجبه، بل ما إن سمعت مفردة (النكبة) حتى رحت أتأمل أمسية الأمس؛ الخميس 10 جمادى الأولى 1429هـ الموافق 15 مايو (أيار) 2008م، بكل ما اعتراني فيها من أحزان وما ذرفتُ فيها من دموع، تلك الأمسية التي نظمتها (الندوة العالمية للشباب الإسلامي) ممثلة في (لجنة شباب فلسطين)، وكانت تحت عنوان: (ستون عاماً على النكبة)؛ إذ تخلل الأمسية خاطرة أضافت إلى الحزن مزيداً من الحزن، ألقاها أحد الشباب وحكى من خلالها رحلة أمه وهي تعبر النهر مهاجرة صوب الأردن وعلى ذراعيها ابنها البالغ من العمر شهراً واحداً، لقد أجاد في التعبير، وأجاد في الإلقاء، كما أجاد في ملاحظة أوردها بعد خاطرته، وأشار فيها إلى المصطلحات الغريبة عنا أحياناً، والمناقضة لمصالحنا أحياناً أخرى، وذكر من بينها مفردة (نكبة)، مطالباً باستخدام مفردة (جريمة) إشارة إلى أن هنالك مجرماً يقف خلفها، وهو العدو الصهيوني، ولا فض فوه!

من المؤكد أن الإشارة الضوئية تحولت من اللون الأحمر إلى اللون الأخضر، وسار ابن الحي في طريقه، وسرت في طريقي، ولكن كيف؟ ومتى؟ والله لست أدري!

كل الذي أدريه أنني أبحرت في هذا الكم الهائل من الحزن الذي يحتل قلبي وقلوب أبناء الشعب الفلسطيني الذي اغتصبت الصهيونية أرضه وقتلت رجالاته وشردته من دياره ليعيش التشرد والشتات في أصقاع الدنيا!

قبل شهور قليلة، وتحديداً في الثاني من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2007م، أقمنا المهرجانات والاحتفالات بمناسبة مرور تسعين عاماً على وعد بلفور المشؤوم، وربما أنشد البعض (بالروح بالدم نفديك يا فلسطين)، وربما أنشد البعض الآخر مدندناً: (ما بتنازل ما بتنازل عن حبة رملة)، وربما همس القليل في نفسه قائلاً: (يا أخي بلا (روح) وبلا (دم)، تعال لبعض حل نحصل فيه على حبة رمل)!

أخ يا فلسطين، إن أطلقنا على الخامس عشر من مايو (أيار) 1948م مسمى (نكبة) أم مسمى (جريمة)، فهذه قد نتفق عليها، ولكن ما عسانا أن نسمي (الحصار الخانق على أهلينا في قطاع غزة) الذي بدأ تطبيقه في السابع عشر من يونية (حزيران) 2007م، وما زال مستمراً حتى اللحظة!

أخ يا فلسطين، إن كان الحزن يوخز قلوبنا كما السكاكين في ذكرى مرور ستين عاماً على (جريمة اغتصاب فلسطين)، فكيف نصف الحزن الذي يقطع أفئدتنا بسبب الفرقة بين أبناء الدم الواحد، والقضية الواحدة، والشعب الواحد، والمصير الواحد؟

أخ يا فلسطين، كم اختلفنا! وكم تراجعنا! وكم أنعشنا قلب عدوك وعدونا في عام أسرك الستين!

أخ يا فلسطين! أصبح لدينا حزبان متحاربان، وسلاحان متواجهان، في قسمين يسيرين من ترابك يا فلسطين؛ الضفة الغربية! وقطاع غزة! هذا ينادي هنا! وذاك ينادي هناك! وآل صهيون يتهامسون ويتضاحكون ويتغامزون!

أخ يا فلسطين! في غزة هاشم الشعب ثلاث فئات؛ فئة فتحاوية، تجلس في بيتها معززة مكرمة، وتأخذ راتبها مع نهاية كل شهر، وفئة حمساوية أيضاً تأخذ راتبها مع نهاية كل شهر، وفئة ثالثة لا فتحاوية ولا حمساوية؛ لا شرقية ولا غربية، وهي المغلوب على أمرها، فلا راتب لها من السلطة، ولا راتب لها من حماس، ولا مجال لها للعمل، وخصوصاً أولئك أصحاب الحرف الصناعية، فلا مصانع تعمل، ولا مزارع تحصد، ولا بنيان يشيد، فقط يجلس الواحد منهم ويرى بأم عينه زوجته وأبناءه يتضورون جوعاً ويلهثون عطشاً، في وسط ليل أسود ونهار حارق، فلا كهرباء هناك ولا ماء!

أخ يا فلسطين! أين نحن اليوم من رجالاتك؟ أين نحن اليوم من أمجادك؟ أين نحن اليوم من تاريخك؟

أخ يا عز الدين القسام!

وعذراً منك يا جاري العزيز، تُهت في أحزاني، ولم أجب تساؤلك، فعلى النحو الذي ذكرت، نقولها: (ستين)!

(رئيس المجلس الاستشاري الأعلى)


aaajoudeh@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد