Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/05/2008 G Issue 13020
الخميس 17 جمادى الأول 1429   العدد  13020

{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}
جهد البصر والبصيرة
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري

 

نولد ونحيا المقدر لنا من سنين ثم نموت، هذا هو العمر في ظاهره، إلا أن العمر يمر بمراحل لا يمكن تخطيها؛ الطفولة، وما بين الطفولة والمراهقة مرحلة حتى الآن لم تعرف، وليس لها تفاصيل، ثم المراهقة ويليها بقية مراحل العمر.

...

ولكلِّ مرحلة طابعها وخصائصها التي تلونها حتى تصل إلى نقطة التقاء هي مكمن لمحصلة التجارب والخبرات وكل ما علق بالنفس وأثّر في السلوك.

تلك المراحل تؤسس للعمر، وحين تهيئ القدرة نهب للأسرة والوطن والمجتمع من جهد العمل والعطاء وذلك بدافع الحاجة، وأحياناً نهب بلا حاجة ولكن بدافع الانتماء، وتتوالى السنون بنا ونحن من يحب ويكره، يخطئ ويصيب والبعض منا له طابع يعرف به، طابع الجد وإن امتزج بفترات من الهزل تتباين آثاره ونتائجه، ونحن من تأخذ به الملذات كغاية وهدف وإن تميز البعض بالمنعة واستقامة السلوك حيث يحصن العقل النفوس منا، ويفصل بينها وبين الإغراق في الملذات غير المشروعة والضارة بالطبع.

هذا وغيره أكثر، ولذا إنه لرائع وجميل لمن بلغ الأربعين من العمر وما بعده أن يُلقي بالبصر على ما فات من هذا العمر للعبرة والدرس والتحليل على أن يتسلح من سيلجُ هذا البحر المتلاطم المليء بالتماسيح وبأجمل الأسماك، وأطيبها بسلاح لابد منه وإلا غرق وأخذت الملامة والحسرة وتأنيب الضمير من نافع هذه المحاولة على الرغم من أن الهدف أن يلقي بتأمله وتحليله على ماض لا ينفع معه ندم ولا حسرة، ولكنّ النفع كل النفع فيما يخرج به كمحصلة لما مضى من العمر كعبرة وحقيقة ربما أنارت ما بقي له من العمر أضفت عليه مزيداً من فضائل الحياة والجميل المتاح بما يسعد به ويستقر معه للقادم من عمره.

وأهم مراحل العمر مرحلة الطفولة وأحداثها وذكرياتها، المفهوم منها والمخزون دون أن يفسر، ومن ثم علاقة هذه المرحلة بمن حوله من أسرة ومدرسة ومجتمع، فالسنوات الخمس أو السبع من بدايات العمر هي المؤسس الأساس لكل مراحل العمر، فكل سلوك أو تفكير نمارس به الحياة بعد ذلك سيتأثر بطفولتنا وكل مكتسباتها.

وبين الطفولة والمراهقة مرحلة لا أدري لماذا تفقد المسمى وكذا التعريف بتفاصيلها، وبعدها تبدأ المراهقة وهي المرحلة الحاضنة لتجارب يكتنفها الصواب والخطأ، كما أنها مرحلة كل ما فيها هادر وحراكه أسرع من زمانه، ولكنها المرحلة التي نثمن من خلالها سلوكنا فكراً وممارسة فيما بين الخطأ والصواب، ومن خلال ماض جسدته الطفولة وما بعدها، ثم المراهقة يسير بنا العمر من على ظهر الزمان والمكان وتسجل معه السنون مسيرنا ما بين الحكمة والتهور والخطأ والصواب، الجهل والتعلم والمحصلة خبرة وتجارب يجسدها عمل نفخر به كما يفخر الوطن والناس بمنافعه أو ما هو عكس ذلك حيث المزيد من الضيق لمضار لحقت بالجميع.

ومن منافع المراجعة والتحليل أننا سنقف على مسارات عدة بدراستها ومتابعة آثارها نتخلص من منعطفات أدت بنا ولا تزال إلى كثير من القلق والهموم وقد تقف بنا وسائل الرصد والتحليل أمام مواقف من زمن الطفولة أو المراهقة، أو ما بينهما أو ما بعد المراهقة فنجد لنا مخرجاً موفقاً من حالة لا زالت آثارها جلية ومؤثرة على سلوكنا وأحاسيسنا في عمر يفترض معه الكثير من النضج، كما تتيح هذه المحاولة التعرف على مواقع القوة والضعف في أعماقنا لنتمكن من تعامل فعال مع نقاط القوة لتزيد قوتها، والضعف نعالجه بالقدر الممكن.

ومن خلال ما ندعو إليه يتبادر إلى الذهن حال بعضنا مع التجارة، وهي من أنشطة العمر فالتعامل مع المال والتجارة لابد أن يخضع للتدقيق بماض وحاضر تم إنجازه، ومن دراسته ومراجعة خطط الماضي والعائد من ذلك نعد الخطة ليتطور الحاضر مبشراً بمستقبل أفضل.

فإذا كان هذا جائزاً مع التجارة، والعمر أثمن وأهم، ونحن حريصون على استقرار نفسي ونشاط عقلي ونتاج مثمر فإن مثل هذه المحاولة رافد للنجاح إن شاء الله على أن لا تنتهي مرحلة الدراسة والتحليل بشيء من الضيق والألم والحسرة حيث الدافع والقصد شحن الإرادة نحو منهاج موفق وناجح تستقر معه النفوس وتصفو العقول، فننعم بجمال الحياة، وتتطور وسائل العطاء سواء للنفس أو للحياة والناس، فنقترب من صالح الأعمال، والحقيقة في قوله سبحانه وتعالى: {وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

كما قال الشاعر:

وفي غابر الأيام ما يعظ الفتى

ولا خير فيمن لم تعظه التجارب

وقال آخر:

من لم يعظه الدهر بالتجارب

لم يتعظ يوما بقول صاحب

كما قال الشاعر:

النفس كالطفل إن تهمله شب على

حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

وعن التجارة يقول الشاعر:

وفي التجارة آراب يحققها

من كان فيما تولى حازماً حفصا

وقال أبو العلاء المعري:

أمس الذي مرّ على قربه

يعجز أهل الأرض من ردّه

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6383 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد