Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/05/2008 G Issue 13020
الخميس 17 جمادى الأول 1429   العدد  13020
خلخلة المجتمع المحافظ!
محمد بن عيسى الكنعان

تستمد المجتمعات المحافظة قوة تماسكها لمواجهة تيارات التغيير الحضاري (تطويراً أو تحديثاً) باستمرار سيطرة فكرها السائد على نسيجها الاجتماعي، عن طريق مصدرين معتبرين في الوعي الجماهيري والممارسة الحياتية، وهما (المصدر الديني) الذي يشكّل رافداً للتعاليم والتشريعات الحاكمة لمنظومة القيم الاجتماعية السائدة، والضابطة لروابط مجمل العلاقات الإنسانية، وكذلك (المصدر القبلي) الذي يُنشئ العادات والتقاليد الاجتماعية المتوارثة، التي تشكّل كثيراً من المعاملات الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد، لهذا يوجد ما يشبه السياج الفكري والمانع الحضاري لكل الأفكار الجديدة والتيارات الوافدة، سواء كان هذا الجديد أو الوافد (طريقة حياتية) كمراسم الزواج الغربي في أعراسنا، أو (وسيلة مادية حضارية) كالهاتف الجوال المرئي، أو (موجة فكرية أو إعلامية) كموضوع الحداثة أو برامج تلفزيون الواقع، وقس على ذلك.

هذه الممانعة التي تبديها المجتمعات المحافظة لن تستمر في ثباتها بسبب قوة إيقاع العصر المادي وثورة الاتصال السريع وشيوع المعلومة المحررة من القيود الرسمية خاصة أن تيارات التغيير الحضاري ليست على نمطٍ واحدٍ أو تنهج أسلوباً حياتياً وحيداً، إنما تتدفق على المجتمع عبر ثلاث وسائل رئيسة فاعلة التأثير وبالغة المدى الاجتماعي هي: (الوسيلة المادية) وأبرزها وسائط التقنية، و(الوسيلة الفكرية) وأهمها المؤلفات الإبداعية كالروايات الأدبية، و(الوسيلة الحضارية) كالبعثات الدراسية والرحلات السياحية والملتقيات الثقافية. هذه الوسائل ترتبط فيما بينها وتتجسد على الواقع، من خلال (شريحة بشرية) تمثّل الجزء الأكبر في كيان المجتمع، وهي الأجيال الشبابية (الواعدة)، التي تختلف في رغباتها الحياتية، وأنماط تفكيرها، واهتماماتها اليومية، وتطلعاتها المستقبلية، اختلافاً كلياً عن الأجيال السابقة، لهذا فالتغيير الذي بدأ يسري في عروق المجتمع المحافظ حتى راح يخلخل بنيان معتقداته السائدة ويناقش قيمه الاجتماعية، هو تغيير بملامح (شبابية) وسمات (عصرية)، ويكفي أن تشهد حواراً فكرياً من قلب الحياة الاجتماعية بين شاب ولد في مهد الحضارة القائمة اليوم، وبين شيخ كبير تنطق تجاعيد وجهه بتجارب الحياة ومرارة السنين، فتجد (فارق التفكير) وحقيقة (رغبة التغيير).

الوسائل التي أشرت إليها تبدو اليوم متحققة واقعاً، خاصة أنها اقترنت بالخط الإعلامي (الفضائي)، الذي عزّز حضورها الاجتماعي وقوّى تأثيرها الفكري، ف(الوسيلة المادية) من وسائط التقنية كالهاتف الجوال المزوّد بكاميرا، وشبكة الإنترنت وغيرها، قد تغلغلت في مجمل حياتنا بما لا يمكن الاستغناء عنها، حتى إن (الفتوى الدينية) لم تصمد أمامها إلا فترة بسيطة، كما أن (الوسيلة الحضارية) من بعثات علمية ورحلات سياحية وملتقيات ثقافية، هي أيضاً حُسم أمرها اجتماعياً فلم يعد المجتمع يناقش أو يرتاب من هذه المسائل، حتى سفر الفتاة أو تنقلاتها للدراسة أو السياحة أو الثقافة.

أما (الوسيلة الإبداعية)، التي تجسدها (الرواية الأدبية) أو (الكتب الفلسفية)، أو (المقالات الفكرية) فهي أكثر الوسائل حراكاً وتأثيراً في المجتمع بشكل فاعل وبطيء، لأكثر من سبب.. فهي هاجس الشباب الثقافي وميدان حريتهم الفكرية، والسبب الثاني أنها نافذتهم الحرة على التجربة الإنسانية المختلفة، والسبب الثالث أنها تمس (الفكر) السائد، المحرك لثقافة المجتمع المحافظ والمتحكم بقيمه، سواءً كان هذا المس عبر (الدراسات الجادة) للمؤلفات الفلسفية أو الرؤى الفكرية التي تطرح في الساحة الثقافية، أو عبر (المناقشات النقدية الحادة) حول الروايات الأدبية، التي طغت بشكل لافت على الإنتاج الشعري والحوار الثقافي، كونها راحت تفتش عن المخفي وتتحدث بما سكت عنه، وتلقى دعماً يبعث على الريبة، لدرجة أن النقاد الكبار تحولوا إلى (مطبلين) للروايات الفاشلة، فضلاً عن (تحقيق صحافي) صار بقدرة قادر (رواية أدبية) يُحتفى بها في بلدان عربية هي أكثر الناس جهلاً بالمجتمع الذي تشير إليه الرواية (المستنكرة).



kanaan999@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد