Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/06/2008 G Issue 13055
الخميس 22 جمادىالآخرة 1429   العدد  13055
كيفية تحسين قدرة المراعي في بلادنا (1)
د. عبد الملك بن عبد الله زيد الخيال

معظم شبه الجزيرة العربية، بها غطاء نباتي من صفاته أنه غير مستمر أي مبعثر هنا وهناك، ذو تغطية وكثافة وإنتاجية منخفضة، يعكس الظروف المناخية القاسية، والاستغلال المكثف، وتغلب على أنواعه الشجيرات القصيرة، وتتكاثر النباتات الشوكية والسامة غير الرعوية، مثل الحرمل المنتشر في كل مكان تقريباً،

وكثرته في منطقة معينة يعتبر مؤشراً على تدهور المراعي،...

كما تندر به الأشجار التي غالباً ما توجد في الوديان، مع قليل من النباتات الرعوية المرغوبة، أمام النباتات الحولية فتواجدها مرتبط مع نوعية التربة وكثرة الأمطار الموسمية، لذلك تكثر في الوديان والمنخفضات حيث تتعرض لرطوبة أكثر. كما أن نباتات الكثبان الرملية تنمو أكثر كثافة وجودة عن سواها، نظراً لتوفر بذور أكثر جلبتها الرياح مع الرمال ولتوفر رطوبة جيدة تحت سطح الرمال، ولتزايد ولكثرة الرعي الجائر والاستغلال المكثف والمستمر على النباتات الرعوية، بدأت تركيبة المراعي النباتية في التغير فتناقصت أنواع النبات الرعوية وبالمقابل زادت النباتات الشوكية والسامة مثل الشويكة والحرمل والبنج وغيرهم، وهذا من مؤشرات تدهور المراعي في بلادنا. ومن حيث الأهمية تنتشر النباتات الرعوية على مساحات واسعة مثل الرمث والغضا والأرطى والعاذر والسبط والضمران وخضر والعرفج والنصي والقتاد والشيح والقيصوم والرغل والروثة والطرفا والقطف والمصع وكذلك العلقا والحلفا والحماط ومن النباتات الحولية التربة والربلة والاقحوان.

وعموماً يتحدد الغطاء النباتي بدرجة جفافية المناخ فالأشجار عموماً تحتاج إلى كميات أكبر من الرطوبة وأراضي السهول العشبية لا تهطل فيها أمطار كافية تساعد على وجود الأشجار فيها ولكن الصحاري قد توجد بها النباتات الشجيرية وبعض الأشجار المتأقلمة لمختلف البيئات في الصحراء. ففي صحاري المنطقة الوسطى من المملكة يمكن تحديد ثلاثة مجتمعات نباتية عامة هي مجموعات مجتمعات العرفج ومجموعة مجتمعات الرمث التي تغطي مساحات واسعة وتتطابق بها أنواع الحوليات، بينما مجموعة مجتمعات النفود تقتصر على مناطق الرمال العميقة والكثبان الرملية. أما المناطق الملحية فلها مجتمعاتها حسب درجة الملوحة، وقد يغيب الغطاء النباتي منها عند تركيز نسبة الأملاح.

بعد هذه المقدمة البسيطة عن الغطاء النباتي، أحببت أن أقص عليكم قصة شاب، كان يعيش في بلدة صغيرة كئيبة وسط الصحراء في أستراليا، تنتشر فيها وتحيط بها القاذورات في كل مكان، والأهالي فيها لا يعرفون الابتسامة، فقرر ذلك الشاب من واقع حبه لبلدته أن يغير من ذلك ويحولها لمدينة جميلة، تزينها الأزهار في كل مكان، وتجلب السعادة لمن يعيش فيها. أتعرفون ماذا فعل؟ قرر كل يوم أن يذهب للبر خارج المدينة بعد أسبوع أو عشرة أيام من سقوط أي مطر، يجمع بذور بعض النباتات المزهرة، ويأتي عند المساء، ويتجه إلى كل مكان قذر يجمع الأوراق ويشوه المكان ويضعها في كيس يحمله وينثر تلك البذور، واستمر على ذلك الحال أيام عدة. وبعد فترة، نبتت البذور، وأزهرت النباتات، وبين ليلة وضحاها وجد سكان المدينة أن روائح الزهور العطرة تملأ مدينتهم، فتغيرت نظرتهم للحياة وقرر السكان بعد ذلك التطوع لنظافة مدينتهم، حتى أصبحت من أجمل المدن، ثم استمر شباب تلك المدينة يجلبون البذور فيما بعد، وعندما توفى ذلك الشاب شيدوا له تمثال في ميدان وسط المدينة عرفاناً منهم بفضله على تغيير حال مدينتهم.

ذكرت هذه القصية، لأنني أعرف أنه يمكن التغيير للأحسن في بلادنا، إذا وجد الدافع والحس الوطني الخلاق للعمل، وأيضاً لحث وزارة الزراعة والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية بالبلاد، وهيئة الأرصاد وحماية البيئة لتغيير المنظر الكئيب لبلادنا، بلد بها غطاء نباتي قليل إلى بلد، تكثر به الأشجار والغطاء النباتي، وذلك بعمل لوحات إرشادية، على مداخل المدن والقرى، تحث على المحافظة على الحياة الفطرية الحيوانية والنباتية، ومنها العمل على المحافظة على الغطاء النباتي الرعوي وإكثاره، ليس فقط في المناطق المحمية، وإنما في كل ربوع البلاد.

هل تصدقون أن أصحاب الماشية في ظل أزمة الأعلاف القائمة يقومون باقتلاع النباتات الرعوية من جذورها، وتحميلها في صندوق السيارة (الونيت)، وجلبها لتغذية ماشيتهم، وهذا عملهم طول النهار، هم وعمالهم من جميع الجنسيات اقتلاع النباتات الرعوية من جذورها، حيث تتوقف دورة حياة تلك النباتات، فلا مزيد من البذور التي تتساقط على الأرض، لتنبت من جديد، لذلك قل تكاثرها، ولهذا السبب قلت المراعي وتدهورت، وأصبحت النباتات السامة التي لا ترعى هي الغالبة والسائدة في مراعينا مثل الحرمل وغيره.

وأنا أتساءل كيف يمكن أن نوقفهم، هل نفرض غرامات أم نجد طريقة لتحسين قدرة مراعينا، بأن نجعلهم يكثرونها بدلاً من قلعها.

وهنا قد يسأل أحدكم كيف نحسن من قدرة مراعينا، ونوقف تدهورها، ونكثر من النباتات الرعوية في بلادنا؟ وأيضاً هل هناك فائدة من الغطاء النباتي بجانب فائدته الرعوية؟

نعم، هناك فائدة من الغطاء النباتي، ليسهم في تقليل نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون الضار، ويحد من ظواهر التصحر والاحتباس الحراري وتغير المناخ، وأتذكر مشروعات وطنية لوقف زحف الرمال مثل ما قام به أهالي مدينة عنيزة من تعاون منذ زمن بعيد، لم يسبق له مثيل، وذلك لوقف زحف الرمال على مدينتهم وذلك بزرع الأثل على الكثبان الرملية الزاحفة على مدينة عنيزة وسقياها حتى نمت، وما تقوم به وزارة الزراعة حالياً بزراعة أشجار تناسب البيئة الصحراوية وتستهلك كميات قليلة من المياه، وكذلك تتحمل نسبة عالية من الملوحة في المياه في المناطق المهددة بزحف الرمال حول منطقة الأحساء، هذا بجانب الفوائد الاقتصادية، حيث يمكن زراعة أشجار الزيتون خصوصاً في الشمال، وقد سمعنا أخيراً أن أحد المزارعين قام بزراعة مليون شجرة زيتون في مزارعه بحائل للاستفادة من محصولها فيما بعد. بالإضافة لنشر الغطاء النباتي الأخضر في أرجاء مملكتنا الحبيبة.

لكن هل يوجد أبطال في بلادنا مثل جامع بذور الزهور في القصة التي ذكرتها، لنتمكن من تحقيق زيادة الغطاء النباتي، وأنا أقول نعم سيوجد أبطال، وهؤلاء الأبطال هم من سيديرون مشروع برنامج وطني لشراء بذور النباتات الصحراوية الرعوية التي تنمو في بلادنا، التي لها القدرة على تحمل المناخ الصحراوي في بلادنا، بحره وبرده.

ألسنا نشتري القمح من المزارعين، ألسنا ندعم الأعلاف، ألسنا نريد أن نحافظ على مراعينا، ألسنا نريد أن نعيد الابتسامة لشعبنا حين يتجول في برارينا الخضراء، ليرى الإبل والأغنام النجدية وغيرها من الغنام المستوطنة للجزيرة العربية ترعى في كل مكان، لا شعير ولا نخالة، وتوفير في الإنفاق العام والميزانيات، وصحة جيدة للكثيرين ممن سيكثرون من الخروج للتنزه في تلك البراري الخضراء.

كما ستؤدي هذه الفكرة إلى زيادة دخل الكثير من أفراد الشعب ممن سيعمل في جميع البذور، وخصوصاً العاطلين عن العمل، والذين يقدر عددهم بحوالي 280.000 عاطل، وستعمل على حث الشباب والبدو وسكان القرى المنتشرة في ربوع بلادنا على تجميع تلك البذور، وذلك بترك تلك النباتات الرعوية تكمل دورتها الزراعية لإنتاج البذور في النهاية، هل تصدقون أن بعض الأفراد ربما يفكر في عمل مزارع للنباتات الرعوية لإنتاج بذورها.

وبعد ذلك تقوم الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وبالتنسيق مع كل من وزارة الزراعة، قسم المراعي، ومصلحة الأرصاد والبيئة، (الهيئة الثلاثية المشكلة التي لم تجتمع حتى الآن منذ تشكيلها منذ سنة تقريباً) ووزارة المعارف وأمراء المناطق المختلفة وعن طريق التطوع، ببذر تلك البذور في أوقات تسبق الأمطار خصوصاً في المناطق التي تفتقر للغطاء النباتي الرعوي، تحت إشراف خبراء المراعي، في المناطق البيئية المناسبة لكل بذرة، أو بدعوة الشركات الزراعية والمشاتل وأصحاب المزارع للتبرع بزراعة تلك البذور وإنتاج شتلات، تزرع في المناطق المختارة قبل هطول الأمطار، وكل منطقة فيما بعد يسمح فيها الرعي لمدة معينة ثم تحمى لتتمكن النباتات من إكمال دورتها الزراعية بإنتاج البذور، التي بدورها تتساقط على التربة لتنمو من جديد. إن هذه الفكرة ستحسن من قدرة مراعينا، وبالتالي سنخفض كميات ما نستورده من الشعير الذي يبلغ 40% من إنتاج أوكرانيا.

كما سيقلل من اعتمادنا على بعض الدول لزراعة الأعلاف مثل السودان، هذا بجانب تقليل استيراد مكونات الأعلاف المركبة مثل دبس السكر وفول الصويا ودريس البرسيم وغيرها، وبذلك ستوفر الدولة البلايين والبلايين.

كما يطلب من المؤسسات الزراعية وأصحاب المشاتل، بأن يسهموا في زيادة الغطاء النباتي، بجعل كل شركة مشتل يتبرع بتشجير أحد الوديان، أو أحد المناطق التي تحتاج إلى تشجير، اطلبوا منهم التبرع بعمل ذلك، فستجدون الكثير منهم، سيلبي نداء خدمة الوطن، فما زال لدينا الكثير من التجار الزراعيين الوطنيين.

وإنني أدعو جميع الشركات والمنظمات والجهات الحكومية إلى المساعدة في ذلك، من خلال التعهد المباشر أو من خلال توفير الدعم المادي لتوفير الشتلات كما أدعو جميع أفراد المجتمع لنشر أهداف جمع البذور وزراعتها في برارينا، وتشجيع الجميع على المشاركة لتحصل على بيئة خضراء وجميلة وخالية من التلوث وغنية بالأكسجين، مما سينعكس بالإيجاب على الجميع وعلى كل نواحي الحياة.

وأخيراً سيسأل أحدهم من أين تأتي بالماء للسقيا، وأقول، يتم ذلك عن طريق المطر في البداية لأن الزراعة يستحسن أن تسبق مواسم الأمطار، وثانياً، عن طريق تبرع المواطنين أصحاب الوايتات، وثالثاً، عن طريق البلديات ومياه الصرف الصحي، ورابعاً عن طريق حفر آبار سطحية بجانب كل منطقة تشجير تسقي النباتات في البداية عن طريق السقيا التحت سطحي. تعرفون اليد الواحدة لا تصفق، ويد الله مع الجماعة.فهل يتبنى أحد من مسؤولينا دراسة وتنفيذ تلك الفكرة إذا استحسنوها والتي سيعم الخير بلادنا إذا تم تنفيذها.

والله من وراء القصد

للتواصل مع الكاتب:
إما ص.ب. 90199 الرمز البريدي 11613 الرياض.





 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد