Al Jazirah NewsPaper Tuesday  07/10/2008 G Issue 13158
الثلاثاء 08 شوال 1429   العدد  13158
أهِيبُ بقومي!
البكاء على توقف عيون وادي الفرع!
فائز بن موسى البدراني الحربي

كانت بلادنا رغم طبيعتها الصحراوية تتميز بكثرة العيون المائية، وتحتفظ بمخزونات جيدة من المياه الجوفية تكفي البلاد لو تم استخدامها بشيء من التخطيط والوعي لعقود قادمة؛ لكن اتكاليتنا المعهودة، وعدم الاكتراث بالنتائج، من قبل الجهات ذات العلاقة، وسوء الاستخدام من قبل الأهالي، أدى إلى استنزاف تلك المخزونات خلال ثلاثين سنة فقط!!

لقد عرفت أنا وجيلي آباراً جوفية تندفع مياهها فوق سطح الأرض بمجرد فتحها، ودون رافعات آلية، وكان أصحابها يتباهون بذلك ويتركون المياه المندفعة تسيح على سطح الأرض لتضيع هباءً في الصحاري والمستنقعات المجاورة، ولا يستفيدون إلاّ بجزء قليل منها، ولم تكن لدينا جهات واعية مسؤولة عن ترشيد المياه حينئذ، فكان حفر الآبار واستنزاف المياه الجوفية يتم بلا رقيب ولا حسيب؛ فلم تلبث تلك الآبار والمياه المتدفقة أن ضعفت، ثم توقفت، ثم تلاشت مخزوناتها بالكلية..

أما عيون الماء الشهيرة في الأحساء والقطيف والخرج والحجاز فقد أهملت تماماً من قبل الجهات الرسمية، وتركت للمزارعين والمجاورين يستخدمونها بطرقهم البدائية دون تطوير أو ترشيد، ومع تناقص المعدل السنوي لنزول الأمطار، ضعفت تلك العيون، ثم توقفت واحدة تلو أخرى، فتحولت تلك الواحات الخضراء إلى صحارى قاحلة، هجرها أهلها إلى المدن المجاورة.

لا ننكر أن الجهات المسؤولة عن المياه قد أنشأت العديد من السدود، ولجأت إلى مشروعات تحلية المياه المالحة لمواجهة مشكلة العجز في مياه الشرب في المدن الرئيسة وما جاورها؛ لكن تلك الحلول الجزئية التي جاءت متأخرة لم تكن حلولاً جذرية، ولم تقدم بديلاً لما فقدناه أو أضعناه من مخزوناتنا المائية..

كثيرون كتبوا عن هذه الكارثة أو تحدثوا عنها؛ لكنني أكتب عنها وأنا أسمع وأرى توقف آخر العيون المائية لدينا هذه الأيام خصوصاً في منطقة وادي الفرع بمنطقة المدينة المنورة، حيث تتناقل أجهزة الجوال صوراً مؤلمة لتوقف العيون في وادي الفرع..

إن مشكلة نقص مياه الشرب التي بدأت تتفاقم في مدن تقع على البحر أو بالقرب منه مثل جدة والدمام وأبها وخميس مشيط والقطيف وغيرها، تمثل دليلاً واضحاً على أن الحلول المؤقتة لا تحل المشكلات بل تسكّن الإحساس بالألم إلى أن يتفاقم المرض.. إن مشكلة النقص الحاد في مياه الشرب ينبغي ألاّ تشغلنا عن كارثة كبيرة أخرى وهي تصحر أجزاء كبيرة من مناطق كانت زراعية وريفية يعيش من خيرها قطاع كبير من سكان هذه البلاد، وتوفر نسبة كبيرة من إنتاجنا الزراعي، وهي المناطق الزراعية المجاورة للمناطق الساحلية التي كانت تتدفق فيها عيون الماء العذب، وتقوم عليها زراعات ذات شهرة على مدى التاريخ كما هو الحال في الأحساء والقطيف وينبع النخل وأودية رابغ وحجر ووادي الفرع ووادي فاطمة وغيرها.. لماذا لم تفكر الجهات المسؤولة عن التخطيط لدينا باتخاذ البدائل والحلول المناسبة للمحافظة على تلك المناطق الزراعية، وإنقاذ الحياة فيها..

إن فكرة إعادة ضخ المياه المحلاة إلى تلك العيون وبيعها إلى المزارعين بطريقة مناسبة ليس أمراً مستحيلاً إلاّ على من لا يقدِّر أهمية تلك الكارثة.. أرجو ألاّ يبادر المسؤولون كما عودونا على تسفيه هذه الأفكار بدعوى ارتفاع التكلفة، لأن المناطق المذكورة لا تبعد عن البحار كثيراً، كما أنه يمكن تسديد جزء كبير من التكلفة عن طريق بيع المياه للمزارعين بأسعار مناسبة من خلال وضع عدادات شبيهة بعدادات المنازل، في حين تتولى الدولة تحمل جزء كبير أيضاً من التكلفة في سبيل تنمية تلك المناطق وإعادة الخضرة والحياة إليها..

إن استنزاف مياهنا الجوفية ونضوب الآبار، وتوقف العيون دون اكتراث أو دراسات جادة لإيجاد البدائل، يعد خطأً جسيماً سنعاني من تبعاته، وسوف تحاسبنا عليه الأجيال القادمة.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد