Al Jazirah NewsPaper Tuesday  07/10/2008 G Issue 13158
الثلاثاء 08 شوال 1429   العدد  13158
الأهلة.. نحو رؤية ممكنة لأزمة مزمنة!
د. سعد بن عبد القادر القويعي

كعادته كل عام، انتقد - الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي- أكمل الدين إحسان أوغلي قبل أيام، احتفال المسلمين عبر العالم بعيد الفطر في مواعيد مختلفة. معتبرا أن اختلاف تاريخ الاحتفال بعيد الفطر السعيد بين أقطار العالم الإسلامي .

لا يعكس الوحدة المنشودة في المشاعر والمواقف، ورأى أن هذا الوضع يمثل التشرذم والتشتت والفرقة، ويحدث بلبلة في الرأي العام، فضلا عن أنه لا يشكل مظهرا حضاريا. في الوقت الذي تيسرت فيه السبل بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي، من أجل تحديد المناسبات الدينية التي تجمع المسلمين.

ما حدث من إشكال في ثبوت هلال شوال - العام الماضي - 1428هـ، مساء الخميس ليلة الجمعة، حين غرب الهلال قبل غروب الشمس بدقيقة، وذلك في آخر موقع في السعودية، وهو مكة المكرمة، وقيل بأن الهلال رؤي مع أنه ليس موجودا في الأفق. هو نفس الإشكال تكرر هذا العام، حين غرب القمر مساء الاثنين الموافق 29 رمضان، الساعة السادسة وأربع دقائق، وغربت الشمس بعده الساعة السادسة واثنتي عشرة دقيقة، والفرق بين غروب الشمس وغروب القمر قبلها ثمان دقائق، فقيل بأن الهلال رؤي مع أنه ليس موجودا في الأفق. وهو ما استغربه الدكتور عبد العزيز الشمري - عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك - خلال مهاتفتي إياه، فأخبرني: أن الفلكيين لم يستطيعوا رؤية هلال شوال يوم الاثنين من خلال التليسكوب في مواقع مختلفة في السعودية. مؤكدا لي أن المراصد الفلكية في المدينة المنورة، هي الوحيدة التي تمكنت من رؤية الهلال مغرب الثلاثاء الموافق 30 رمضان، وبصعوبة على ارتفاع خمس درجات. فكيف يستطيع مواطنون رؤية هلال شوال يوم الاثنين الموافق 29 رمضان بالعين المجردة وتسجيل شهاداتهم، في حين أن أجهزة التليسكوب التي وزعتها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية على مواقع مختلفة في السعودية، لم تتمكن من رؤية الهلال ذلك اليوم؟.

الحقيقة أن تلك الإشكالية أجاب عنها جمع من العلماء - قديما وحديثا - منهم سماحة الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع - حفظه الله - حين قال: ويمكن الإجابة عن هذا بما يلي:

1- يحتمل أن يكون المرئي نجما، أو كوكبا قريبا من الشمس في حجم نقطة تظن هلالا كعطارد، أو المشتري، أو زحل. ويذكر لنا أن أخوين في عهد قضاء الشيخ علي بن عيسى - رحمه الله - في الوشم، تقدما إلى فضيلته بالشهادة برؤية هلال شوال، وحينما ناقشهما - رحمه الله - عن الهلال وصفته وموقعه من الشمس وبعده عنها واتجاه قرنيه، ظهر له من ذلك عدم دقتهما في الوصف والرؤية، فقال: لعلكما رأيتما نجمة؟. فقالا: نعم، لعلها نجمة. فرد شهادتهما.

2- يحتمل أن تكون الرؤية لطائرة، أو مركبة فضائية، أو قمر صناعي.

3- يحتمل أن تكون حالة جوية كعاصفة، أو سحابة، أو سراب.

4- يحتمل أن تكون حالة نفسية، حيث إن المتحري يخيل إليه شيء فيعتقده حقيقة.

5- يحتمل الكذب في ذلك، وهذا أبعد الاحتمالات إلا أنه قد يقع.

6- هناك احتمال يتعلق بحالة للهلال في شهر واحد من شهور العام وقد سبقت الإشارة إليه، وهذا وقت تفصيله:

قد يرى الهلال قبل ولادته، إلا أن هذه الرؤية ليست رؤية حقيقية للهلال، وإنما هي رؤية لانعكاسه في الأفق خلف الشمس، والحال أنه أمام الشمس لم يلد بعد. وهذه الحال قد يحتج بها على مخالفة القول بأن ولادة الهلال قطعية.

إن الجمع بين رؤية الهلال مباشرة عن طريق الرؤية بالعين المجردة، أو عن طريق الرؤية بواسطة آلة تكبير من مرصد فلكي، أو غيره. مع أخذ الاعتبار لرأي الهيئات العلمية، التي لديها علماء ومختصون في علوم الفضاء والفلك سيكون سببا في تضييق دائرة الخلاف والتفرق والتشتت، وسيعكس وحدة المسلمين ولا شك. لا سيما أن علم الفلك اليوم، علم كوني معتمد على نظريات كونية، وحسابات دقيقة، نتائجها بلا شك قطعية، لا يتعارض مع النصوص الشرعية، من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن اعتبار الحساب الفلكي في حالة النفي، ورد الشهادة برؤية الهلال قبل ولادته وغروبه قبل غروب الشمس، هو قول جمع من أهل العلم: كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والقرافي وابن رشد والسبكي وابن سريج وعبد الله بن مطرف وأحمد شاكر ومصطفى الزرقا وعبد الله بن منيع، وغيرهم كثير من علماء المسلمين.

العجيب في الأمر أنني اطلعت على لائحة نظامية تنظم عملية الرؤية، تحمل مسمى (لائحة تحري رؤية هلال أول الشهور الهجرية). صدرت بتاريخ 22-8-1418 هـ، ونشرت اللائحة في جريدة أم القرى، بالعدد رقم (3790) بتاريخ 16-1-1421 هـ. وهو ما أشار إليه - الأستاذ - عبد الرحمن آل الشيخ، في إحدى مقالاته. وقد جاء في اللائحة: أن المعتمد في دخول الشهر وخروجه، الرؤية الشرعية حسب ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء.. وأن تقوم وزارة الداخلية بتكوين لجنة أو أكثر - حسب الحاجة - في المناطق التي تكون مظنة لرؤية الهلال، تسمى: (لجنة تحري رؤية هلال أوائل الشهور القمرية). وتتكون هذه اللجنة من مندوبين من الإمارة، ومن أحد طلبة العلم من غير القضاة ترشحه المحكمة، ومن مندوب من قبل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وعلى اللجنة أن تستعين بمن تراه من المعروفين بحدة البصر. وأن تتولى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية إعداد جداول سنوية، أو أكثر, توضح مواعيد الاقتران (مولد الهلال) شهريا، ومواعيد شروق الشمس والقمر وغروبهما، وموقع الهلال وشكله في ليالي مظنة رؤيته، ويتم إرسالها إلى وزارتي الداخلية والعدل لتوزيعها على الجهات المختصة. والسؤال هنا: متى سيتم تفعيل مواد هذه اللائحة؟.

إن جاز لي أن أختم بشيء فهي الإشارة إلى سبب الإشكال في موضوع الأهلة، الذي يتكرر في كل عام، لا سيما تلك الشهور المرتبطة بالعبادات. وعدم الاعتبار لرأي الهيئات العلمية التي لديها علماء ومختصون في علم الفلك وحقائق الكون ودقائقه. هو ما أوضحه سماحة الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع - حفظه الله - بأن السبب، هو: (عدم الاعتراف للآخرين بحق القول، والركون إلى تزكية النفس، وعدم اتهام الرأي، والبعد عن مبدأ التحقق والتثبت والتواصي بالحق، من حيث البحث عنه. فمتى تنازلنا عن دعوة صحة توجهنا، وعملنا بقوله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} وبقوله تعالى: {فَتَبَيَّنُواْ}. إذا تم منا ذلك، واجتمعنا بعلماء الفلك، واستمعنا إلى ما لديهم، وطرحنا أمامهم إشكالاتنا، وتبادلنا معهم القول، أمكننا أن نصل إلى ما يقضي على مشكلة الرؤية للهلال).

ألا يحق لنا أن نتساءل بعد ذلك كله، وبإلحاح: متى سيتم الاستفادة من علم الفلك الذي يعتبر من أهم العلوم الكونية، ومن أهم وسائل الإثبات في دخول كل شهر وخروجه؟. وهل سيعجز علماء الأمة عن ابتكار الوسائل المتقدمة من أجل تحقيق المقصود الشرعي لرؤية الهلال؟.



drsasq@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد