Al Jazirah NewsPaper Tuesday  07/10/2008 G Issue 13158
الثلاثاء 08 شوال 1429   العدد  13158
ثلاثية
ا لعلمانية لا تقبل التجزئة 3-3
د. سعد البريك

الواقع العملي المعاش في البلاد العلمانية يؤكد أن مفهوم فصل الدين عن الدولة من الناحية العملية مفهوم أوسع مما نتصور، فالعلمانية هي دعوة شمولية لفصل الدين بكل قيمه عن حياة الناس العامة والخاصة وإذا ما كانت هناك حرية ترجى فهي حرية مؤطرة في دائرة هذا الفصل.

العلمانية - على التفسير المعاصر للدولة بما هي عليه اليوم- تتجاوز مسألة كونها مرجعية منزوعة الدين يتحاكم إليها المجتمع إلى كونها نظاما شاملا يقصي الدين من الحياة!!

من الغريب فعلا أن نجد لمن لا يرون بأسا في التلميح أو التصريح بعلمانيتهم تفسيرات مغلوطة عن العلمانية نفسها، فَهُم لتبرير تلك الدعوات - تحت ضغط الواقع- يعطون للعلمانية تفسيرا خاصا بهم مضمونه أن لا تناقض بينها وبين الدين وأن غاية ما تدعو إليه هو الحد من تأثير المؤسسات الدينية في تنظيم شؤون الدولة والمجتمع.

ولعل تفسيرهم (غير المسبوق) هذا، جعل تركيزهم منصباً على كل ما يرمز للدين في المجتمع، إنهم يهدفون إلى الحد من تأثير المؤسسات الدينية على الدولة والمجتمع. فهل هذا هو معنى العلمانية حقا؟! وهل في أدبيات الفلاسفة والمفكرين والمنظرين إشارة إلى هذه العلمانية المجزأة قديماً أو حديثاً!! أم أن هذا اختلاق يحيدون به عن الحقيقة؟.

إن حقيقة الأمر أن الدعوة إلى هذه العلمانية المجزأة ما هي إلا جهل أو (تكتيك) في اتجاه إيجاد بيئة مجتمعية وسياسية ملائمة تقبل دون اعتراض بالعلمانية الكاملة الشاملة التي لا تقبل الوقوف عند الأخلاق والقيم الدينية بل تتعداه لا محالة إلا ما هو أبعد من الأنظمة والسلطات كما جرت بذلك العادة في البلدان التي تدرجت في استيعاب هذه التحولات خطوة بعد خطوة.

ولهذا نجد علماء الاجتماع في الغرب يقيسون انتصار العلمانية بتدني نسبة المتدينين في واقع حياة الناس وكل ما يمثل الدين في المجتمع ويرمز له، وليس فقط بمدى توافق القوانين والنظم للفصل بين الدين والدولة، كما نجد بعض أنصاف المثقفين في الشرق ممن أشربوا في قلوبهم عِجْلها بجهلهم يحذون حذوهم شبرا بشبر فيستبشرون بانحصار كل ما يرمز للالتزام بالدين بداية بسلوك الأفراد ومرورا بنشاطات المؤسسات الدينية وانتهاء بالمستوى التشريعي والسياسي! بل يخوضون حرب إشاعات إعلامية للترويج لذلك الانحصار بكل طرق الكذب والتدليس، وها هي مقالاتهم وأغاليطهم عن المرجعية الدينية وحركة التصحيح بكل وسائلها وأدواتها ومجالاتها وميادينها شاهدة ناطقة بهذا الحال، وكأن نجاح دعوتهم العلمانية هي بتحقيق ذلك الانحصار الديني على مستوى حياة الناس الخاصة.

لكن ما يؤكده الواقع ويحاول الاتجاه العلماني المنبوذ تجاهله أن العلمانية لم تجد لها في ديار المسلمين مكاناً؛ فعامة الدول العربية العلمانية تعيش بقوانينها العلمانية في واد بينما المجتمع المسلم في واد آخر لأنه لا يعترف إلا بشرع الله ديناً وحكماً وها هي صناديق الاقتراع كلما فتح أمام الشعوب مجال لانتخابات حرة تشهد بهذا الأمر، حتى أصبح الغرب يخاف من إجراء انتخابات حرة نزيهة في بلدان المسلمين لأنه يدرك مسبقا أن النتيجة محسومة لصالح كل من يتبنى تحكيم الشريعة. أليس هذا ما رأيناه في بلاد شتى؟!!.

فحتى بتطبيق مفهومها الشامل وسيطرة مفهوم فصل الدين عن الدولة وعن جزء كبير من حياة الناس الخاصة لم تستطع العلمانية أن تجد لها موطىء قدم آمن ترسخ فيها جذورها فإذا نظرنا إلى العلمانية التركية التي فصلت الدين عن كل مؤسسات الدولة فصلا تاما وأثارت إعجاب الغرب بذلك، نجد أن أحلام تلك المؤسسات (المنزوعة الدين) لم تتحقق!! فالمؤسسات التركية بأحلامها في واد والمجتمع التركي المسلم المتدين في واد آخر.. وهذا هو قمة الإفلاس العلماني الذي أكدته صناديق الاقتراع على مدى سنين كما يؤكده المخاض السياسي والاجتماعي التركي اليوم والذي يشهد ولادة واقع إسلامي جديد أقض مضاجع العسكر واللوبي العلماني ومَن وراءه.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 8300 ثم أرسلها إلى الكود 82244




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد