Al Jazirah NewsPaper Thursday  09/10/2008 G Issue 13160
الخميس 10 شوال 1429   العدد  13160

الجدل وليد لطابع المكابرة
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري

 

سلطانُ المغالطة والمكابرة وما يلحقُ به من جدل طابعٌ لبعض منَّا، وربما أنّ هذا الطابع ذو صلة بمن تأخذه العزة بالإثم، فهل من المستحيل تعديل مسار هذا الطابع؟ وما هي الخلفيات التي أدت إليه؟ أمكتسبٌ هو أم متأصلٌ، أم أنه تعبيرٌ عن عجز في الوعي قد وقف به في مرحلة من الطريق؟

أو أنَّ الأمر بكامله اضطراب في النفس؟

لستُ متأكداً أني أدري. ولكنّ الاجتهاد والتأمل أمرٌ ممكنٌ، وربما أنَّ القاسمَ المشترك لفهم واستيعاب الموضوع يكمن في الوقوف على نشأة هذا الإنسان المكابر ومدى تأثره نفسياً ومقدار الوعي بتجاربه وخبراته والمكتسب من ذلك. ومن الواضح أنّ هذا الطابع يؤدي بالحوار وما هو في نطاقه إلى مسارين متضادين فيحدث التصادم حول الفكرة لذات الموضوع.

وهذا لا يمثل بحالٍ من الأحوال اجتهاداً في الرأي يصح الاختلاف من حوله لكنها المكابرة. وربما أنه عائد لأسباب منها أن تكون هذه المكابرة نتيجة لخطأ في أدب الحديث والاستماع، فلا استيعاب كافٍ للفكرة موضوع الحديث فيأتي ردّ الفعل بالمكابرة على مسار من الجدل. وهؤلاء ذوو حظ عاثر في مجال الفكر والتفكير والحوار ليس منهم من يفيد أو يستفيد ليكون بهذا العجز في مكان من طرف المجتمع والناس يتحاشى من حوله أي حوار أو تبادل الرؤى معه.

وحين اعتباره مكتسباً فهو الذي حل بردود فعل سلبية وإحباط لأنواع المشاركة مع الغير، أو ذلك الذي تأصل اكتسابه من الأسرة والأهل، وأعتقد أن تردي الثقة بالنفس، وبعضاً من مركبات النقص قد يأتي بالمكابرة والمغالطة بأسلوب جدلي.

كما أن هذا الطابع يتبين حينما يُجمعُ الأكثرية على رأي أو قرار فيظهر صوت المكابرة وتأخذ بصاحبه العزة بالإثم، فلا تراجع ولا من مفيد أو مستفيد في مثل هذه الحالة، وبهذه المكابرة نخسر رأياً نتمنى أن يتطور لينحسر ما يزعج من جدل، ولقبول من الغير.

وهذا الطابع مثال يشير إلى أهمية النظر إلى النفس ومراجعتها بهدف تطوير مكوناتها وتصحيح ما ينحرف عن الجادة، وكذلك إشباع العقل بالمعرفة ليتطور من خلالها، وتنمو المواهب الممكنة.

وفي المكابرة انعزالٌ، بتأثيرها يتحفظ الآخر من أي حوار مع هذا الطابع، وقد يقود هذا الطابع لكراهية الآخرين حينما تتقارب الآراء أمام من يغالط ويجادل من حولها، وهو طابع لا يصعب على بعض من التصحيح وتعديل أسلوب المشاركة في أي حوار حيث المهم الفهم والاستيعاب دون الخروج عن الموضوع، والرأيُّ الرصينُ سهل التعبير عنه بجلاء ومقدرة من المعرفة والخبرة، وقد يلعبُ التخصصُ دوراً في ذلك.

ومن المُسلَّم به أنَّ الرأيَّ انعكاسٌ لحصيلة العقل من واقع بيئته ومكتسباته، والرأي متى كان سديداً يشيد قواعد فكر يبدل مفعولها أوضاع وأوضاع، وهو طريق لحلول مطلوبة إزاء مشكلات نضيق بها. وبقدر ما ينعكس الفضل بلا مكابرة على صاحبه فبعضُ الآراء وسيلة لمنفعة عامة، وهو الرأي الذي يلقى قبولاً أوسع كما أن المكابرة والمغالطة أكثر وضوحاً مع الحوارات أو القرارات العامة بما يصاحبها من جدلٍ مزعج.

ويزدادُ أثر هذا حين يصدر من موقع المسؤول أمام مسؤوليه ومسؤوليته؛ فالحادي يهدي أو يضل وفق حصيلته، ومن هنا يتبين ضرر هذا الطابع متى فرض نفسه من المسؤول بعيداً عن حدود الحوارات العامة، ومن المكابرة أن لا يستشير أو يستعين برأي يقوي من رأيه لأهمية المشورة والتشاور بين الناس، فهذا الطابع يميل بصاحبه إلى استبداد الرأي والعنف فيه، إنه لطابع ثقيل على صاحبه وعلى الآخرين كما أنه يحد من تطور الشخصية ويعيق الأفق الواسع نحو الرئوية الأبعد.

ولقد قال الشاعر:

وعاجزُ الرأي مضياعٌ لفرصته

حتى إذا فات شيء عاتب القدرا

وقال المتنبي:

ولربما طعن الفتى أقرانه

بالرأي قبل تطاعن الأقران

وقال الفضل بن عياض:

الشراكة في الرأي تؤدي إلى الصواب.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6383 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد