Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/03/2009 G Issue 13328
الخميس 29 ربيع الأول 1430   العدد  13328

هل عاد نزار قباني... للتاريخ؟

 

بالأمس كنت أشاهد حلقة في إحدى القنوات الفضائية التي تعتني بالثقافة والأدب والشعر، وكان موضوع الحلقة (نزار في ذاكرة التاريخ)، وجلست أصغي وأشاهد ضيوف البرنامج الذين وصل عددهم نحو خمسة (ثلاث نساء ورجلان)، وكالعادة اختلف الضيوف على نزار؛ فالرجال صبوا غضبهم على نزار واتهموه بأنه مجرد شاعر ماجن يكتب عن (الحب والنساء) فقط، بينما النساء أكدن أن نزار إلى جانب كونه شاعر المرأة فإنه أيقظ الأمة العربية من سباتها العميق حينما أعلن من خلال (الهوامش) آنذاك... وتلقفها الساخطون والمتمردون على كل شيء كالعطش تروي بها ظمأ السنين والحرمان من المشاركة الفعلية في الحياة السياسية... وأول عبارة قالها نزار في (هوامشه):

مالحة في فمنا القصائد

مالحة ضفائر النساء

والليل والأستار والمقاعد

مالحة أمامنا الأشياء

وقد شدني موضوع الحلقة، ولم لا؛ فهي عن شاعري المفضل الذي قضيت فترة طفولتي ومراهقتي وشبابي وأنا أحفظ وأردد قصائده في كل المناسبات؟ وتذكرت أنني أملك جميع دواوين نزار، وأتذكر أيضاً أن مجموعة من أصدقائي آنذاك يختلفون معي عن نزار، ولكن مهما اختلف الناس أو اتفقوا مع نزار أو مع معجبيه، فقد كانت بالفعل كل الأشياء (مالحة) وفي مرارة العلقم في حلوق الأجيال... وكانت قد فقدت براءة أو لهواً... وحملت السلاح أبيض سوى أيام قليلة.... وكانت القصيدة إعلاناً عن مقاطعة نزار لشعر النساء... إلى شعر الثورة والثوار... فتبع المثقفون خطاه تحت شعار: لا وقت للحب... لا وقت للنساء... فمالحة في فمنا القصائد... مالحة ضفائر النساء... وتحولت مقاطع عديدة من قصيدة (الهوامش) إلى شعارات يرددها المثقفون، وقد صدقت نزار عندما قلت:

يا وطني الحزين حولتني بلحظة

من شاعر يكتب شعر الحب والحنين

لشاعر يكتب بالسكين

وفي نظري ونظر مجموعة من الشعراء والمثقفين أن الشاعر نزار قباني راجع ذاته وأخذ يجلدها بنفسه... نزع قمصانه المزركشة التي يغوي بها النساء وارتدى سترته العسكرية ونزل مع الجماهير لساحة القتال، لقد صدقناه رغم آراء المعارضين.. لأنها كانت بحاجة إلى أن تصدق أحداً... لأنها فقدت ثقتها بكل شيء.

نجده يصرح في لقاء لجريدة الشرق الأوسط، وكأنه يستغيث ويتبرأ من كل التهم التي ألصقت به؛ فيقول: هل من الممكن إكراماً لكل الأشياء أن تخرجوني من هذه القارورة الضيقة التي وضعتني فيها الصحافة العربية؛ أي قارورة الحب والمرأة وكأنه يسعى للتطهير من سنوات المجون والمراهقة التي اتهمه بها المثقفون الرجال بالطبع؟

ورغم كل شيء فإن نزار قباني نتفق ونختلف معه؛ فهو في النهاية شاعر عربي كبير عملاق بجماهيره الواسعة العريضة وبمعجبيه وعشاقه الذين لا حصر لهم وهو شاعر عربي كبير بحجم عطائه وامتداد تجربته عبر خمسين عاماً من الشعر.. وهو شاعر عربي مجدد؛ لأنه استطاع أن يحفر لقصائده طريقاً ومساراً، وهو الشاعر العربي الذي عاد للتاريخ الحالي في أحداث غزة الأخيرة في قصيدته:

أصبح الآن عندي بندقية

إلى فلسطين... خذوني معاكم

يا أيها الثوار... في القدس... في الخليل... في بيسان... في الأغوار... في بيت لحم حيث كنتم أيها الأحرار... تقدموا... تقدموا إلى فلسطين... طريق واحد... يمر من فوهة بندقية.

الدكتور محسن الشيخ آل حسان - الرياض

farlimit@Farlimit.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد