Al Jazirah NewsPaper Sunday  03/05/2009 G Issue 13366
الأحد 08 جمادى الأول 1430   العدد  13366
الشعور بالفوقية أزمة أخلاقية
حمد عبدالرحمن المانع

 

الاحترام المتبادل مبدأ نبيل، وتسير على ضوئه العلاقات بين الناس، وترجمة هذا المبدأ وتجسيده في التعاطي مع الأمور المختلفة، من خلال العلاقة مع مختلف الأطياف، وعلى النقيض من هذا المبدأ تبرز بعض الصفات السيئة التي لا تمت للأخلاق بصلة، ومن ضمنها التعالي والفوقية، إذ يعتقد من يقع فريسة لمركب نقص يسيطر على مشاعره بأنّ هذه هي الوسيلة السليمة لتجاوز إخفاقات معينة ترسبت في الذاكرة ولم يجد بداً من صدها سوى من خلال خنق مبدأ الاحترام وإفراغه من محتواه، وبالتالي فهو لم يدرك المعنى الجميل للإطار الذي يحتوي طبيعة العلاقة السوية بين البشر الذين خلقوا سواسية، وهو ما يقره المتعالي ولا يستشعره فضلاً عن أن يطبقه، وتتخذ هاتان الصفتان السيئتان بعداً سلبياً لا تقف آثاره عند الافتقار إلى اللياقة واللباقة بقدر ما تنبئ عن وجود خلل في منظومة القيم الأخلاقية من حيث القناعة بآثارها المعنوية الإيجابية ودلالاتها المعرفية التي تحدد القياس الدقيق للاستقامة بمفهومها الشامل، والأدهى حينما تكون صيغة التهكم والتجريح المعنوي منطلقاً للبعض في نثر الأوجاع المختلفة، وما تخلفه من انتكاسات نفسية تسلب عنصراً من شرف الامتثال لقيمة حث عليها الدين الحنيف المتمثلة في التواضع، وتخدش الرسالة النبيلة التي يجب أن يتحلى بها الجميع وفق التعامل الإنساني اللائق، فإذا طغت النبرة الفوقية التي تنم عن اختلال في مستوى الثقة بالنفس، فإن تغطية هذا الحيز الذي يأخذ هذه المساحة موازياً للمساحة التي فقدت أو يعتقد بأنها فقدت منه وفق تصوره الخاطئ ظناً منه بأن التعويض على هذا النحو سيعيد له اعتباره وقيمته، وهو في واقع الأمر سيسقطه فهو لم يفقد شيئاً، إلاّ أن الأوهام نسجت هذا التصور، ومسألة السيطرة على المشاعر ما هي إلا اختبار لمدى قدرة الإنسان في تخطي الهواجس المؤذية، وبالتالي فإنّ النجاح في هذا الاختبار يكمن في مستوى التحكم والسيطرة، ومن لا يحترم عقول الآخرين ومشاعرهم فإنه ليس جديراً بالمسؤولية، وهو كما أسلفت استدراج للترسبات السيئة والكامنة في ذاكرته ومزجها في الواقع إلى مستوى لا يليق به من حيث الالتزام بالمبدأ وتطبيقه وهو الاحترام كما أسلفت، على حين أن العنطزة وفرد العضلات ستسهم ولا ريب في تمرير الإحباط للآخرين ممن أعماه الغرور ليوزع بطاقات الانتقاص كيفما اتفق، وهذه الأصناف التي تنبت في المجتمعات يسهل اكتشافها ويصعب التعامل معها لاعتبارات معنوية، لأنّ الإنسان بذكائه وفطنته يميز الطيب والرديء ويفهم ما بين السطور، فتجد الواحد من هؤلاء العنطزية البؤساء حينما يتحدث فإنه يحدثك من أرنبة أنفه، وكأنّ الكلمات ستخرج من ماكينة صراف آلي وليس من شخص سوي خلقه المولى في أحسن تقويم، وإما إذا نظر إليك فإنك في هذه الحالة تتمنى أنك لم تولد لتجد هذا اليوم وهذه الساعة وهذا الطاووس أمامك، وعندما يمشي فإنه يمشي متبختراً وليته يتبخر ليريح البلاد والعباد ويمشي ببطء وتثاقل وكأنه يمشي على طبق بيض، وأكاد أجزم بأنّ الحركة البطيئة بالأفلام تم اكتشافها من طريقة مشية هذه النماذج المتهرئة، وفي سياق الهاتف والرد على المكالمات، فإنّ العبارات لا تخلو من جفاء وحدة (من أنت - وش تبي - غلطان) وهلم جرا أي أن الكلمات اللطيفة غادرت قاموسه المليء بالمفردات الجافة (عفواً - فضلاً - يا أخي - معليش لو سمحت - آسف) وفيما إذا قدر لك أن تصافحه فإنه يسلم عليك بأطراف أصابعه ويسحب يده بسرعة صواريخ توما هوك وكأنه لامس سلك كهرباء 220 فولت، والأمر المحزن حقاً حينما تكون لك مصلحة أو معاملة وتخليصها مرتبط بهذا الشخص حينئذ فإنّ خيار المواجهة لا بد منه فتسلح بالصبر والثبات، والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف نعيد هذه النماذج إلى جادة الصواب وهم قلّة على أية حال، إذ تلعب التربية ووسائل الإعلام والمجتمع بشكل عام دوراً بارزاً في تحجيم هذه السلوكيات، إنّ التعاطي الجاد وتكريس صفة التواضع ونبذ التمييز بكل صنوفه وأشكاله هو الطريق الذي يجب أن نجذبهم إليه معززاً بالعلم والمعرفة والأدب الجم، وكيف أن العظماء تجدهم أكثر الناس تواضعاً، فهل حان الوقت لضخ الثقة في شرايين المفاصل المؤثرة ليظلل الاحترام العطاء المعرفي بأبعاده التي تستشرف بناء العقول وتهيئتها فكرياً ومعنوياً لبلوغ ما نصبو إليه، أرجو ذلك.



hamad@asas-re.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد