Al Jazirah NewsPaper Sunday  03/05/2009 G Issue 13366
الأحد 08 جمادى الأول 1430   العدد  13366
الطاقة النووية والحوادث النووية
بمناسبة مرور 30 عاما على حادث ال(TMI) في أمريكا
د. مهندس عبدالله بن صالح الخليوي

 

بحلول يوم السبت الموافق 28 مارس - آذار من عام 2009م يكون قد مضى ثلاثون عاماً على وقوع أسوأ حادث نووي في تأريخ الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تقع جزيرة الTMI أو الثلاث أميال على بعد 11 ميلا من هارسبرج على نهر سسكيهانا عندما حدث انصهار جزئي لقلب المفاعل في الوحدة الثانية لكن لم ينتج عن الحادث أي ضحايا رغم أنه أثار الرعب والقلق في نفوس الأمريكيين. بيد أن الحادث لم يؤثر على استمرار الاعتماد على الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء حيث تشكل الطاقة الكهربائية المنتجة عن طريق المفاعلات النووية في الولايات المتحدة الأمريكية ما يقارب 20% إلا أن بناء مفاعلات نووية جديدة توقف منذ ذلك الحين، ولعل الرأي العام الأمريكي كان له الدور الأكبر في ذلك التوقف حيث لابد من الاستماع للسكان القريبين من منطقة إنشاء المفاعل النووي وأخذ آرائهم بالاعتبار عند إنشاء أي محطة نووية. ورغم هذا الحادث المؤسف والناتج عن خطأ بشري إلا أن المحطة النووية بوحداتها الأربع استمرت في إنتاج الكهرباء ومددت رخصة التشغيل عشرين سنة أخرى عن طريق NRC أو هيئة التنظيم النووية والمختصة بعملية إصدار التصاريح للمحطات النووية. وقد سعى ما يزيد عن نصف عدد محطات الطاقة النووية العاملة في الولايات المتحدة للحصول على تمديدات لفترات تراخيصها لمدة عشرين سنة تضاف إلى فترة الأربعين سنة التي كان قد رخص لها بالعمل فيها، فحصلت عليها وأصبحت تعمل على أساسها اليوم. ويتوقع قطاع هذه الصناعة أن تقوم جميع محطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية الأميركية بطلب الحصول على هذه التمديدات مع انتهاء أجل الرخص الأصلية.

الحادث بدأ بتوقف الوحدة الثانية والتي تنتج 880 ميجاواط من الكهرباء عن العمل، وتوقف الوحدة عادة يكون نتيجة انقطاع البخار الذي يديرها، واعتقد الفنيون في غرفة التحكم أن الأمر قابل للحل ومسيطر عليه. في الأيام التي تلت ذلك التوقف تسرب البخار المشع والغاز بشكل متقطع في الوسط المحيط بالمفاعل. وقد كان هناك تخوف من انصهار قلب المفاعل وبالتالي احتمال حدوث انفجار بخاري قد يحطم جدران الغلاف المحيط ذي الأربعة أقدام سماكة، ولكن الله سلم وتمت السيطرة على الحادث بدون ضحايا.

لاشك أن الحادث لم يكن أبدا بخطورة حادث تشرنوبل الشهير والذي وقع في إبريل من عام 1986م لكنه ألقى بظلاله على الصناعة النووية في أمريكا والعالم على حد سواء، وكانت المأساة هي توقف الصناعة النووية والامتناع عن بناء أي مفاعلات جديدة لكن في المقابل عزز الحادث من الدور الرئيس لوسائل الأمان النووي وأهميتها في الجيل الجديد من المفاعلات النووية. ويفهم الكثيرون خطأ أن قرار التوقف عن بناء أي مفاعلات نووية كان بسبب حادث الTMIوهذا غير دقيق على الإطلاق فقد ألغيت التصاريح الممنوحة لبناء مزيد من المفاعلات النووية قبل الحادث وذلك بسبب ضغط الرأي العام والتأليب الإعلامي ضد المفاعلات على وجه الخصوص. وقد لا يدرك الكثير من الناس في ذلك الوقت أن المفاعلات النووية تقلل وبنسبة كبيرة من الانبعاثات السامة مثل غاز ثاني أكسيد الكربون أو أكسيد النتروجين أو ثاني أكسيد الكبريت التي تسبب الاحترار العالمي والمطر الحمضي والضباب الدخاني التي تهدد طبقة الأوزون وتلوث الهواء، قد لا يدركون تلك الحقيقة ظنا منهم أن المفاعل النووي بعبع أو قنبلة ذرية يجب التخلص منها على الفور. أما الطاقة المتجددة والمقصود بها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فهي طاقة متقطعة تعتمد على الأحوال الجوية وكفاءتها متدنية للغاية مقارنة بمصادر الطاقة غير المتجددة إضافة إلى الكلفة العالية، تشغل المحطات النووية لتوليد الطاقة مساحات صغيرة نسبياً من الأرض بالمقارنة مع محطات التوليد التي تعتمد على الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، قد نحتاج إلى حقل شمسي بمساحة تزيد عن 35 ألف فدّان لإنشاء محطة تدار بالطاقة الشمسية لتوليد طاقة تعادل ما تولده المحطة نووية بمقدار 1000 ميجاوات، كما أن مساحة الحقل المعرض للرياح اللازم لمحطة توليد تدار بالرياح لإنتاج نفس الكمية حوالي 150 ألف فدّان أو أكثر. في حين أن محطة نووية قدرتها 1900 ميجاوات تشغل مساحة لا تتجاوز 500 فدان.

هناك اتجاه عالمي متنامٍ نحو الطاقة النووية في العديد من دول العالم كاليابان وكوريا والصين والهند وغيرها وهي أشبه ما يكون بالنهضة النووية التي خمدت زمانا بسبب المخاوف غير المبررة من الطاقة النووية، ولو عملنا مقارنة بسيطة للضحايا الذين يموتون جراء حوادث السير أو تحطم الطائرات أو القاطرات أو ضحايا الأعاصير والزلازل أو الأمراض الفتاكة، وضحايا الحوادث النووية لأدركنا البون الشاسع والفارق الكبير. إن هذه النهضة النووية التي تجتاح العالم تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المستقبل للطاقة النووية فهي صديقة للبيئة عندما يتعلق الأمر بالانبعاثات التي تنتجها المحطات التقليدية التي تعمل بالغاز الطبيعي أو الفحم. لاشك أن التصاميم الحديثة للمفاعلات النووية من الجيل الثالث تعزز عوامل الأمان بنسبة كبيرة وتعتمد على استغلال الأنظمة الطبيعية كالجاذبية وغيرها وتوظيفها في النظام الأمني للمفاعل، وقد ازدادت ثقة الأمريكيين في تشغيل محطات الطاقة النووية بالترافق مع ازدياد الإدراك للفوائد الاقتصادية والبيئية المتأتية عنها ومع تحسن مأمونيتها. وأظهرت بعض استطلاعات الرأي أن نسبة 70 بالمئة من الأميركيين يؤيدون استمرار تشغيل محطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية القائمة حالياً وأن نسبة تزيد عن 50 بالمئة منهم تدعم بناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية. وهناك اليول 440 محطة طاقة نووية تولد 16% من مجمل ما يحتاجه العالم من الطاقة الكهربائية. وقد بدأ تنفيذ برامج نشطة لبناء محطات جديدة للطاقة النووية، وعلى وجه التخصيص في دول شرق آسيا، وروسيا، والهند. وأصبحت الولايات المتحدة نفسها على وشك استئناف بناء محطات جديدة تعمل بالطاقة النووية، وهي العملية التي بقيت جامدة لمدة تزيد عن 32 سنة أي منذ عام 1977م حيث تم إنشاء محطة سيبروك في نيو هامبشاير (شمال شرق أمريكا) ودخلت الخدمة في 1990م.

يركز برنامج الطاقة النووية 2010م على اختبار والمصادقة على عملية جديدة للترخيص لدى الهيئة التنظيمية للطاقة (NRC) على طلب الحصول على شهادة تؤكد أمن تصميم نظام المفاعل، وإصدار إجازة تسمح باستعمال الموقع المقترح لإنشاء المفاعل، علاوة على إصدار إجازة موحدة لإنشاء وتشغيل تصميم مفاعل مصادق عليه يقام في موقع يسمح بإقامة محطة طاقة نووية فيه، وقد حصلت أربعة تصاميم لمفاعلات متقدمة وضعتها شركتا وستنجهاوس وجنرال إلكتريك على مصادقة الهيئة التنظيمية النووية، ولا زالت ستة تصاميم أخرى في طور المراجعة من المتوقع أن تتم المصادقة على تصميمين منها على الأقل ما بين عام 2008 و2010م. وقدمت ثلاث مجموعات طلبات للحصول على إجازات استعمال مواقع لإنشاء ست محطات محتملة جديدة على الأقل، وهي الآن قيد الدراسة.

وأخيراً، أبلغت 12 شركة كهرباء اللجنة التنظيمية النووية بخططها للسعي في الحصول على إجازات إنشاء وتشغيل ما يصل إلى 23 مفاعلاً جديداً. وقد تم التقدم بأول الطلبات الرسمية لإنشاء محطات للطاقة النووية في أواخر عام 2007م. وقد قام أكثر من 100 خبير دولي بالطاقة النووية بوضع خريطة طريق إنشاء المفاعل المتقدم من الجيل الرابع لتقييم وتحديد أولويات ست تكنولوجيات لمفاعلات الجيل القادم تملك إمكانية قوية بأن تكون أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية وأكثر مأمونية وأكثر استدامة وأكثر مقاومة للانتشار النووي من التكنولوجيات القائمة. وبرز المفاعل الشديد الحرارة للغاية المبرد بالغاز، والمفاعل السريع المبرد بالصوديوم، كتكنولوجيات ذات أولوية للتطوير والتجربة على المستوى الدولي. وتقوم محطات الطاقة النووية للجيل القادم على أساس تكنولوجيا التبريد بواسطة الغاز والتي تستطيع أن تعمل تحت درجات حرارة تتراوح بين 850 و950 درجة مؤوية، مع كفاية حرارية أحسن بكثير لإنتاج الكهرباء.

معهد أبحاث الطاقة النووية بالرياض


akheliwi@kacst.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد