فإن من القبيح أن ينكر أحد جمال ذلك الكائن الفاتن الرقيق العاطفي، ذلك الكائن الذي هو من دلائل عظيم خلق الله تعالى.
ذلك الكائن الذي عاش ردحاً من الزمن تحت أكناف الظلم والجور والشؤم على يد أهل الجهل والجاهلية.
وحين أشرق الإسلام بنوره وضيائه مزق حجب الظلم والظلم التي تحيط على هذا الكائن وتريد أن تستعمله في الأغراض الحيوانية والهموم الشهوانية.
ومع مرور الزمن فما زالت بعض أهواء الجاهلية تسكن في أعطاف بعض الرجال، حيث أصبحت المرأة لا قيمة لها في نفوسهم ولا في قلوبهم، بل أصبحت كأداة للمتعة واللذة والشهوة وحسب.
إن من السيء أن نكتم سر الإهانات التي تغرس في جوف الفتاة أو المرأة والسكاكين التي تمزق قلبها في بعض مجتمعاتنا وللأسف.
المرأة وما أدراك ما المرأة؟
ذلك الجسد الناعم والحس المرهف والقلب الرقيق والمشاعر الفياضة.
المرأة.. ذلك الكائن الذي فطر على الحب والرحمة والشفقة.
ولا جرم أن عين الوقاحة أن يستغل الرجل قوته ليكسر بها عواطف هذه المرأة المسكينة التي قد تلجأ إلى الرجل بعد الله عند الشدائد العظام.
ما أقبح وأخسأ تلك النفس الدنيئة التي أصبحت لا تفرق بين جسد المرأة وعاطفة المرأة وجسد الرجل وعاطفة الرجل ثم ترى تلك النفس بعد ذلك تستغل ضعف المرأة لتصنع بها القوة والكبرياء والأنفة باسم سيد البيت وأميره كما في حديث أم زرع (إذا دخل أسد وإذا خرج فهد).
من هنا كان لزاماً أن نبين حقيقة ربما كانت غائبة أو مغيبة عن المجتمع، وكما قيل للبيوت أسرار، ولكن في عالمنا اليوم تبينت كثير من الحقائق وتكشفت كثير من المرواغات خلف الكواليس، من تمثيل للحب أو المودة أو القيام في الحقوق بينما هم يعيشون مع زمرة الأفاكين ويسكنون حظائر المبطلين.
نريد أن نبين حقيقة ربما سيطرت على المجالات الإعلامية المتنوعة، وهي المطالبة بأشياء كثيرة للمرأة هي في الحقيقة بالنسبة لأنوثتها شيء ثانوي لا قيمة له أمام المرأة السوية، فإن من العجيب أن نطالب للمرأة بعمل مع الرجال بينما هي تشكو من تسلط بعض الرجال وتحرشهم. ومن العجيب أن نطالب بمهنة للمرأة لا تتوافق مع تشكيلة جسدها الناعم الرقيق.
ولذا فإن الإسلام كفل للمرأة حقوقها رغماً عن أنوف الذين يسبحون في بحر العناد والسيطرة، ولا يمكن لأي كائن أن ينكرها أو يزايد عليها لأنها من ينبوع صاف لا يمكن أن يغير صفوه تقلب الزمان والمكان.
لقد خلق الله تعالى هذا المخلوق الفاتن بأجمل خلقة وأبهاها وأحلاها، جسم ناعم وجلد رقيق وعيون ساحرة وثغر عبق.
خلقها المولى جل وعلا وجعل من فطرتها حب الجمال والحسن والدلال، وهن شقائق الرجال في الحرام والحلال إلا أنها في خلقتها المختلفة عن خلقة الرجال نجد أن المولى جل جلاله أباح لها ما لم يبح للرجال من ذهب وفضة وحرير وأقراط وأساور وغير ذلك، وذلك لما فطره عليها من حب الجمال وسعي للكمال فأعطاها ولم يمنعها سبحانه.
ولما كانت المرأة صاحبة تأثر سريع وعاطفة جياشة ورقة واضحة وكان ذلك هماً لها، أمر الله جل جلاله بالعدل معها وعدم ظلمها وعدم التعدي عليها، وهو ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينادي بالحج الأكبر (استوصوا بالنساء خيراً...).
ذلك لأنها جسد عاطفي يميل إلى الرقة والحنان ويكره العنف والإرهاب. وأما من خرجت من النساء قاتلة أو ساحرة أو معذبة أو جلادة فهي شاذة عن الأنوثة الحقيقية.
ومع هذه الصفات الجميلة الكريمة للمرأة ومع ما فطره الله تعالى عليه إلا أنك تعجب أشد العجب من أناس اتخذوا من المرأة كائناً لا قيمة له ولا مكانة!! يصبون عليها جام الإهانات والمعاملات الدنيئة والتصرفات العفنة التي لا تنبئ إلا عن حب السيطرة وتغيير لمعنى القوامة الشرعية.
كما تعجب من آخرين اتخذوا المرأة كائناً خُلق لأ جل المتعة واللذة وحسب، فاستغلوها هدفاً لجلب الزباين واتخذوا منها حاسرة عارية وكأنها نوع من المشروب الذي يدعو للسكر والعربدة، بل اتخذوا صورها في كل مادة تجارية حتى أكياس القمامة لم تسلم من ذلك.
لقد أصبحت المرأة في عصرنا الحاضر محل تنازع عند العالم حتى تسببت في وضع يوم عالمي لها ولكن للأسف لم يكن يوماً جيداً للمرأة بل كان عبئاً يطعن في أنوثتها.
ألا يا ليت المشفقين على المرأة والباكين من أجلها ينظرون بنظرة ثاقبة بارعة إلى الأمور التي تبحث عنها المرأة وتحتاج إليها بدل المطالبة بأشياء ثانوية ليس لها قيمة تذكر في قلب المرأة المكلفة.
إن المرأة في مجتمعاتنا اليوم لا تزال كائناً لا حقوق له، فهي كأم تعيش الجحيمين من ابن يستغل رقة أحاسيسها في تحقيق مآربه ولو بالعقوق فيها، أو بنت تتسلط عليها وتريد أن تمسك عنها راية رعاية البيت، والجحيم الآخر حين تكون هذه الأم زوجة بين يدي وحش كاسر لا يعرف إلا العصا والعقال والضرب وسيلة لإهانتها، ونسي هذا العربيد حديث النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يأتي في آخر النهار يضاجعها).
فأي دناءة يحملها هذا القلب الشهواني! وهو يسعى لمصالحه وحسب ويتناسى مصالح زوجته التي تعمل لأجله بصدق وإخلاص وتفان..
وحين تلتفت يسرة ترى في عالم الأنوثة فتاة تعيش تحت أب ظالم جعلها كالسجينة أو أشد من ذلك، لا ينظر لها بعين الرحمة والشفقة بل يعاملها بروح القسوة والجفوة، وأب آخر يمنع عنها الزواج فكلما تقدم لها الكفء الكريم يمانع ويتعذر بصغر سن أو نظرة خاطئة لخلق ودين الرجل أو مهنته وعمله، ونسي قول الحبيب صلى الله عليه وسلم (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض). وأب آخر يمنع ابنته من الرجوع إلى زوجها ويزيد في عضلها منه وربما تسبب في فراقها الأبدي منه وكأنه أصبح الزوجة بدل البنت يتحدث عنها ويجادل عنها.
وأب آخر يلزم ابنته أو أخته بالزواج ممن لا تحبه ولا توده، ونسي هذا الدكتاتوري أن ابنته أو أخته هي التي ستعيش مع هذا الرجل وليس هو، ولذا فإن الشريعة جعلت من شروط النكاح التي لا يصح إلا بها التراضي بين الزوجين، ولكن هذه النفوس الدنيئة لا تأخذ من القرآن والسنة إلا ما وافق هواها وحسب.
وهناك في عالم الأنوثة بعض من الفتيات تعيش تحت اضطهاد وظلم من أخ متسلط أو قريب يحاول منعها من حقها بل ومنعها من كل ما تحبه وربما أراد منها فوق ذلك!!!
هذا الجحيم تعيشه بعض نسائنا في مجتمعاتنا وللأسف، ولا زالت محاكمنا بفضل الله تعالى تلئم بعض هذه الجروح، ولكن ما زال الخوف يسيطر على كثير من الفتيات كيف تشتكي من أخيها أو أبيها أو عمها أو خالها (ولقد وددنا أن تكون ثمة هواتف خاصة لتقبل هذه المشكلات وتكون بسرية تامة وحتى يذهب روع هذه الفتيات وخوفهن وحتى لا تزيد ظاهرة هروب الفتاة).
أما عن الاضطهاد الآخر فأولئك الذين يسعون لتكون المرأة خادمة الرجال، ذئاب يقبلون فيها أعينهم ويتحينون فرصة العبث بها والتحرش بها، إنهم يكرهون أن تكون المرأة في قسم خاص للنساء تعيش أجواء العمل مع بنات جنسها فلا خوف ولا رهبة بل تأخذ فيه المرأة تمام الأريحية وتبذل زيادة في الجهد لأداء العمل بإخلاص وإتقان.
فلِمَ يحاول البعض أن يحاربوا هذا النوع من العمل، ويطالبوا باختلاط المرأة مع الرجال؟!
أولم تكن القصص والإحصاءات الكثيرة التي تبين سلبية الاختلاط بين الجنسين في العمل شاهدة لهؤلاء لقطع مسيرتهم في دعوى تحرير المرأة من المرأة؟! وآخرون يتحدثون عن عملها كجرسون في مطعم وخادمة في منزل وزبالة في فندق وسائقة في تاكسي وعارضة في أزياء وفاتنة في مرقص!!!
هذا ما يريد هؤلاء أن تصل إليه المرأة ولذا فإنهم يمتدحون تلك المرأة التي صعدت خشبة المسرح وهضبة الأخبار وركبت سهول الأغاني والطرب.
فهل يا ترى هذا ما تنشده المرأة وتحتاجه وتبكي لأجله، وهل هذه هي الحقوق التي تريد أن تصل لها المرأة؟!!!
أولم يكن لهم آية ما جرى للفتيات من حولنا كيف يتخطفن بذلة وإرغام وإهانة ليصلن إلى الدولار عبر تصرفات شاذة وأخلاقيات بغيضة تصبح كالأمة بين يدي هذا الرجل الشهواني وحسب لأجل أن تأخذ بضع دولارات يقمن صلبها.
هل يريدون أن تعيش المرأة بعد سن السابعة عشرة أو الثامنة عشرة وحيدة فريدة يعبث بها من يشاء ويرميها كيف يشاء ولا يدافع عنها أب ولا أخ ولا قريب باسم الحرية ونبذ القوامة الشرعية!؟ هل هذا من تحرير المرأة أم من تعذيب المرأة؟!.
بقي لنا أن نعقل جميعاً كيف نحرر المرأة من كل الرقين رق السيطرة والظلم والاستبداد ورق الشهوانية والتحرش والابتزاز.. فهل سنحرر المرأة؟؟؟
إمام وخطيب جامع الإمام بن ماجه رحمه الله